الأربعاء 2022/04/27

آخر تحديث: 15:29 (بيروت)

ماذا تعني سيطرة إيلون ماسك على "تويتر" للعالم العربي؟

الأربعاء 2022/04/27
ماذا تعني سيطرة إيلون ماسك على "تويتر" للعالم العربي؟
increase حجم الخط decrease
لا يمكن الحكم تماماً على مدى التغيير الذي سيطاول الجانب العربي من "تويتر" بعد سيطرة رجل الأعمال إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، على موقع التدوينات المصغرة في صفقة فلكية تقدر بنحو 44 مليار دولار هذا الأسبوع، بسبب الغموض الذي مازال يحيط بمخططات ماسك ورؤيته لمستقبل الشركة، وما الذي يعنيه حديثه الدائم عن حرية التعبير كقيمة يزعم أنه يدافع عنها.


ويمكن تلخيص المشهد العربي في "تويتر" في السنوات الأخيرة بأنه كان ساحة لصراع هيمن عليه خليط من الذباب الالكتروني والجيوش الرقمية والحسابات الوهمية مع رقابة شديدة قادت لاعتقال أفراد وصحافيين ومدونين تجرأوا على تقديم انتقادات سياسية أو غردوا بشكل يخالف سردية السلطة، السياسية والدينية، في مختلف دول المنطقة التي نظرت إلى "تويتر" وغيره من مواقع التواصل، كأداة للتأثير بعد ثورات الربيع العربي، حتى لو كان انتشار "تويتر" عربياً أقل من "فايسبوك" تحديداً من ناحية أعداد المستخدمين.

وتخوفت وسائل إعلام ومنظمات حقوقية ومشاهير في "هوليوود" من أن حديث ماسك عن حرية التعبير لا يعني الدفع باتجاه دعم الأصوات الليبرالية والنقاشات الاجتماعية المتقدمة، خصوصاً في دول الشرق الأوسط، بقدر ما قد يعني تحرير أشد الأصوات المحافظة التي حظرت في الموقع أو عانت تغريداتها من تقييد معين بسبب مخالفة سياسات النشر، ويضم ذلك شخصيات مثل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي نفى نيته العودة إلى "تويتر"، وحتى مجموعة داعمي نظرية المؤامرة "Qanon" وأنصار اليمين المتطرف والنازيين الجدد الذين يؤمنون جميعاً بأن عودتهم للتغريد باتت قريبة بحسب تقارير إعلامية ذات صلة.

ويبدو الخوف من ماسك بالتالي مبرراً في الديموقراطيات الغربية التي تكافح ضد تلك الأصوات، ليس بسبب آرائها بل لارتباطها بأجندات سياسية مختلفة وضخها للمعلومات الكاذبة وتقديمها لخطاب الكراهية الممنهج وعلاقتها حتى بالدعاية الروسية بشكل لا يخفى على أحد. لكن في الشرق الأوسط فإن الحال يبدو معكوساً لأن الوضع الطبيعي يفترض سيطرة للأصوات المحافظة وقمعاً للأصوات المستقلة، خصوصاً مع الفساد الكائن في مكتب "تويتر" الإقليمي في دبي بالإمارات ووجود موظفين فيه يتبعون لحكومات عربية وينفذون أجندات سياسية ويحملون تحيزات دينية وأخلاقية مسبقة، وكلها نقاط تحدثت عنها تقارير حقوقية وإعلامية غربية وكانت سبباً في إطلاق حملة موسعة العام 2019 طالبت "تويتر" بإغلاق مكتب "دبي" أو إصلاحه أو نقله إلى مكان آخر.

والكثير من المدوّنين والناشطين الحقوقيين والمعارضين في كافة أنحاء المنطقة، باتوا يرون في موقع "تويتر" مكاناً غير آمن بالنسبة لهم للتعبير عن آرائهم بسبب سطوة الرياض وأبوظبي على الموقع. وبحسب منظمة "سكاين لاين" الدولية الحقوقية التي تتخد من ستوكولهم مقراً لها، فإن هناك معلومات حول وجود تنسيق عالي المستوى بين أجهزة الأمن في كل من الإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل بشأن ملاحقة وحذف حسابات ناشطين حقوق إنسان وصحافيين ومعارضين لتلك الحكومات.

وكانت مشكلة التلاعب بالهاشتاغات  حاضرة في مصر والسعودية والإمارات وغيرها. وحتى في لبنان، كان الذباب الإلكتروني حاضراً خصوصاً لدى أنصار محور الممانعة، حيث وفرت طهران لحزب الله تدريباً جعل منه "المنظمة الأكثر تطوراً وتأثيراً في الشرق الأوسط في الفضاء الإلكتروني" بحسب وصف مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية. وبعد الثورة اللبنانية العام 2019 كانت أقطاب السلطة تستخدم "تويتر" عبر الحسابات الوهمية والمزيفة وتلك العائدة لأفراد موالين لها، من أجل التبليغ وضخ المعلومات الزائفة وشن حملات للتبليغ التي تجبر الأنظمة الإلكترونية في الموقع على حذف محتوى معين حتى لو لم يكن مخالفاً، ما يستدعي معركة طويلة لاستعادة المحتوى والتواصل مع المشرفين عليه من الأفراد الذين يكونون عادة في مكتب دبي، المسيس، والتي لا تقود إلى نتيجة أحياناً.

وفيما يسود الخوف من انتشار خطاب الكراهية في الموقع بعد سيطرة ماسك إلى درجة قد تجعل منه بيئة غير آمنة للأفراد، تحديداً من الفئات الأضعف، كالنساء ومجتمع الميم وغيرهم، فإن "تويتر" أصلاً بيئة غير آمنة لأولئك الأفراد في الشرق الأوسط، ليس فقط بسبب ضغط السلطات المحافظة بل بسبب عوامل الثقافة والدين السائدة أيضاً. وتصعب فهم معايير "تويتر" في تصنيف المحتوى السيئ من المحتوى الناقد أو معاييره التي تحدد ما هو خطاب الكراهية. على سبيل المثال مازالت "الإعلامية" اللبنانية تضخ خطاب الكراهية هنا وهناك على أنه "حرية تعبير" بما في ذلك العنصرية ضد الأجانب في لبنان، مع قدرتها على إغلاق حسابات المنتقدين لها بما في ذلك صحافيون.

والسؤال الذي مازال بحاجة إلى إجابة يدور حول موقف ماسك الشخصي من خطاب الكراهية وإن كان التعبير عن الكراهية المبنية على العرق والجنس واللون والتوجه الجنسي والدين وغيرها، تندرج ضمن رؤيته لما تعنيه حرية التعبير الحقيقية أم لا. وهل سيختلف ذلك بحسب المنطقة الجغرافية أم لا؟ 

وتشكل السعودية المثال الأهم هنا لكونها تتصدر دول الشرق الأوسط من ناحية عدد المستخدمين بنحو 25 مليون مستخدم، وهو رقم تقدمه خدمات الإعلانات الرقمية ويختلف عن تقديرات أخرى تقول أن عددهم يقارب 14 مليون فقط، والفجوة بين الرقمين تتمثل على الأغلب بالحسابات الوهمية والحسابات غير النشطة. وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" تم تجنيد عملاء سعوديين لمضايقة المنتقدين في "تويتر" منذ بدء ثورات الربيع العربي. وكان العديد من السعوديين يأملون بأن تساعدهم منصة "تويتر" بنشر الخطاب الديموقراطي، من خلال منح المواطن العادي صوتاً، إلا أن المملكة أصبحت عوضاً عن ذلك، نموذجا لكيفية قيام الأنظمة المستبدة بالتلاعب بشبكات التواصل الاجتماعي، من أجل إسكات أو إغراق الأصوات الناقدة، مع تعويم الرواية التي تناسبها للأحداث. ولهذا السبب شكلت منصة "كلوب هاوس" في بدايتها مكاناً لجأ إليه السعوديون، وغيرهم من العرب، الهاربون من القمع الحكومي.

ويتحدث ماسك عن محاربة الحسابات الزائفة والبوتات الإلكترونية، ما يعني توجيه ضربة إلى دول المنطقة. لكن فعالية ذلك وجديته تبقى محل شك، خصوصاً إن تدخلت المصالح التجارية لماسك مع الدول المختلفة في قراراته ودفعت باتجاه صفقات ما، خصوصاً أن أموراً مشابهة تحصل في "فايسبوك" على سبيل المثال. وما يثير تلك المخاوف حقيقة تحول "تويتر" إلى شركة خاصة وخروجها من بورصة "وول ستريت" وترجيح اعتمادها على الإعلانات على غرار "فايسبوك" في المستقبل، ما يدفع إلى علاقة تبادل منافع تحافظ فيها الدول غير الديموقراطية كدكتاتوريات الشرق الأوسط على خطابها وجيوشها الإلكترونية مقابل بقاء الخدمة متاحة ما يضمن تدفق الإعلانات في منطقة حيوية.

وبينما يبدو ماسك نفسه غامضاً بوصف نفسه كرجل وسط بين الديموقراطيين والجمهوريين في أميركا وكمحافظ يميني واشتراكي يساري في الوقت نفسه، وتبرعاته لأقطاب مختلفة في السياسة وعمله كمستشار لترامب مطلع رئاسته الجدلية وانتقاده له في نفس الوقت باعتباره غير كفء للمهمة مع نزعة قومية حول تفوق الولايات المتحدة، فإن كل تلك التصريحات والمواقف يصفها بالمزاح في "تويتر" ويطالب بعدم التعامل معه "بشكل جدي"، ما يجعل من كافة تصريحاته حول "تويتر" ضبابية أيضاً، مع انطباع عام بأن ما يحركه هو صفقاته التجارية وأعماله المختلفة من السيارات الكهربائية إلى غزو الفضاء، ما يجعل مواقفه السياسية والأخلاقية مرتبطة بتلك الأعمال، بما في ذلك الموقف الإيجابي من التغير المناخي والدعوة السلبية لزيادات عدد المواليد على الأرض.

وتشير أرقام "فوربس" إلى أن ثروة ماسك الشخصية تقارب 274 مليار دولار، ما يجعله أثرى أثرياء العالم. وينشط ماسك بصور خاصة في "تويتر" حيث يتابع حسابه نحو 81,6 مليون مستخدم. ويمكن النظر إلى تأثيره عبر ضخ "أوامر وتوجيهات" إلى متابعيه من أجل تغيير سرديات معينة عنه في الإنترنت، بما في ذلك تعديل صفحة المعلومات الخاصة به في "ويكيبيديا"، ما دفع المنصة مفتوحة المصدر إلى وضع الصفحة في وضع "شبه حماية" العام 2019! وذلك مخيف بحد ذاته لكونه يعطي لمحة عما يعنيه تحكم شخص واحد بالمعلومات وكيفية تعاظم ذلك بعد سيطرته على واحدة من أكبر المنصات للنقاش على الكوكب، وإن كان ذلك ليس جديداً نظراً لسيطرة رجل واحد هو مارك زوكربيرغ على موقع التواصل الأكبر "فايسبوك" والمنصات التابعة له "إنستغرام" و"واتس أب".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها