الإثنين 2024/04/08

آخر تحديث: 12:35 (بيروت)

الأسد يحتفل بعيد "البعث"... بإفطار رمضاني في طرطوس

الإثنين 2024/04/08
الأسد يحتفل بعيد "البعث"... بإفطار رمضاني في طرطوس
increase حجم الخط decrease
ما يثير الانتباه في زيارة الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء إلى طرطوس، الأحد، للمشاركة في إفطار رمضاني، ليس الطبيعة الدينية التي غلفت المناسبة ولا توجه الثنائي الحاكم إلى الساحل السوري بوصفه البيئة الحاضنة للنظام من وجهة نظر توزيع الطوائف في البلاد، بل تزامن تلك النوعية المتكررة من الدعاية، مع ذكرى تأسيس حزب "البعث العربي الاشتراكي" الذي استولى على السلطة العام 1963 رافعاً شعارات علمانية لا تتطابق مع الواقع الطائفي والديني السائد في سوريا حتى اليوم.

ولا تعني العلمانية في الفكر البعثي فصل الدين عن الدولة لأن ذلك فكرة غربية شريرة تهدف إلى هدم قيم الإنسان في المشرق، بل هي "احترام الأديان مثلما ينص الإسلام"، حسبما قال الأسد شخصياً في خطاب سابق له أمام عشرات رجال الدين المسلمين في مسجد العثمان العام 2020، ما يجعل الدولة السورية المسلمة علمانية وفق هذا الطرح الأعوج، الذي كان لسنوات حاضراً في التحليلات الإعلامية والفكرية التي ناقشت هوية الدولة الأسدية، كنظام يجمع الفاشية البعثية مع الخطاب الديني المحافظ والقوة العسكرية الموجهة نحو الداخل، لخلق دولة أقلوية ينص دستورها "العلماني" على أن القرآن هو مصدر للتشريع وأن رئيسها يجب أن يكون مسلماً، بجانب تخصيص قانون للأحوال الشخصية، يفرق بين المواطنين على أساس أديانهم.



والاحتفال بمناسبة دينية مثل رمضان مع أبناء الطائفة العلوية، في يوم ميلاد "البعث"، ليس عبثياً، بل هو جزء من ديناميكية البروباغندا السورية التي لا تعترف أصلاً بوجود مشكلة طائفية في البلاد، بل تتلاعب بها من دون الإشارة لها بشكل صريح، فيما يعطي "البعث" معنى للهوية السورية التي تأتي من العروبة والتي تمتزج بدورها مع الإسلام، في دائرة مغلقة، ما يخلق دوائر تأثير تجتاوز الدعاية نفسها نحو ممارسات وقوانين تمييزية ضد فئات متنوعة من الأقليات، إثنياً ودينياً، مع زعم حمايتهم بطبيعة الحال.


وبالطبع فإن نموذج الدولة البعثية هذا، فشل طوال عقود في توليد هوية قومية. وأثبتت الحرب السورية طويلة الأمد أن فكرة وجود هوية سورية جامعة ليست سوى وهم رومانسي بأفضل الأحوال، حيث كرست سياسات النظام هويات طائفية يخشى بعضها بعضاً مع السلطة نفسها كطرف وقوة تحمي الطوائف من بعضها البعض بتصوير كل طائفة كعدو متربص بالآخرين مع تغيير هوية الطائفة الجيدة والطائفة الشريرة على حسب الجمهور المستهدف.

والحال أن توجه الأسد إلى الساحل في رمضان أو العيد، كان متوقعاً بعد إشراف أسماء الأسد، عبر "الأمانة السورية للتنمية"، على ترميم المسجد الأموي في حلب، وإقامة مأدبة إفطار رمضاني ورفع الأذان في المسجد التاريخي، بشكل يدغدغ مشاعر السوريين من الطائفة السنية في البلاد، لأن دعاية رئاسة الجمهورية منذ أكثر من عشر سنوات، وازنت بين الاهتمام بالطوائف الدينية الأكبر في البلاد. وكان التوجه إلى الساحل، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، حاضراً في معظم الحالات بعد توجهه إو رعايته لفعاليات أو أحداث في مناطق سنية التي تشكل بغالبيتها معاقل ثورة 2011، ضد الحكم الأقلوي بشكل أفضى إلى حرب أهلية برزت فيها الإسلاموية السنّية كقوى فاعلة، حتى لو كانت الثورة في بداياتها -عبر النخب تحديداً- تتحدث عن الديموقراطية والحريات السياسية الأشمل.

وشارك الأسد في مناسبات رمضانية سابقة مع السوريين، بما في ذلك تناول الإفطار مع الجنود أيام كانت المعارك تجري قرب دمشق، وكان الهدف من ادعاء البساطة في تلك المشاهد حينها، هو مداعبة مشاعر جمهوره الداخلي من المؤمنين الصائمين، ومن المسلمين السنّة تحديداً، للتماهي مع فكرة أنه ينتمي للبلاد وطقوسها، وصولاً لخاتمة منطقية بأنها تنتمي له بالمقابل. ولا يختلف ذلك على الإطلاق اليوم بل يتكرر بشكل حرفي في المنشورات التي تمدح الأسد بوصفه جزءاً من الشعب.

وكررت صفحات موالية على سبيل المثال عبارة موحدة: "الرئيس الشرعي لسوريا بين أبناء شعبه على وجبة الافطار في شهر رمضان المبارك على الكورنيش البحري في مدينة طرطوس. بدون مرافقة بدون رسميات بدون تكلف. هذا مانعرفه عن الأسد بن الأسد هكذا عهدناك قائداً مقاوماً شجاعاً متواضعاً. أدامك الله قائداً الى الأبد".


المختلف بين صورة الأسد اليوم وصورته مثلاً العام 2016، إلى جانب المكان، هو العودة للطابع الكاجوال في الثياب مع التخلي عن البزات العسكرية أو البزات الرسمية التي كانت ضرورية لإعطاء مظهر القوة والصمود في حقبة متقلبة. واليوم، يتنقل الأسد في مسرحه الخاص أمام الكاميرات، كأنه ممثل يتلقى التهنئة والقبلات بعد انتهاء العرض من المعجبين، ملتقطاً صور السيلفي مع الأطفال، من دون إظهار حديثه، ربما لأن كلماته ليست مهمة أصلاً بقدر أهمية الظهور بين أبناء الطائفة التي عبّرت خلال السنوات القليلة الماضية، عن استيائها لأسباب متعددة، من قانون وزارة الأوقاف، إلى مستويات الفقر والجوع، إلى الشعور بـ"التهميش" لصالح أمراء الحرب والسيدة الأولى أسماء، التي تنتمي للطائفة السنية، وباتت تتحكم بمفاصل الاقتصاد السوري مع تهميش شخصيات علوية بارزة مثل رجل الأعمال رامي مخلوف على سبيل المثال.

ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن المقالات التي نشرتها صحيفة "البعث" بمناسبة "ميلاد الحزب" ومنشورات الرفاق البعثيين في مواقع التواصل، التي تحدثت عن "الروح الوثابة التي لا تموت" وشكرت الرب على "نعمة الأمين العام للحزب"، في إشارة للأسد، أشارت كلها تقريباً إلى الهوية الوطنية والقومية التي أنشأها الحزب بشكل يتخطى الهويات الضيقة، مع الحديث عن انتصار تلك الهوية السورية المفترضة على الهويات البديلة المقترحة من الغرب ودول الخليج والأعداء وغيرهم، بشكل يجعل سوريا مكاناً محسوداً ومستهدفاً بسبب قيادته الراجحة وحزبه الذي نقل البلاد من الظلمات وعدم الاستقرار إلى الثبات والصمود و"الاكتفاء الذاتي" بسبب الهوية السورية فوق الطائفية حصراً. وهي جملة لا يصدقها حتى أكثر الموالين راديكالية بالنظر إلى انتشار الفقر إلى مستويات غير مسبوقة في البلاد وصلت إلى حد 85% من السوريين بحسب تقديرات الأمم المتحدة.



ولعل الرد الأمثل على أكذوبة عصر الأنوار البعثي هذا، هي مقاطع الفيديو المتداولة للأسد شخصياً، وهو يقول لكبار علماء الملسمين "السنة" العام 2014 أن "سوريا بالمنطق هي دولة إسلامية"، وفي ذلك تأكيد رسمي، على أن العلمانية في البلاد لم تتعد كونها كذبة دعائية يتم فيها استغلال الأقليات من أجل الحصول على قبول دولي للنظام يغض النظر عن طبيعته القمعية والمستوى المتردي لحقوق الإنسان، لأن البديل المفترض سيكون المتشددين دينياً.

كل تلك التناقضات في الزيارة التي لعبت على أوتار العلمانية والطائفية في آن واحد، تعطي معنى أوسع للحياة في سوريا في ظل هذا النظام. ولا ترسم فقط ملامح خطاب السلطة، بل أيضاً خطاب المعارضة الأوسع الذي أعطى انطباعاً منذ العام 2011 بأنه ردّ فعل طائفي على السلطة الطائفية نفسها، لا أكثر، خصوصاً على صعيد الشخصيات المعارضة والخطاب الرسمي والحضور العسكري المتمثل بفصائل إسلامية متشددة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها