الجمعة 2022/03/18

آخر تحديث: 13:21 (بيروت)

الأسد في عيد المعلّم: تدجين الأطفال ضرورة أمنية

الجمعة 2022/03/18
الأسد في عيد المعلّم: تدجين الأطفال ضرورة أمنية
الأسد: "التعليم قبل التسعينيات، بناء الوعي الوطني وحماية المجتمع، كان سهلاً، بلا فضائيات ولا إنترنت"
increase حجم الخط decrease
ربما يكون خطاب رئيس النظام السوري بشار الأسد، بمناسبة عيد المعلم، أمام مجموعة من المعلمين المخضرمين ممن تخطت مسيرتهم المهنية عشرين عاماً، وومن يضعون المناهج التعليمية في البلاد، واحداً من أكثر خطاباته مللاً وتكراراً لأفكار تحدث عنها في مناسبات سابقة مثل "خطاب القسم" العام 2021، أو استجراراً لما يتحدث عنه الإعلام الرسمي هذا الأيام من بلاهات حول الحرب الأوكرانية تخلط بين مفاهيم تستحيل المساواة بينها، مثل اليهودية والنازية.

وبدا للحظة أن الأسد يظهر فقط تأدية لواجب الظهور الإعلامي، ضمن النمط الذي خلقته دعاية النظام له خلال السنوات الماضية، وليس لأنه يريد قول شيء محدد أو جديد ضمن ذلك الخطاب الدعائي نفسه. كما أنه يأتي استجابة لتقاسم الأدوار مع زوجته أسماء، خلال المناسبات العامة في سوريا، فبينما تطل "سيدة الياسمين" في عيد الأم وعيد المرأة خلال شهر آذار/مارس على سبيل المثال، يطل "الأب القائد للدولة والمجتمع" في عيد المعلم خلال الشهر نفسه. ويضمن ذلك التناوب حضور العائلة الحاكمة في الإعلام وأمام جمهور الموالين.

ويركز الأسد في بناء صورته الإعلامية على فكرة التعليم، من منطلق أنه طبيب مثقف درس في بريطانيا، وليس مجرد جنرال أو رجل أعمال أو أمير من أمراء النفط، كسواه من القادة العرب. ولهذا ينشر باستمرار صوراً له كطالب في مختلف المراحل الدراسية، كما يستقبل الأساتذة والمعلمين وكأنه سياسي مثالي، وليس مجرم الحرب المعروف الذي دمر آلاف المدارس في البلاد وشرد العائلات وقتل الأطفال وخلق جيلاً ضائعاً. ويحاول الأسد من ذلك كله القول أنه رجل حكيم بسبب التزامه بقيم التعليم ما يوجب على الشعب طاعته في أقسى الظروف من دون حتى انتقادات في مواقع التواصل الاجتماعي، ويتحول ذلك في مواقع التواصل والخطاب الموالي الشعبي إلى إطلاق لقب "المعلم" و"الملهم" عليه.



وفيما اعترف الأسد مرة أخرى في خطابه، بأن أدلجة السوريين في المدارس السورية فشلت، رغم محاولات حزب "البعث" الحاكم غسل أدمغة السوريين منذ طفولتهم عبر مؤسسات يُجبر الأفراد على الالتحاق بها منذ سن صغيرة (طلائع البعث، شبيبة الثورة، ..)، فإن ذلك الاعتراف بات روتينياً عند الحديث الرسمي عن ضرورة أدلجة السوريين منذ سن صغيرة من أجل "غرس الثوابت الوطنية" وحتى توجيه التلاميذ الذين تبلغ أعمارهم 6 سنوات إلى المهن المطلوبة في المستقبل وهي في هذه المرحلة "التعليم المهني" و"المشاريع الصغيرة"، وهو ما يمكن تلمسه اليوم بتوجيهات وزارة التربية لإدخال مواد جديدة إلى المنهج مثل "تربية النحل"، على حساب مواد كانت تعتبر أكثر أساسية في الماضي مثل المواد العلمية كالرياضيات، وليس على حساب مواد يعشقها النظام مثل "التربية القومية" أو "التربية الدينية".

وبالطبع يعني تعريف الأسد للمواطن المثالي في "الدولة السورية" أن يكون الفرد "نعجة صامتة" لأن الاختلاف في الدول الدكتاتورية يعني جريمة لا تغتفر. وفيما يرتبط ذلك بمعاداة الفردية حتى ضمن الثقافة العربية/الإسلامية الأشمل في المنطقة العربية، فإنه في سوريا الأسد يأخذ أبعاداً أكثر خطورة من مجرد نبذ الأفراد أو شعورهم بالوحدة والاغتراب في محيطهم أو عجزهم عن استكشاف أنفسهم ثقافياً ولغوياً وجندرياً وجنسياً وغيرها، لأن الاختلاف في دولة بوليسية شمولية قد يؤدي إلى الاعتقال والمضايقات الأمنية والإيذاء الجسدي وحتى الاغتيال بمعناه الحرفي والمجازي.

وفيما كانت إجراءات النظام والقيود التي فرضها على الإنترنت والاتصالات في البلاد، وغيرها من التعميمات التي حدت من حرية التعبير بشكل كبير في بلد يعاني أصلاً من "خنق الحريات"، تقول بوضوح أن النظام يحن إلى الثمانينيات كفترة ذهبية كان قادراً فيها على التحكم بالمعلومات وتقديم الضخ الأيديولوجي من دون قلق من قدرة الأفراد على الوصول إلى المعلومات والآراء بحرية وسهولة، فإن ذلك يُترجم اليوم إلى كلمات حرفية قالها الأسد بشكل صريح: "الفرق أن التعليم قبل التسعينيات وبناء الوعي الوطني، وحماية المجتمع من التأثيرات الخارجية، كان سهلاً، لم تكن هناك فضائيات ولا انترنت، ولا ما شابه، كانت المجتمعات أقرب إلى العزلة عن بعضها البعض وهناك تواصل، لكنه كان محدوداً".

يحب النظام تلك العزلة التي فرضها على السوريين طوال عقود، وخلق بموجبها دولة منغلقة على نفسها، ليس فقط بالمعنى السياسي، بل بالمعنى الثقافي للكلمة، وكانت حاضرة أكثر ما يكون في المدارس السورية كمثال أوضح عن معنى الحياة في سوريا الأسد. حيث كانت التربية العسكرية طوال عقود تحول سوريا إلى أكبر "حشد بشري عسكري في الوقت نفسه ظُهر كل يوم" عند خروج التلاميذ السوريين من مدارسهم بملابسهم العسكرية الموحدة، بعد تلقيهم ساعات من التعليم المؤدلج الممزوج بالتدريبات العسكرية في الاستراحات بين الحصص الدراسية اليومية، ضمن مبان تم تصميمها حرفياً لتماثل تصميم السجون في البلاد، من أجل خلق الخضوع لدى السوريين منذ سن صغيرة.


وباتت الدولة الأسدية تواجه اليوم مشكلة أيدولوجية أكبر لأن الإنترنت حرم الدول الشمولية عموماً من أدوات كانت تستخدمها للسيطرة على الأفراد مثل حجب المعلومات والتحكم في الضخ الإعلامي، وإن كانت تمتلك في الوقت نفسه أدوات جديدة لضخ المعلومات عبر مواقع التواصل وخلق الأخبار الكاذبة وحتى مراقبة الأفراد بسهولة. ويتم التركيز على المدارس ضمن هذه الرؤية من أجل تقديم الضخ الدعائي التأسيسي وخلق "المواطن النموذجي".

ففيما ينظر النظام السوري إلى الثورة الشعبية التي طالبت بالإصلاح السياسي العام 2011 كمؤامرة خارجية نفذتها حركات إرهابية، فإن خطابه في العامين الأخيرين على الأقل يتعامل مع الثورة السورية والحرب في البلاد على أنها مجرد حدث تاريخي انتهى ويجب عدم تكراره. ومن هنا يأتي حديث الأسد عن أهمية دروس التاريخ، مقابل الرياضيات. وتعمل حكومة النظام السوري بشكل دائم على إنشاء مناهج تحتوي مضامين ذات ارتباطات سياسية تخدم وجهة نظرها وتعززها منذ عقود، ليس فقط في مادة "التربية الوطنية/القومية" بل في مواد كالتاريخ والديانة وحتى ضمن المواد العلمية نفسها. وتعمل وزارة التربية منذ الصيف الماضي على إنشاء منهج جديد يدور حول "أسباب الحرب على سوريا".

وبالطبع، فإن النظام السوري يخالف بهذه الممارسات، اتفاقية حقوق الطفل التي وقع عليها العام 1989، والتي تنص على حق الطفل في التعلم من دون استغلال، واحترام حرية الطفل وحقه في الحياة والنمو، حيث تظهر التصريحات بوضوح كيف تعمل السياسات الرسمية على استغلال الأطفال لأغراض سياسية. والهدف الرسمي بالطبع هو التدجين المبكر لأن مشكلة الثورة السورية وعدم الاستقرار في البلاد لم تحدث قبل 11 عاماً إلا بسبب قلة الوعي لدى السوريين، ما يستوجب على الدولة بالتالي أن "تلقن المواطنين طريقة التفكير الصحيح".

وليس من الغريب بالتالي أن تضم مقدمة الخطاب وصف المعلمين بـ"الجنود" ثلاث مرات، ضمن جملتين لا أكثر. فعسكرة التعليم جزء من جهود أوسع تضع النظام نفسه في معركة دائمة مع شعبه الذي أثبتت ثورته السلمية العام 2011 أنه يتوق للحرية والإصلاح السياسي والديموقراطية، ويصبح المعلمون ضمن هذا السيستم المروع، أداة من أجل تطويع الأفراد، وجزءاً من أسلوب النظام في تقسيم السوريين ووضعهم في خانات تعادي بعضها البعض حتى لو كانوا يتشاركون البؤس اليومي نفسه في النهاية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها