الثلاثاء 2018/05/08

آخر تحديث: 14:40 (بيروت)

منع الستالايت في سوريا.. النظام يحلم بالثمانينات

الثلاثاء 2018/05/08
منع الستالايت في سوريا.. النظام يحلم بالثمانينات
increase حجم الخط decrease
بالكاد مرّ أسبوعان على نفي وزارة الاتصالات السورية توجه النظام لحظر "الدش" وحصر البث التلفزيوني الفضائي عبر شبكات "كابل" في البلاد، حتى أعلنت "الشركة السورية للاتصالات"، التابعة للوزارة، توفير "بديل الستالايت" كخطوة تمهد لحظر قادم على بيئة النظام الموالية. النظام لم يخفِ رغبته في تطبيق أكبر تحكم ممكن بالمعلومات، للعودة بالزمن إلى حقبة الثمانينات "الذهبية"، عندما كان الحجب والتعتيم من الأمور البسيطة والمستطاعة في ظل تقنيات ذلك الزمن.

وحسب المعلومات التي نقلتها مواقع موالية للنظام، فإن الخدمة الجديدة هي البث لتلفزيوني الرقمي (iptv) بشكل مماثل تماماً لخدمة "Manbang" التي يتم فيها البث في كوريا الشمالية، والتي أطلقتها بيونغ يانغ العام 2016، لإيصال البث الدعائي الرسمي لكافة مواطني البلاد، خاصة المناطق الحدودية التي تتعرض فيها خدمات التلفزيون التقليدية للتشويش.

وعبر الخدمة الجديدة، لن يتمكن السوريون من متابعة أي قناة يريدونها بحرية، بل يتم التحكم بالقنوات من المصدر، أي وزارة الإعلام، عبر الاشتراك بباقات محددة سلفاً ومنوعة بين الباقات الترفيهية والرياضية والسياسية، ولكل باقة رسم اشتراك خاص، على أن تكون الباقة الأساسية التي تضم القنوات السورية الحكومية وشبه الرسمية مجانية.

وما يمنع تطبيق الحظر الشامل على القنوات الفضائية حالياً، ليس الخوف من ردة فعل السوريين المتبقين في الداخل، بل هي العوائق التقنية فقط، إذ لا تتوفر في البلاد بوابات إنترنت سريع كافية للخدمة. والخدمة غير مرتبطة بالاتصال بالإنترنت، بل هي تلفزيونية عبر خط الهاتف من خلال بوابة إنترنت. ويتطلب الحصول عليها امتلاك جهاز استقبال خاص، فضلاً عن تقديم طلب اشتراك. وهي الخصائص ذاتها في البث المماثل في كوريا الشمالية.

ولم تتوافر معلومات بعد، إن كان هنالك تعاون فعلي مع بيونغ يانغ، لاستخدام نوعية أجهزة الاستقبال ذاتها التي تم تطويرها هناك. لكن هذه الجزئية تبدو تافهة مقارنة بعمق الصداقة الأيديولوجية بين النظام السوري وكوريا الشمالية، والتي تنتج الدرجة ذاتها من الظلامية والبؤس الحياتي اليومي. سوريا لم تشهد إجراءات مماثلة منذ أواخر التسعينيات، حين سمح النظام للسوريين باقتناء صحون لاقطة خاصة.

كوريا الشمالية، قد تكون الدولة الوحيدة في العالم حالياً التي تحظر مشاهدة قنوات تلفزيونية أجنبية، وتحصر المادة التلفزيونية بالقنوات الرسمية، كما تمارس البلاد رقابة شديدة على وسائل الإعلام والاتصالات، وتعد خدمة الإنترنت محظورة تقريباً باستثناء قلة من الموظفين الحكوميين. ولا يوجد في كوريا سوى 1024 عنوان IP، ولا توجد محركات بحث نشطة مثل "غوغل" لمن لديهم إمكانية الدخول للشبكة، فيما تحولت البلاد مطلع العام 2015 إلى ثقب أسود ضمن الإنترنت بسبب انقطاع الخدمة هناك لأسباب مجهولة.

الحالة الكورية السابقة قد تكون أشبه بحلم بالنسبة للنظام الذي يحن لحقبة القمع الذهبية الثمانينية. فالنظام لا يخفي كرهه للإعلام الحر والقنوات الفضائية. منذ انطلاق الثورة السورية العام 2011، يفيض خطاب النظام الرسمي والإعلامي بالدعوات لإغلاق وعدم متابعة قنوات تلفزيونية عربية وعالمية بتهمة أنها "محرضة ومغرضة". ويمكن تلمس ذلك في أي حوار سياسي تنقله قنوات النظام. وشكّل ذلك جزءاً من سردية النظام حول الثورة بنفي أسبابها الداخلية الواقعية والقول إنها مؤامرة تم تصديرها من الخارج عبر القنوات الفضائية مثل "الجزيرة". وفيما سمح النظام للسوريين بمواقع التواصل الاجتماعية المحجوبة قبل الثورة، حجب عشرات المواقع الإلكترونية العربية المستقلة في محاولته التحكم بضخ المعلومات.

وعليه، يبدو أن النظام يحاول تفادي "الأخطاء" التي ارتكبها بعد وصول بشار الأسد إلى السلطة والتي أدت وفق المنطق السلطوي إلى الثورة لاحقاً، أي إعطاء بعض الحريات المدنية والمعلوماتية مقارنة بحقبة حكم والده الحديدية السابقة. ويمكن القول إن النظام في كافة أفعاله مؤخراً يسعى إلى التخلي عن ملامح "الضعف" من أجل فرض "هيبة الدولة" على المواطنين، سواء بفرض الرقابة المشددة على الإعلام أو اعتقال الإعلاميين والمدنيين، حتى من الموالين الذين ينتقدونه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

الوصاية التي يمارسها النظام على شعبه تمتد نحو التفسيرات التي يقدمها لقراراته الرجعية. النظام طرح نفسه كمدافع عن "قيم العائلة" عندما حجب المواقع الإباحية في البلاد قبل أسابيع. كما اعتبرت وزارة الاتصالات أن الخدمة الجديدة ومنع القنوات الفضائية توفر "ميزات كبيرة" أهمها "حماية الأسرة والمجتمع من خلال ضبط المحتوى الذي تتابعه أفراد العائلة من خلال اختيار نوعية القنوات التي تعرض على شاشة التلفزيون على عكس الوضع القائم حالياً من استقبال مئات القنوات عبر الصحون اللاقطة التي لا يتناسب كثير منها مع أخلاقيات مجتمعنا"!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها