الإثنين 2021/12/06

آخر تحديث: 17:50 (بيروت)

Me Too اللبنانية.. طرابلس رأس حربة

الإثنين 2021/12/06
Me Too اللبنانية.. طرابلس رأس حربة
increase حجم الخط decrease
أثبت اندفاع الطالبات والطلاب الذين خرجوا للمطالبة بفصل الأستاذ المتحرش في طرابلس، اليوم الاثنين، أنّ التغيير على صعيد الرأي العام يحتاج الى أمرين: من يقوم بالكشف عن الانتهاك، ومن يصدق أن رواية الناجي/ة هي الحقيقة المطلقة.


وللأمرين فصول من العمل التوعوي الذي أثبت هذه المرة بأنّه يسير في الاتجاه الصحيح وبزخم كبير، حيث بدا المشهد اليوم وكأنه إحياء للحملة العالمية "أنا أيضًا"، والتي انطلقت في العام 2017 إثر مشاركة الفنانة أليسا ميلانو تغريدة عبرّت فيها عن تعرضها للتحرش.

هنا طرابلس، حيث تتشابك العادات والتقاليد مع القوانين، وأحياناً تغدو "المَونة" أشبه بالحل الوسط لتطييب خاطر طرفين يجمعهما التاريخ والقرابة وربما السياسة، وأكثر ما يفرقهم شوارع المدينة. لكن لم يكن هذا الحال بعد تعرض العديد من الطلاب والطالبات في مدرسة "جورج صراف" الرسمية الى التحرش من قبل أستاذ "التربية الوطنية" س.مولوي. لم تخش الطالبات فضحه، رغم محاولات الإدارة إسكاتهن عن طريق التهديد برفع دعوى تشهير تطاول كل من رفع صوته عالياً خارج مكتب إدارة المدرسة.

هذه المدينة، التي لطالما طمستها الصورة النمطية، تحولت بفعل شبانها وشاباتها الذين انتفضوا في وجه التحرش، اليوم باكراً أمام المدرسة، بلا مواربة ولا خوف، الى بوصلة لتجديد العمل الحقوقي والنسوي ومقاضاة كل المعتدين جنسياً على أجسادنا وكرامتنا.

ولا يمكن أن نقرأ هذا التطور في المواجهة العلنية، بمعزل عن تحول وسائل التواصل الاجتماعي الى منصات لفضح المتحرشين، ويعيدنا هذا الحدث الى حملة #افضح_متحرش التي تزامنت مع كشف عدد من النساء اللواتي ادعين بتعرضهن للتحرش من قبل الصحافي ج.العطار عن طريق نشر شهاداتهن عبر "فايسبوك"، ودفعت صاحبات الشهادات المتداولة اللواتي لم يكنّ على علم بحجم التحرش المرتكَب بحق غيرهن، الى تقديم شكوى قضائية ضد العطار في أيار/مايو الماضي.

وفيما يعمد بعض المتحرشين، الى تطويع التكنولوجيا لخدمة وإشباع أهوائهم الجنسية، كما في حالة "الأستاذ" المولوي الذي طلب في إحدى الرسائل الى طالبته القاصر فتح الكاميرا وتمادى في إرسال العبارات غير اللائقة عبر تطبيق "واتسآب" ولمس أجساد طالبات في الصف،.. ففي الضفة المقابلة يعمل الناجون من أفعال هؤلاء المتحرشين على الاستفادة من امكانية التوثيق عن طريق الأساليب التكنولوجية المتاحة كحفظ التسجيلات والصور مثلاً، بالاضافة الى تحويل هذه الوسائل الى منصات لفضح الانتهاكات والاحتجاج على النظام الذكوري الذي عادةً ما يتمادى في صمته أمام حوادث من هذا النوع، وقد يعمد في أغلب الأحيان الى تبريرها أو القاء اللوم على "الناجي/ة".

وقد تناولت احدى الشهادات، شهادة طالب تعرض للتحرش من قبل الأستاذ المذكور، وهذا الذي جعل الحملة تتسم بدرجة عالية من التضامن، حيث تآزر الفتيات والفتيان معاً لمواجهة المسؤول الأول عن انتهاك أجسادهم/ن، وهو ما أتى للتأكيد أن كلا الجنسين معرّض للتحرش.

والملفت في مقابلة أجرتها "المدن" مع فتيات تحدثن عن ذرائع واهية اعتمدتها الادارة لتفسير تصرفهن على أنه اشعار بقبول التحرش، وأنهنّ عن طريق مشاركتهن في أخذ صورة مع الأستاذ يعني أنهنّ يوافقن على كل ما يصدر عن لسانه، وبالتالي فهو غير عرضة للمحاسبة في مثل هذا السياق.

وفي هذه المقابلة أشارت الفتيات الى الدور المركزي الذي لعبه الإعلام في توعيتهن حول التحرش ومخاطره، وهو الذي شكل حافزاً لهن بالذات لمشاركة شهاداتهن عبر صفحاتهن الفايسبوكية. وبالنظر الى التغطية الاعلامية لهذا الحدث، بدا واضحاً بروز الإعلام المحلي في التغطية، فساهم في نقل الصورة من قلب الحدث، وكانت غالبية التقارير الأولية للتلفزيونات والمواقع الإلكترونية اللبنانية قد ارتكزت على مواد من مراسلين تابعين لمواقع الكترونية طرابلسية.

كانت العادة أن يلجأ الأشخاص الذين تعرضوا للتحرش الى الاستعانة بشخص يثقون فيه ليعبّروا عن حادثة التحرش والاعتداء الجنسي تحت غطاء من السرية التامة، وقد يحملون هذا الألم عمراً طويلاً من دون الافصاح عنه، يستذكرونه، يشعرون بالضعف والخجل تارة، وقد تتوقد النار في داخلهم رغبةً في الانتقام والمواجهة تارةً أخرى.

أمّا اليوم وبعد نشر شهادة احدى الطالبات عن الانتهاكات التي تعرضت لها، بدا أن الأمر يأخذ طابع قضية عامة خرجت عن إطار القضية الشخصية التي كانت في السابق تقتصر على العائلة التي تخشى التحدث في العلن، لأسباب عديدة، أبرزها خوف من الوصمة والعار. وتتحدث احدى الطالبات في مقابلة أجرتها معها "المدن" عن أهمية النشر في العلن، لدفع المزيد من الطلاب، الناجيات والناجين، للتعبير عن التحرش الذي تعرضوا له. ويعيدنا هذا الجواب الى ركيزة التضامن الاجتماعي في مواجهة الخوف.

ويدلّل تفاعل الطلاب مع هذا التصرف غير المتوقع وغير المقبول من أستاذ وتربوي، الى خلاصة مفادها أنّ الافصاح عن التحرش لم يعد أمراً مذلاً أو مهيناً أو مسيئاً، وإنما وسيلة لحماية من كان متوقعاً أن يكونوا "ضحايا جدد"، وأداة لتحفيز الأجهزة المعنية لمعاقبة من قام بفعل التحرش أيضاً، وتشجيع التبليغ عن التحرش الجنسي، كذلك أرسى قاعدة جديدة تقوم على أنّ مواجهة هذا الفعل الذي بات القانون اللبناني يجرّمه، لم تعد حكراً على النساء وانّما تشمل المجتمع بكل أطيافه وفئاته العمريّة.

وتتوجه هذه الحملة بالاضافة الى المتهم في هذه الحادثة، الى كل من يدعي الأخلاق ويتخفى خلف مركزه، بعبرة تفيد بأنّ المتحرش مفضوح دائماً ولن يفلت من المحاسبة.

أرسلت وزارة التربية فريقاً من التفتيش المركزي للتحقيق في القضية. لكن ألا يجب على قطاع التربية، وعلى رأسه الوزارة المعنية، العمل على استحداث مواد جديدة، أو على الأقل تعديل كتاب التربية المدنيّة بما بتناسب مع الواقع الاجتماعي وقضاياه وعلى رأسها التحرش الجنسي وأصول مواجهته؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها