الخميس 2023/11/23

آخر تحديث: 00:48 (بيروت)

ملِكات شغلن الكَوْن

الخميس 2023/11/23
ملِكات شغلن الكَوْن
ملكة جمال النيبال نافست على لقب الجمال الكوني من خارج المعايير التقليدية (غيتي)
increase حجم الخط decrease
لم تكن مسابقة "ملكة جمال الكون" 2023، كمثيلاتها، فهذه هي النسخة الأولى التي تُنظم بعد تعديل قوانينها العام الماضي، فسمحت للمرة الأولى في تاريخها بمشاركة نساء متزوجات، إضافة إلى أخريات لا تراعي أجسادهن بالضرورة المقاييس التقليديّة التي على أساسها تصنف "جاذبية" الجسد، ومدى قبوله من قبل المجتمع، وتحديداً شركات الموضة والألبسة التجارية التي تميز المرأة "النحيفة" من حيث قدرة جسدها على التلاؤم مع مختلف الأزياء، فتمجدها في الاعلانات والأفلام وصولاً الى اعتبار ما تحمله من تفاصيل بدنيّة معياراً لمسابقات الجمال العالمية.

النساء انتظرن 72 عاماً، منذ انطلاقة هذه المسابقة، ليتحررن، الى حد ما، من تأثيرات القرارات الشخصية والمجتمعية في مسار حياتهن، وليصبحن اليوم قادرات ولو بشكل أوّلي على وضع شروطهن في تقديم نفسهن الى العالم كما يردن، بدلاً من الخضوع للقيود التي يضعها المنظمون، وهي قيود تكون في أغلب الأحيان محاكاة لواقع تحاول مجموعة من الأفراد في مناصب مفتاحية فرضه على العالم بغية ترويج "موضة" ما.

بات اليوم باستطاعة المرأة المتزوجة أن تترشح الى ملكة جمال الكون، بعد عقود طويلة من العزل والاستبعاد، بحكم أن المرأة المتزوجة لا يقدّر لها الحصول على استحسان الجمهور الذي قد يفضل، كما يعتقد المنظمون، تتويج فتاة عزباء لكي يشعر أن الملكة يمكن الوصول اليها، ويضمن بذلك تدفق المعجبين. إنّ السماح للمرأة المتزوجة بالمشاركة هو بمثابة اعتراف بأنّ جمال المرأة ليس حكراً على الخارج، وإنما هو مزاوجة بين الجمال الذاتي على أنواعه، والشخصية التي لا يتم إبرازها بالشكل المطلوب، ولا تخضع عادةً للتقييم النقدي كونها لا تشكل أولويّة في هذه المسابقات. وإذا كانت كذلك، فإن مثل هذا القرار هو أيضاً كسر للصورة النمطية التي ترى أن جمال المرأة، على عكس الرجل، يصبح أشبه بسلعة بالية مع مرور الزمن. وفي هذه المرة، لم تكن مشاركة ملكة جمال كولومبيا، كاميلا أفيلا، مجرد تحدٍّ لهذه الصورة، بل دليلاً قاطعاً بعد وصولها الى التصفيات النهائية.

وتميزت هذه النسخة بمشاركة الملكة الباكستانية، إريكا روبن، بلباس "البوركيني"، رغم الانتقادات التي واجهتها من المجتمع الباكستاني المحافظ، إذ وصل الأمر بعضو البرلمان مشتاق أحمد، الى اعتبار مشاركتها أمراً "مخجلاً". واللافت أنّ روبن تتحدر من أقلية مسيحية لا تتعدى نسبتها الواحد في المئة من السكان في باكستان، وصممت على ارتداء "البوركيني" للتعبير عن تمسكها بـ"المساواة الجندرية". هذه الحركة، وإن بدت بالنسبة للبعض تحدياً للقيم، فهي تمنح المرأة التي تتعرض للقمع في مجتمعات ذكورية، أملاً في أن تخرج الى العالم من دون أن تخجل بقناعاتها. فحركة روبن ليست فقط رسالة الى المرأة الباكستانية، بل لكل النساء اللواتي يفنين عمرهن في لعب الأدوار البدائية التي سمح لهن المجتمع بها، من دون أن يملكن حرية القرار حين يتعلق الأمر بدورهن وأجسادهن.


(الباكستانية إريكا روبن لم ترتدِ المايوه - غيتي)

وتحمل حركة روبن وجوهاً أربعة: الأول، أنّ المرأة شريكة المرأة الأخرى بغض النظر عن دينها وخلفيتها وجنسها. والثاني، أنها، مهما كانت معتقداتها، يحق لها أن تكون ما هي عليه من دون أن تضطر لطمس هويتها وحقيقتها لتراعي ذكورية "دنيوية" وليست "دينية". والثالث، أنها تحمل رسالة انفتاح على الأديان ومنحها الحرية في أن تتجلى على طريقتها. والرابع، مفاده التشجيع على الانفتاح الديني، خصوصاً على المكونات الدينية التي قد لا تتوافق بشكل كامل مع دعاة الدين والشروط الأخلاقية، فتعاني اضطهاد الجماعة الدينية واضطهاد الأنظمة التي تحاول أن تروج لفكرة الحياد الديني على أساس عدم إبراز الرموز الدينية.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التساهل في موضوع اللباس والانفتاح على خيارات مغايرة. فقد وصلت خديجة عمر، التي مثلت بلدها الصومال، وهي ترتدي الحجاب، الى لائحة الأسماء الأربعين الأولى في مسابقة ملكة جمال العالم 2021. وكذلك، تمكنت الأميركية من أصول صومالية، العارضة المحجبة حليمة عدن، من الوصول الى نهائيات مسابقة جمال ولاية مينيسوتا في الولايات المتحدة الأميركيّة. والجدير ذكره، أن العديد من الدول كان يفضل عدم المشاركة في هذه المسابقة التي تجبر النساء على ارتداء لباس السباحة وإظهر أجسادهن للعلن، وهذا ما دفع لتنظيم مسابقات عالمية أخرى، مثل ملكة جمال المسلمات في العالم، وملكة جمال المسلمات – أميركا. ورغم أنّ هذه المسابقات كرست مساحة للنساء من الديانة الإسلامية للمشاركة، إلا أنّها لم تحل المشكلة الأساسيّة التي تقوم على فرض شروط على النساء من حيث كيفية ظهورهن للعلن.

هذه المسابقات البديلة التي تقوم على شروط أولية للمشاركة، مثل ممارسة الدين وقراءة القرآن، يرى البعض بأنّها تؤسس لمجتمعات منعزلة وتقسم النساء على أساس فئات دينية وعرقيّة. لكننا نرى اليوم أن تحول الجو العام في "ملكة جمال الكون"، الى جو أكثر تسامحاً وقبولاً ولو بشكل بسيط، هو دعوة للنساء للتكاتف معاً من أجل تحقيق المساواة العالمية.

ولطالما مثّلت هذه المناسبات لحظة ساخنة ومساحة للتعبير عن حقائق مجتمعية لرفض هيمنة الانطباعات الخاطئة. ففي العام الماضي ارتدت ملكة البحرين "بوركيني" كتب عليه من الخلف "يجب أن يكون هناك تمثيل للمرأة العربية... المرأة المسلمة يمكن أن تكون ملكة جمال الكون." في المقابل، ما زالت النساء المحجبات أمام قيود في مجالات متنوعة، أبرزها الرياضة، فأصدرت فرنسا هذا العامن مثلاً، قراراً منع الحجاب في أولمبياد 2024 الذي تستضيفه، ما يعني أنّ النساء المحجبات إما عرضة للانسحاب أو للخضوع لإملاءت الدولة المنظمة، وهذا يعني التخلي عن معتقداتهن لقاء تمثيل بلدانهن في الدوري، باعتبار الحجاب رمزاً دينياً.

أيعني هذا أن حرية النساء في الظهور والتعبير، هو أمر مقيد بجغرافية الدول والمنظمين والحكام؟ ففي حين تشهد هذه المسابقات على الصعيد العالمي، خطوات ملموسة نحو اندماج النساء من مختلف مشاربهن، ما زالت مسابقة ملكة جمال لبنان ترزح أكثر فأكثر تحت عبء المعايير المجتمعية التي تقوم على الشكل أولاً، الجسد ثانياً، والرضا ثالثاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها