السبت 2023/09/23

آخر تحديث: 09:12 (بيروت)

موسم الهجرة الاسرائيلي الى الصين والهند

السبت 2023/09/23
موسم الهجرة الاسرائيلي الى الصين والهند
تتجه المنطقة الى نظام سياسي عماده الأمن الاقتصادي و الممرات الحيوية لتحفيز النمو
increase حجم الخط decrease
  

بعد أن أغفلت واشنطن احد أكثر التطورات الجيوسياسية المثيرة في المنطقة على مر السنين  وهو ظهور الهند كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط و التقارب الأسرائيلي – الهندي، يبدو أن إدارة الرئيس بايدن تعمل على إعادة تشكيل المشهد الجيو- اقتصادي في المنطقة من خلال مذكرة التفاهم لإنشاء الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا "IMEC"، مما سيساعد في تخفيف شكوك الدول الخليجية حول التزامها، وتقليل التوتر مع إيران، وتعزيز قيادتها في الخليج وتقريب الدولة العبرية خطوة كشريك اقتصادي. ولقد وصف مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تزاحي حنيغبي، الممر بأنه "الأكثر دلالة" على أن الجانبين يتحركان من "تجربة عشوائية" نحو جهود جدية لتطبيع العلاقات بين البلدين.

لقد عمق جميع اللاعبين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمملكة العربية السعودية علاقاتهم مع الصين والهند. إسرائيل ليست استثناءً وقد بدأت عملية جلب آلاف العمال الهنود والصينيين للعمل بشكل رئيسي في صناعة البناء، التي تواجه البلاد أزمة فيها منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.

المشهد من الهند و الصين يؤكد ان الممر الاقتصادي يعزز مكانتهما الاقتصادية  في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فالقطبان اضحا يستأثران بالثقل الموازي للمصالح المشتركة  والمتنافسة في المنطقة العربية ولقد اكدت الصين فعالية دبلوماسيتها في المنطقة أيضًا وذلك من خلال اتفاق التطبيع السعودي الإيراني الذي تم في بكين في 10 اذار/ مارس.

الا أن المشهد من اسرائيل مغاير في الشكل و المضمون. فهي ترى الصين قطباً عالمياً مؤثّراً في القرن الحادي والعشرين، بحكم ثقلها الاقتصادي والجغرافي والعلمي والسكّاني، وهي تحظى بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، واستثمار الفرص المتاحة لتطوير العلاقات معها سيكفل للكيان دعماً سياسياً ودولياً، وسيترتّب على ذلك تخفيف الضغط على إسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فالعلاقات الاقتصادية بين الصين وإسرائيل تمتد عبر العديد من القطاعات بما في ذلك الاستثمار والتكنولوجيا والبنية التحتية واللوجستية والتعاون العلمي والسياحة والبناء والتعليم. الا أن ثلاثة عوامل رئيسية تبقى أساسية لنموعلاقاتهما الثنائية: السياسة الخارجية لبكين في منطقة الشرق الأوسط وعلاقتها مع أعداء إسرائيل، ومخاوف إسرائيل ذات الصلة بالأمن بشأن نقل تقنيات متطورة إلى الصين، والضغط الأمريكي على إسرائيل للتخفيف من علاقتها مع العملاق الآسيوي.

علاوة على ذلك تنظر إسرائيل إلى الصين كقوة صاعدة بتأثيرها على إيران والسعودية، والتي يمكن الاستفادة منها بشكل محتمل لتعزيز مصالح إسرائيل، بما في ذلك تلك المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني أو احتمالات اتفاق التطبيع السعودي الإسرائيلي. كما ان دعم الصين لاتفاقات إبراهام هو حجر زاوية آخر لتعزيز العلاقات الصينية الإسرائيلية في المستقبل.

موسم الهجرة الاسرائيلي الى الصين و الهند
ترى الدولة العبرية مصالحها مشتركة مع الصين و الهند في ان واحد. فعلى الرغم من التباعد في السياسة تظل الهند الشريك الوحيد للصين في مجال الاقتصاد والسكان والتجارة وهي ثاني أكبر دولة من حيث السكان وتمتلك رابع أقوى جيوش العالم وهي سابع أكبر دولة من حيث المساحة الجغرافية وخامس أكبر اقتصاد والأسرع نموًا. ( اشارة الى أن نصف سكان الهند تقريبًا تقل أعمارهم عن 25 عامًا.) وقد أكدت دراسات إستراتيجية أن ثمة أهدافا هندية إستراتيجية وأمنية وعسكرية واقتصادية وسياسية، أدت إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ عام 1992، منها انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، ورغبة الهند في تطوير وتحديث قدراتها العسكرية ببعديها التقليدي وغير التقليدي، في ظل سباق التسلح القائم والذي يمتد إلى الخيار النووي.

الا أنه في هذه المرحلة ما زال الصراع يميل إلى كفة الصين. لأن الناتج المحلي الإجمالي لها هو خمس أضعاف الناتج المحلي الهندي. وحجم الإنفاق العسكري يعكس هذه الفجوة الكبيرة، فبحسب الأرقام المعلنة عام 2017، أنفقت الصين أكثر من 156 مليار دولار على ميزانية التسلح فيما أنفقت الهند 52 مليار دولار. وكلاهما في صراع محموم لتأمين احتياجاتهما من موارد الطاقة، وكلاهما أكبر مستوردين للنفط للعالم إذ ليس لديهما موارد محلية. ولذلك يعتبر التنافس على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا جزءًا من صراعهما.

و يمكن تصنيف الصين إنها ثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن القوة الشرائية بالنسبة للصين هي الأكبر في العالم. لديها ثاني أقوى الجيوش و تمتلك أكبر تعداد للسكان وهي ثالث أكبر دولة من حيث المساحة الجغرافية. ومن المتوقع أن تتجاوز الهند الصين من حيث السكان في عام 2025 وهي أكبر دولة ناشئة في مجال تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا في العالم. و تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الهند حليفًا رئيسيًا لها في النزاعات في الشرق الأوسط. اما تأثير الهند في المحيط الهندي فمنوط بحركة التجارة بين الغرب وآسيا.

في عام 2013، كانت الهند عاشر أكبر شريك تجاري لإسرائيل بشكل عام، وثالث أكبر شريك تجاري لإسرائيل في آسيا بعد الصين وهونغ كونغ. في السنوات الأخيرة، تنوعت التجارة الثنائية إلى حد ما من خلال تضمين عدة قطاعات مثل الصناعات الدوائية والزراعة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. يعد البوتاس من أهم مصدري إسرائيل إلى الهند، حيث تشتري الهند نسبة كبيرة من احتياجاتها من إسرائيل. أما الصادرات الرئيسية من الهند إلى إسرائيل، فتشمل الأحجار والمعادن الثمينة، والمنتجات الكيميائية، والمنتجات النسيجية ومقالات النسيج، والنباتات والمنتجات النباتية، والمنتجات المعدنية. وتشمل الواردات الرئيسية من إسرائيل إلى الهند الأحجار والمعادن الثمينة، والمنتجات الكيميائية والمنتجات المعدنية، والمعادن الأساسية والآلات ومعدات النقل. بلغ إجمالي التجارة الثنائية في الخدمات حوالي 407 مليون دولار أمريكي في عام 2012. وكانت صادرات الخدمات من الهند إلى إسرائيل حوالي 317 مليون دولار أمريكي، منها 162.6 مليون دولار أمريكي في خدمات البحث والتطوير.

المبارزة في الشرق الأوسط
يحتاج نجاح هذا الممر الاقتصادي الى تنقية القنوات الديبلومسية بعيدا عن الصراع العربي الأسرائيلي و عن التنافس الصيني – الهندي و قد يكون الدور السعودي حجر زاوية له بالرغم من المخاوف المتصاعدة عن تطبيع وشيك. فعلى الرغم من مخاطر الركود في عدة دول من منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، فإن اقتصادات الدول النامية، وخاصة الصين والهند، تسهمان في زيادة الطلب على النفط بأكثر من مليوني برميل يوميًا هذا العام.

فالمملكة أضحت جزءا لا يتجزء من نظام عالمي متعدد الأقطاب و هي تسعى لاستثمار علاقتها الصينية الهندية اقتصاديا وهذا ما يؤكده تقرير لوكالة الطاقة الدولية بأن الطلب العالمي على النفط في طريقه للارتفاع بواقع 2.4 مليون برميل يوميًا في عام 2023، متجاوزًا زيادة العام السابق التي بلغت 2.3 مليون برميل يوميًا. ولاحظت الوكالة في تقريرها لشهر حزيران / يونيو أن الصين تمثل 60% من هذه الزيادة.

واضافت الوكالة: "الطلب الهندي قوي بنفس القدر مع قراءات ايار/ مايو الأخيرة التي أظهرت تحقيق أرقام قياسية في استهلاك البنزين والديزل". وعلى الجانب المقابل، فإن الطلب من بلدان التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) "يظل ضعيفًا" في ظل تراجع الصناعة المستمر ونمو اقتصادي متجدد عمومًا.

الواضح ان المنطقة تتجه الى نظام سياسي عماده الأمن الاقتصادي و الممرات الحيوية لتحفيز النمو، وعليه فأن الحديث عن أي تطبيع أضحى ملازما للاتفاقات العابرة للقارات.

 

 

  

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها