الأربعاء 2023/11/01

آخر تحديث: 09:05 (بيروت)

إسرائيل تخسر الحرب اقتصادياً..التضخم ينهش قطاعاتها

الأربعاء 2023/11/01
إسرائيل تخسر الحرب اقتصادياً..التضخم ينهش قطاعاتها
غلاف غزة مرتكز استراتيجي بالنسبة للأمن الغذائي الزراعي لإسرائيل (Getty)
increase حجم الخط decrease
بين ما أعلنته المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا عن أن الحرب بين إسرائيل وحماس بدأت تشكل ضغوطا سلبية على اقتصادات الدول المجاورة في المنطقة وزيادة الضغوط التضخمية وتراجع التصنيف الائتماني لدولة اسرائيل، وحتى قبل هجمات "طوفان الأقصى"، كانت حالة الاقتصاد الإسرائيلي قد وصلت إلى المنعطف الحرج، في ظل تأكيد وكالة "ستاندرد آند بورز" أن دورة الأعمال انتقلت من فترة الازدهار إلى فترة الركود. ففي حين نما الاقتصاد الإسرائيلي بأكثر من 15% في الفترة بين 2022-2021، وبمتوسط معدل 7.5% سنوياً، فإن معدل النمو يتراجع الآن إلى 3%، وتشير توقعات الوكالة إلى اتجاه تنازلي للنمو.
لم تؤد الحروب الإسرائيلية على غزة في العقدين الأخيرين إلى أضرار اقتصادية بالغة واستطاع الاقتصاد تخطي تكاليف تلك الحروب، بسبب فتراتها الزمنية القصيرة وعدم تضرر الجبهة الداخلية بشكل جدي. أما الإسقاطات الاقتصادية المتوقعة للحرب الحالية على غزة، فستكون مختلفة وستكبد الاقتصاد الإسرائيلي ضررا بالغا وتكلفة عالية. التقديرات تشير إلى أن الأضرار التي ألحقتها حرب غزة تتجاوز ضعف كلفة حرب لبنان الثانية في عام 2006، التي استمرت 35 يوماً وحرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973. 
وبحسب تحليل أنجزه مصرف "هبوعليم"، وهو أحد أكبر بنوك إسرائيل، فإن حجم هذه الخسائر قد يناهز منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع 27 مليار شيكل، أي ما يصل إلى نحو 6.8 مليار دولار. وبحسب بنك "جيه بي مورغان تشيس"، فقد ينكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11% على أساس سنوي، في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري. ويتوقّع الخبراء زيادة في الدين العام وتباطؤ نشاط الاقتصاد الإسرائيلي وتراجع القوة الشرائية للإسرائيليين والاستثمارات، وخصوصاً مع إطالة أمد الحرب في حال فتح جبهات أخرى على حدود إسرائيل. وذكر البنك أن تقديراته الحالية -قبل بدء أي هجوم بري على غزة- تؤشر إلى انكماش الاقتصاد بنسبة 11% في الربع الأخير من 2023 على أساس سنوي.
يمكن القول أن الأضرار التي تلحق بالاقتصاد الإسرائيلي وحجمه نحو 500 مليار دولار -وهو الأكثر تطوراً في الشرق الأوسط بفضل نقاط القوة الكامنة في التكنولوجيا والسياحة- تقسم إلى أربع فئات: التكلفة المباشرة للحرب، والتعويض عن الأضرار التي لحقت بالممتلكات، والمساعدة الاقتصادية (استمرارية الأعمال، ودعم الأسر)، وفقدان دخل الدولة؛ بسبب الاضطراب الاقتصادي . وقدر بنك "الاستثمار الإسرائيلي" أن كلفة الحرب قد تتعدى ال70 مليار شيكل، أي نحو 17.2 مليار دولار، وهو أكثر من ضعف تكلفة حرب لبنان الثانية، ما يمثل نحو 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي.
والبديهي تأكيده أن الاقتصاد الإسرائيلي بدأ يعاني من أزمة تضخم خانقة ولم تعد المسألة فقط تتعلق بالضغط على سعر الشيكل الذي يتراجع بالفعل، بل أيضًا ترتبط بأزمة الواردات الغذائيّة وارتفاع الأسعار بسبب نقص الإمدادات خاصة بعد وقف العمل الإنتاجي في غلاف غزة وعرقلة سلاسل التوريد بفعل القصف وغيرها من المشاكل. وتعاني إسرائيل من أزمة تضخم مرتفع، تفاقمت منذ بداية العام بعد التعديلات القضائية التي ضغطت على الشيكل. ويعتبر معدل التضخم لشهر أيلول/سبتمبر 2023، هو ثاني أعلى نسبة بعد الشهر ذاته من العام الماضي اذ بلغ نحو 4.6%، وفقاً لبيانات " وكالة ريفينيتيف".
ويمكن تلخيص أفق هذه الأزمة التضخمية بالعوامل الآتية:

الأمن الغذائي الزراعي
يقدر سوق الزراعة في إسرائيل بمبلغ 6.61 مليار دولار أميركي في عام 2023، وكان من المتوقع أن يصل إلى 8.30 مليار دولار أميركي بحلول عام 2028 ، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.65٪ خلال الفترة المتوقعة (2023-2028).
وجدير ذكره أن الحرب الدائرة تقع في أراضي غلاف غزة هي مرتكز استراتيجي بالنسبة للأمن الغذائي الزراعي للسوق الإسرائيلية حسب ما نقلته صحيفة "غلوبس" المختصة بالاقتصاد الإسرائيلي والتي أفادت بأن 75% من الخضراوات المستهلكة في إسرائيل تأتي من غلاف غزة، إضافة إلى 20% من الفاكهة، و6.5% من الحليب و85% من صادرات قطاع غزة من المنتجات الزراعية. وتصدرغزة نحو 80 طنا من الأسماك بشكل شهري  وتُعرف المنطقة المحيطة بقطاع غزة باسم "رقعة الخضار الإسرائيلية" وتحوي أيضا مزارع للدواجن والماشية، إلى جانب مزارع للأسماك. 
وكانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة قد أولت أهمية خاصة لمنطقة غلاف غزة بعد الانسحاب من القطاع عام 2005، وعززتها بعشرات المستوطنات. وقالت الصحيفة: "يشكو مزارعو مستوطنات غلاف غزة من وعود لا يتم الإيفاء بها من جانب وزارة الزراعة، ووُعد المزارعون سابقا بتقديم دعم بقيمة 770 مليون شيكل كجزء من إصلاح رسوم الاستيراد، لكنهم لم يتلقوا ذلك". ويحذر المزارعون في مستوطنات غلاف غزة من انهيار الزراعة، بسبب نقص العمالة، وفقًا لما أشار موقع "واللا" العبري.
ونتيجة لذلك، أخطر وزير الداخلية الإسرائيلي موشيه أربيل وزارة السكان والهجرة بضرورة اتخاذ "إجراءات عاجلة لاجتذاب العمالة الأجنبية إلى القطاع الزراعي من دول جديدة لم تستجلب منها إسرائيل عمالًا زراعيين من قبل". إشارة الى أن الزراعة في إسرائيل تشكل 2.5% من مجموع الناتج المحلي و3.6% من الصادرات، ويوظف القطاع الزراعي حوالي 3.7% من مجموع العمال، ويتم إنتاج ما يصل إلى 95% من احتياجاتها الغذائية للدولة محليا.

انخفاض النمو
قدر البنك المركزي الإسرائيلي أنه إذا اقتصر الصراع على قطاع غزة ولم يمتد إلى جبهات أخرى، فإن عجز الموازنة قد يصل إلى 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023 و3.5% في 2024. وكانت شركة (CEIC Data) المختصة في تحليل اقتصادات دول العالم، قدّرت ديون إسرائيل بـ29.7 مليار دولار في كانون الأول/ ديسمبر 2022، مقارنة ب335.7 مليار دولار في عام 2021، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يتباطأ الاقتصاد الإسرائيلي إلى 2.9% في 2023 من نسبة 3% التي كانت متوقعة، وإلى 3.3% في 2024 من 3.4% سابقا.
الحرب الحالية أدت إلى شل الحركة الاقتصادية في جنوب إسرائيل بشكل كامل، وأدت إلى شلل جزئي في منطقة الشمال وتوقف فروع اقتصادية بالكامل أو بشكل جزئي في بقية المناطق، خاصة فروع الترفيه، وتعطيل شبه كامل لفرع السياحة، وتراجع البناء بسبب منع إدخال عمال فلسطينيين من غزة والضفة وألغت شركات طيران دولية رحلاتها إلى تل أبيب، كما أُلغيت حجوزات فنادق، وفرّ السيّاح، وانقطعت الكهرباء عن مستوطنات الجنوب. اشارة إلى أن هذا النوع من القطاعات الاقتصادية يأخذ وقتاً طويلاً ليعود إلى مرحلة التعافي، هذا إذا انتهت تداعيات الحرب سريعاً. كما جندت إسرائيل قرابة 360 ألف جندي من قوات الاحتياط، ما يعني خروج هؤلاء من أسواق العمل لمدة غير محددة. كل هذا يؤدي إلى تراجع الاستهلاك الخاص والاستثمارات، مما يدفع إلى انخفاض النمو الاقتصادي في الربع الأخير من العام الجاري 2023، فالعديد من الشركات والفعاليات الاقتصادية مغلقة ولا يغادر الناس منازلهم إلا بالكاد.

أسعار النفط
عامل آخر يمكن أن يغذي التضخم هو أسعار النفط، التي ارتفعت بالفعل في الأيام الأخيرة. فارتفاع أسعار النفط بالنسبة لإسرائيل يعني ارتفاعا في أسعار الوقود بشكل مباشر، وبشكل غير مباشر زيادة في أسعار السلع المستورد.
ولن يتوقف ارتفاع أسعار النفط على زيادة تكلفة السلع، بل سيقود إلى ارتفاع تكاليف الحرب، مما يتطلب الكثير من وسائل النقل، وأيضا إلى زيادة العبء على الجمهور أثناء الحرب، وفق جلوبس. وتوقع محللون استمرار مكاسب النفط بعد أن اختتم تعاملاته الأسبوع الماضي على قفزة جراء تصاعد حدة الحرب، ولا سيما أن التوترات العالية تبقي السوق في حالة عدم يقين، بالتزامن مع محاولات تعافٍ مستمرة لخام برنت، وتجنب مخاوف النمو العالمي. ويقول هؤلاء ان السوق النفطية في حالة توجس شديد من الحرب الراهنة وتطوراتها وتأثيرها على استقرار إمدادات الشرق الأوسط، حيث يمر 20 مليون برميل من النفط عبر مضيق هرمز، وهو ما يعد نقطة اختناق حقيقية خاصة إذا انزلقت إيران في هذا الصراع.

تراجع الشيكل
ومن الضغوط التضخمية تراجع سعر صرف الشيكل الإسرائيلي إلى أدنى مستوى له أمام الدولار منذ 2015، وهذا الأمر انسحب أيضا على أسواق الأسهم والسندات، إذ وصل سعر الدولار الواحد إلى 4 شيكل مسجلا أطول سلسلة خسائر منذ 39 عاما. ويتوقع المتعاملون أن تواصل العملة والسندات الإسرائيلية انخفاضاتها رغم إبقاء بنك إسرائيل سعر الفائدة بلا تغيير، مع قلق المستثمرين من احتمال تصاعد الحرب وضرب الاقتصاد بشكل أكبر. وانخفضت السندات الدولارية لأجل عشر سنوات لليوم الثامن على التوالي في إسرائيل، في حين ارتفعت مقايضات العجز الائتماني إلى أعلى مستوى في عام 2018. وانخفض مؤشر الأسهم القياسي للشركات الكبرى TA-35 إلى أدنى مستوى منذ تموز/يوليو 2021.
وبلغ متوسط الراتب الشهري في إسرائيل في حزيران/يونيو 2023، 13ألفاً و295 شيكل، بزيادة 6.3% عن نفس الشهر في عام 2022 مع معدل تضخم سنوي يبلغ 4.2% خلال نفس الفترة، وارتفعت الأجور بشكل أسرع من التضخم، بحسب المكتب المركزي للإحصاء بإسرائيل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها