الأحد 2023/09/17

آخر تحديث: 14:03 (بيروت)

سياسة خلق الممرات التجارية و"باكسا رومانا": استبعاد إيران ولبنان

الأحد 2023/09/17
سياسة خلق الممرات التجارية و"باكسا رومانا": استبعاد إيران ولبنان
المشروع سيأتي بتحول هائل في الاقتصاد والديناميات الشرق أوسطية (Getty)
increase حجم الخط decrease

يبدو أن سياسة خلق "الممرات التجارية" بين القارات سيكون منعطفاً بارزاً في الاقتصاد الجيوسياسي. فبعد إعلان القمة الأقتصادية للدول السبع في هيروشيما في العام الفائت عن مبلغ 30 مليار للمساعدة في بناء "الجسور الأقتصادية"، وبعد توقيع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على مذكرة تفاهم لتوفير الطاقة النظيفة، يأتي الإعلان عن إنشاء ممر اقتصادي يمتد من الهند إلى الشرق الأوسط وصولاً إلى أوروبا (India – Middle East Europe -Economic Corridor (IMEC)) في قمة العشرين، كتطور تاريخي له تداعيات جيوسياسية بعيدة المدى.  

من خلال التركيز على تجارة الطاقة، يعتمد المشروع على الميزة التنافسية للمنطقة، أي توفير طاقة رخيصة ومتجددة وبما يقلل هذا الممر من مدة نقل البضائع الهندية وتكلفتها إلى أوروبا بنسبة 40 في المئة و30 في المئة على التوالي، والعكس بالعكس. و ستعزز الاتفاقية من الكفاءة اللوجستية للدول الأعضاء، كما سيخفض تكاليف الأعمال، ويعزز الوحدة الاقتصادية، ويخلق الوظائف، ويقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ما يعزز التكامل التحويلي عبر آسيا وأوروبا والشرق الأوسط.

تمثل الدول الثمانية الأعضاء في اتفاقية IMEC حوالى نصف اقتصاد العالم و40 في المئة من سكانه. وبناءً على ذلك فهي تمتلك القدرة على تحويل التجارة العالمية والتنمية. أما من وجهة نظردول الخليج، فسيعزز المشروع الجديد مكانة المنطقة التاريخية كممر تجاري رئيسي الذي يربط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا.

الناحية الجيوسياسية
أما من الناحية الجيوسياسية، فأبرز جوانب هذا الاتفاق هو انضمام إسرائيل إليها كجزء من الممر. ويرمز ذلك إلى تحول هائل في الاقتصاد والديناميات الشرق أوسطية. وسيقوم الممر بربط إسرائيل بجيرانها العرب، معززاً التعاون الاقتصادي وتعزيز التواصل في الشرق الأوسط.

يأتي القرار كرد فعل أميركي على توسيع نفوذ الصين عبر آسيا وإفريقيا وأوروبا. إذ أن إطلاق ممر الشحن والسكك الحديدية الضخم بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يُسلط الضوء على التحول العالمي في القوة الاقتصادية والجيوسياسية، ويؤكد مكانة الهند في قلب هذا الممر الاستراتيجي. تجدر الإشارة إلى تصريح مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، جيك سوليفان، الذي قال إن هذا الشبكة تعكس رؤية الرئيس بايدن "لاستثمارات البعيدة المدى"، التي تأتي من خلال "قيادة أميركية فعّالة". معرباً عن استعداده لاستقبال الدول الأخرى كشركاء.

ومن الضروري التأكيد على أن تحقيق ممر الهند - الشرق الأوسط - أوروبا لن يكون ممكنًا من دون وجود سلام عالمي وشراكة عالمية جديدة، تهدف إلى القضاء على الفقر وتحويل الاقتصادات. ببساطة، يمثل هذا الاتفاق تطبيعاً عربياً مع إسرائيل، بالإضافة إلى ضمانات أمنية وعسكرية لدول الخليج العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، ما يتيح لها الانطلاق في مسار تنموي آمن، مساهمة في الاستقرار السياسي في هذه المنطقة. هذا الاتفاق يضع إيران جانبًا تمامًا، حيث تصبح جزءًا من تحالف صيني روسي، ويحتفظ جزئياً بتركيا التي لا تزال تبحث عن مصالحها بين أوراسيا وحلف شمال الأطلسي.

استبعاد لبنان
وتم استبعاد لبنان من هذه المبادرة، مما يجهز على طموحاته في تعزيز التواصل والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا. و من المهم أيضاً الإشارة إلى حادث انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، والذي أدى إلى انسحاب لبنان من الخريطة الكبرى للتعاون الاقتصادي. و لقد أدى هذا الحادث إلى منع بيروت من أداء دور بارز في الديناميات الاقتصادية والسياسية العالمية. أما دور لبنان البحري التقليدي فبات من الماضي، حيث فقدت بيروت معظم طرق التجارة البحرية التفضيلية التي كانت تربطها بالجزر اليونانية، عبر جنوب أوروبا.

جوانب الاتفاقية
الممر سيسهم في تطوير وتصدير الطاقة النظيفة، وزيادة إمكانية الوصول إلى الكهرباء المتجددة، ودعم الإبتكار في تكنولوجيا الطاقة النظيفة المتقدمة. ولكن الأهم من ذلك سيكون في زيادة التجارة الخاارجية بين هذه الدول الثلاث، بما في ذلك السكك الحديدية وأنابيب النفط والغاز. إذ تشمل الاتفاقية إنشاء ممرين مزدوجين: الممر الشرقي الذي يربط الهند بخليج العرب والممر الشمالي الذي يربط خليج العرب بأوروبا. وسيتضمن الممر سكة حديد وشبكة نقل بحرية عبر الحدود بتكلفة مناسبة لتكملة الطرق البحرية والبرية القائمة. وسيتيح ذلك للبضائع والخدمات العبور من وإلى وبين الهند والخليج وأوروبا، وكذلك تمديد كابلات الكهرباء والاتصالات الرقمية، وكذلك أنبوب لتصدير الهيدروجين النظيف. ولتعزيز التواصل، سيتم تثبيت بنية تحتية للكهرباء والاتصالات الرقمية. وسيساهم ذلك في تحسين إمكانية التجارة وتسهيل عمليات التجارة والوحدة الاقتصادية وخلق الوظائف. وسيساهم المشروع في التأثير البيئي والاجتماعي، ما يجعل المشروع متسقًا مع أهداف التنمية المستدامة.

اما أحد النقاط الرئيسية التي تم التأكيد عليها في البيان، فهو الحاجة الملحة لمعالجة "عجز الثقة العالمي". بالإضافة إلى ذلك، تمت مناقشة مبادرة حاسمة تتعلق بإنشاء شبكة تواصل للسكك الحديد والشحن البحري تربط الولايات المتحدة والهند ودول الخليج. تهدف هذه المبادرة إلى تيسير التجارة والتعاون الأمثل بين هذه المناطق وربط الحضارات.

الاتفاقية ستكون وسيلة للتبادل الغني بالفنون والديانات والثقافات والأفكار والتكنولوجيا، مما سيمهد الطريق نحو عالم كوكبي يتسم ليس فقط بنسخة جديدة من "باكس رومانا" (فترة سلام غير مسبوق وازدهار اقتصادي في الامبراطورية الرومانية، التي امتدت من إنجلترا في الشمال إلى المغرب في الجنوب والعراق في الشرق)، ولكن أيضًا بعالم بلا حروب، حيث تكون المصالح الاقتصادية هي ركيزة السلام.. إلى حد تجعل الدولة العبرية شريكاً اقتصادياً لها!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها