الثلاثاء 2023/09/19

آخر تحديث: 11:26 (بيروت)

"كوكب الأوقات القصيرة" لرولا الحسين... بين الجرأة والشقاوة

الثلاثاء 2023/09/19
"كوكب الأوقات القصيرة" لرولا الحسين... بين الجرأة والشقاوة
increase حجم الخط decrease
في "كوكب الأوقات القصيرة"، تعيش امرأة متمردة، كاسرة للقوالب، تدّعي بأنّ ثمة مَن أكل قلبها وترك مكانه آثار أسنان وقطعة ثلج.

كوكب الأوقات القصيرة، الديوان الأحدث الصادر عن دار النهضة العربيّة، لرولا الحسين. دوّنت في صفحاته بعضاً من خواطرها، يوميّتها، تخيلاتها، وأمنياتها. لا تتردد في الحديث عن أفكارها التي لا تعدّ مألوفة لتصوّرها لنا بحداثة، مستعينة بتشابيه لم نعتد عليها، منها "كامرأة تتوسّل غيمةً كبيرة/ لتبتعد وتترك لها الشمس/ كغناء إديث بياف لآخر أغانيها".

تفصح رولا عن أمنياتها التي أدرجتها في "قائمة الأمنيات المستحيلة"، فتتمنى "ثلج يكفي لزجاجة ويسكي Monkey Shoulder". وبأسلوبها الواضح، المباشر والبعيد من التكلّف أو التصنّع، تُحدّث القرّاء عن حب لم يتجاوز عمره الساعات "يكفي لحين أرحل/ كثيرٌ يملأ شعري/ وأصابع قدميّ الطويلة". تبدي إهتمامها بتفاصيل غفل القرّاء عن رؤيتها رغم أنّهم يصادفونها مراراً في حياتهم اليوميّة، فتجعل من تلك التفاصيل موضوعاً بحد ذاته، تكتب حوله سطوراً من الشعر، تنثر قصيدة عن "ممتلكات" تعود للمتألمين، وتندرج ضمن الممتلكات هذه، أغراض مثل الكنبة، الأغطيّة السميكة، وأقراص منوّمة منتهية الصلاحيّة، "نحن المتألمون/ لنا كنباتنا/ وأغطية سميكة/ تحجب الضوء/ والهواء/ والنظرات الفضوليّة".

لا تحتاج رولا الحسين إلى سطور كثيرة لتدوّن ما ترغب في مشاركته مع القرّاء، فبسبعة أسطر تستطيع إخبار القارئ عن يوميّاتها التي تنعتها بالعاديّة، "أعيش حياة مؤقتة/ غيابك/ الثابت الوحيد فيها". تكتب رولا قصيدتها وكأنّها تصف تفاصيل لوحة مكتملة العناصر، وتنظّم الأشياء والأحداث، كأنّها تخبرنا عن مشهد سينمائيّ، إختار فيه مدير الإضاءة أن يسلّط الضوء على تفاصيل تأخذ المشهد إلى بُعد آخر، أكثر شاعريّة. "اللّيلكي في خزانتي/ الشّمس على وجهي وكتفي وصدري/ الخطوط الأفقيّة على جواربي".

تتخلى عن الوزن، لتنثر خواطرها بسلاسة وجرأة. كما في لوحاتها، تطغى الخصوصيّة على أغلب قصائدها. فهي تحدّث القارئ عن حياتها العاديّة، لكن من خلال إهتمامها الكبير بتفاصيل الأحداث والمشاهد، التي تجعل من حياتها العاديّة هذه، موضوعاً شيّقاً وغير عاديّ.

تغلّف صفحات الكتاب الجديد، لوحة رسمتها الكاتبة والتشكيليّة، تصوّر فيها قدميها المستلقيتين فوق بعضهما البعض، قدمٌ عاريّة وأخرى إختارت أن تُلبسها جورباً مخططاً. صفحة الغلاف هذه، كفيلة بأن تدلي للقارئ بما هو على وشك قراءته: قصائد لكاتبة لا تبذل مجهوداً من أجل إذهاله.

إنّ عفويّة الحسين في قصائدها، وصدقها في أفكارها ومشاعرها، كفيلتان بجعل القارئ مذهولاً. وكأنّها تتعرّى من كلّ الأقمشة التّي غلّفت بها روحها، لتدوّنها كما هي على صفحات الورق، ثمّ تقدمّها للقارئ غير مبالية لأحكامه. يشعر المتلقي بأنّه صديق مقرّب من الكاتبة، تخبره عمّا يؤلمها وعمّا يشعرها بالطمأنينة، تسخر من الواقع معه، وتشاركه أحلامها، أمنياتها، وتفاصيل يوميّاتها. 

في قصيدة عنوانها "السفر إلى الماضي"، تخبر الكاتبة عمّا تتمنى فعله عندما تصغر. بأسلوبها السلس، يغفل المتلقي عن فكرة أنّه ليس بالأمر الطبيعي أن يصغر المرء من الجديد. ثمّ يدرك القارئ، بأنّ صديقته المقرّبة تتمنى لو أنّها استثمرت واستلذت أكثر بأيّام الصغر. أو أنّها حين كبرت، تمنّت لو أنّها تستطيع أن تعود بالماضي لترشد نفسها الصغيرة. "عندما أصغر/ سأتقن قواعد لعبة كرة القدم/ وأحفظ أسماء كلّ اللّاعبين/ أختار فريقاً/ لأشجّعه مدى الحياة/ وأبكي عندما يخسر".

في "كوكب الأوقات القصيرة"، الذي تتوزع قصائده على 84 صفحة، يصبح للقصيدة لون، ملمس، وضوء ينصبّ على العناصر الثانوية لتصبح ذاتها العنصر الرئيسي في المشهد. تجمع رولا الحسين بين الجرأة، الشقاوة، الحزن وما يناقض هذا كله، لتنثره وتضعه بين أيدينا كدفتر يوميّات.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها