الجمعة 2023/06/09

آخر تحديث: 14:00 (بيروت)

عفّه مسيلب وقد رسمت لنا دفتر مذكراتها

الجمعة 2023/06/09
increase حجم الخط decrease
بعد معرضها الفردي الأول العام 2018، تقدم الفنانة التشكيليّة عفّه مسيلب، معرضها الفردي الثاني في غاليري كليم (الحمرا، بيروت)، لتشاركنا بخطوات أكثر ثباتاً، ما حصدته من تطوّر على الصعيد الفنّي خلال السنوات الخمس التي انقضت في إلتزامها بعلاقة جديّة وصادقة مع الألوان الزيتيّة. 

يتضمن المعرض مجموعة تتألف من 35 لوحة زيتيّة متنوّعة الأحجام، تطلق عليها الفنانة اسم "مسار اللّون"، وتفصح من خلالها عن رحلتها للبحث عن مكانها الآمن. وكأنّ مسيلب، في كلّ لوحة تجريديّة، تعزم على محاورتها، تبدأ معها رحلة بحث جديدة عن المكان الذي من المفترض أنها تنتمي إليه، ثمّ تكتشف في نهاية المطاف أنّ الطبيعة، هي المكان الوحيد الذي تشعر بالإنتماء إليه. فعلى الرغم من أنّ الأعمال المعروضة هي عبارة عن لوحات مجرّدة، إلّا أنّها لم تجرّد إلى حد يمنعنا من رؤية أوراق الأشجار وغصونها بوضوح.

تحاكي مسيلب، مشكلتها مع الإنتماء التي "بدأت منذ استقلالي عن بيت العائلة، لم تقف حينها الأسئلة في رأسي، كيف يمكنني أن أشعر بالإنتماء وقد أخفقت في إنتمائي الأوّل؟ ومضات طفيفة تأخذني إلى حيث أنتمي من خلال حديثي مع اللّون"، كما تقول لـ"المدن". 


تخبرنا مسيلب عن أوراق الطبيعة تلك بشغف "قد تجدون ظهوراً لأوراق الأشجار في بعض الأعمال، ما كانت هذه الأوراق إلّا طريقتي في إحياء وموت الأشخاص في مخيّلتي، تارةً تجدها بارزة ذات حضور جريء، وتارةً تجدها تذوب في محيطها حيث لم يبق لها وجود في اللّوحات الأخيرة". وتضيف بأن أعمالها المعروضة حاليّاً "بكلّ بساطة، هي مجموعة من التقلبات التي عايشتها في فترة انقضت، وكان اللجوء إلى اللوحة هو حاجتي المُلحّة للسَّكينة، ولسكب كلّ الثرثرة والأسئلة التي في داخلي". تشاركنا مسيلب كلّ ما يخالجها من تساؤلات وصراعات، بعد أن بادرت في ترجمتها إلينا، هي وريشتها، على أسطح القماش. 

تتنوع التآليف التي تعتمدها مسيلب من لوحة إلى أخرى، ويتضح بأنّها تآليف درست بعناية ووزعت عناصرها بتأنٍ وفي أماكنها الصحيحة. أمّا في التعامل مع اللّون، تشعرنا الفنانة بإسقاطها العفوي إليه على سطح القماش. الفنانة لم تستعمل في إنجاز أعمالها سوى الألوان الزيتيّة، إلّا أنّ طريقة توزيعها للّون، يشعرنا بتعدد وتنوّع الخامات في اللّوحة. فهي تحرص على سماكة بعض المساحات، وشفافيّة المساحات الأخرى، وتستعمل ريشتها الجافة لتوزع ضرباتها في مساحات صغيرة. خطوطها في أغلبها ليّنة، إلّا أنّها تسقطها بجرأة وثقة على المساحات اللّونيّة. تحرص عل إظهار التضاد اللّوني في لوحاتها، ولو بشكل طفيف، ذلك لأنّ كلّ لوحة بمفردها، تتمتع بلونيّة معيّنة ومحدودة. فبعض اللّوحات، طغى على سطحه اللّون الأخضر بدرجاته اللّونيّة المتنوعة مثلاً، الذي كسرته في بعض المساحات باستعمال اللّونين، الأصفر والأحمر، ثمّ بتوزيع ضربات ريشة من الأزرق والبنفسجي. ويجدر الذكر، أنّ ألوان الفنانة جميعها، هي ألوان واضحة بدورها، يتضح من خلالها أنّ الفنانة لم تقبل على ترميدها.



تعد أعمال عفّه مسيلب، لوحات فنيّة كاملة متكاملة، لأنّ العين تدور عليها بسلاسة، من مساحة إلى أخرى. وبالنظر إلى تلك المساحات عن قرب أكثر، يتضح لنا كم من الوقت والطبقات اللّونيّة، قد استثمرت الفنانة في تلك الأعمال. فمن قرب، نرى بعض الطبقات التي وضعت في الخطوات الأولى لتأسيس اللّوحة، ثمّ طبقة أخرى ومختلفة من ناحية اللّون والخامة فوقها، لتوزّع فوق الأخيرة طبقة من ضربات اللّون المتنوّعة في مرونتها وقساوتها.

تفصح عفّه مسيلب عن صفحات دفترها، "لوحتي هي دفتر مذكراتي، والمكان الآمن الذي ألجأ إليه لأفرغ عليها كلّ ما شكوت منه في الفترات التي يتعذّر عليّ الحديث مع اللّون. ليس بالضرورة أن أرسم بسبب فكرة عميقة، أو موضوع يشغلني. إنّها لغتي التي أستطيع من خلالها التكلّم بطلاقة". ليس من السهل أن يقوم الفنان بمشاركة المُشاهد دفتر مذكراته، حتّى وإن كانت لغة ذلك الدفتر هي الألوان، فاللّون الصادق، لا تصعب قراءته. ولعلّ هذه هي طريقتها الوحيدة للهرب من الواقع الذي في الكثير من الأحيان لا يعود مرغوباً، فتقتدي بمسار هنري ماتيس، حين قال: "الفن هو أريكتي المريحة".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها