الثلاثاء 2023/08/29

آخر تحديث: 12:42 (بيروت)

في "الجنينة" باتوا مُتاحين: تشكيليون خارج ملاذ الغاليري

الثلاثاء 2023/08/29
في "الجنينة" باتوا مُتاحين: تشكيليون خارج ملاذ الغاليري
من أعمال شوقي يوسف
increase حجم الخط decrease
كان حيّ مونمارتر في باريس يعجّ بالمقاهي التي اعتُبرت ملتقىً لأهمّ الفنانين التشكيليين المقيمين في باريس، وفي حيّ مونمارتر بالتحديد: أميديو مودلياني، بابلو بيكاسو، كلود مونيه، فنسنت فان غوغ، سالفادور دالي وغيرهم. إذ اتخذوا من المقاهي مقرّات لنقاشاتهم وسجالاتهم ومناظراتهم الفنيّة، وأمكنةً لعرض لوحاتهم، ونقدها وإبداء آرائهم في أعمال بعضهم البعض.
 
في وقتنا الحالي، وفي لبنان تحديداً، بات الفنانون التشكيليون المحترفون يعرضون أعمالهم حصرًا داخل الغاليريات الفنيّة المغلّفة بأجواء أرستقراطية، والمتوجّهة إلى فئة معيّنة من المجتمع. وإن رأينا بعض المبادرات في مجال عرض اللوحات خارج نطاق الغاليريهات، فغالباً ما تكون بعيدة من الاحتراف، أي أنّها تهتم أكثر بهواة الفنّ وليس بمحترفيه.

لكن مؤخراً، بادر مقهى "الجُنَيْنة" الذي افتُتح مؤخراً في الأشرفيّة، إلى عرض لوحات فنيّة لنخبة من الفنانين المحترفين، كخطوة لاستحداث مكان من نوع آخر يسعى لأن يكون ملتقىً ثقافيًّا للفنانين على أنواعهم (تشكيليون، سينمائيون، مسرحيون أو أدباء...). فبالتعاون مع الفنانة التشكيليّة غادة الزغبي، تمّ التواصل مع الفنانين لعرض لوحاتهم، فبادر الفنانون أحمد غدّار، فادي الشمعة، عفة مسيلب، منصور الهبر، رشا كليب، روي داغر وشوقي يوسف إلى تلبية دعوة الزغبي، فأقاموا معرضًا في "الجنينة" لمدّة ثلاثة أيّام، كما قدمت الزغبي لوحتين كهديّة لتبقيا معروضتين بشكل دائم في هذا الملتقى.

تُعتبر هذه الخطوة غير عاديّة، لأنّ الفنانين الذين عرضوا أعمالهم محترفون، ويعرضون أعمالهم في أهم الغاليريهات في لبنان والخارج. تقول غادة عن اختيارها للفنانين: "تواصلتُ مع الفنانين الذين يشاركونني المبدأ نفسه بأنّ على الفن أن يشقّ طريقه إلى العامّة من الناس، ولديهم ما يكفي من التواضع والثقافة لفهم أهميّة هذه المبادرة". ويؤكد الفنان منصور الهبر، وهو أحد المشاركين في المعرض، على أهميّة عدم حصر الفن التشكيلي في الغاليري، وعند سؤاله عن عرضه في "الجنينةط، أجاب: "السبب يتلخص في أن الفن الحديث في بداياته تخلى عن التواجد في أماكن النخبة الثقافية ودوائر السلطة... الثورة الفنية الحديثة في أوروبا انطلقت من مقاهٍ ثقافية أيضاً.. مما يعني أنّ الفن والمجتمع أصبحا في مكان واحد.. ولم تعد ثمّة مسافة بين الناس والفن.. من هنا أتت قناعتي بهذا العرض".


(عفة مسيلب)

يأمل القيّمون على مشروع "الجنينة" بأن تكون فكرة عرض لوحات تشكيليين مخضرمين، خطوة لخلق مساحة للفن والثقافة تسلك طريقها بسلاسة إلى الجمهور. يقول عربي العنداري، أحد القيّمين على "الجنينة": "لقد التقينا على هدف أساسيّ، وهو خلق ملتقًى ثقافيّ يهتمّ بجميع أنواع الفنون ويحتضنها، وقدمنا المساحة للفنانين المحترفين، وسنسعى إلى تقديم الفرص للفنانين الناشئين، وقد تكون الجنينة نقطة البداية لهم". 

يتضح من حديث العنداري بأنّ المبادرة التي أطلقتها "الجنينة" ليست تجاريّة، بل ثقافيّة، وتتفق مع رؤية الفنانين والفنانات الذين بادروا لعرض أعمالهم. وتشرح الفنانة غادة الزغبي لـ"المدن": "أرى هذا المعرض كمساحة للقاء الفنانين بالناس. بهذه الخطوة، نساهم في تحرير الفن من إطار الغاليري والمتحف، لفتح مسلكٍ جديد له، يتجه من خلاله إلى العامة. لم يعد الفن في أيّامنا هذه متقوقعاً على نفسه، بفضل مواقع التواصل الاجتماعي. لقد أصبحت أعمال الفنانين متاحة لجميع الناس عبر شاشة الهاتف المحمول، فكما نبادر لعرض لوحاتنا في تلك المواقع لتصبح مألوفة لدى المشاهدين، يمكننا أيضاً أن نعرضها في مكان واقعي وثقافي كالجنينة".

(فادي الشمعة)

وعليه، وبأثر من مشاركة القيّمين على "الجنينة" المنظور الثقافي نفسه مع الفنانة غادة الزغبي، تمّ التواصل مع الفنانين الثمانيّة لعرض أعمالهم، وبادر كلّ منهم لعرض عمل أو أكثر، وهكذا افتُتح أوّل معرض فنّي في "الجنينة"، وكان على مستوى من الاحتراف. تعبّر إحدى الفنانات المشاركات، عفة مسيلب، التي أقامت معرضها الفردي الثاني منذ فترة ليست ببعيدة، عن إيمانها بهذه الخطوة: "أؤمن بأنّ اللّوحة ليست محدودة في إطار الغاليري، فرحت بعرض أعمالي في مكان مفتوح، ليراها الجميع حتّى لو عن غير قصد، هذه لفتة تثبت بأنّ الفن متاح للجميع".

هذه المبادرة التي قد يعتبرها البعض بسيطة أو عاديّة، هي خير دليل على أنّه ما زال هناك فنانون في لبنان يسعون للوصول والتواصل مع  شرائح متعددة من المجتمع، من خلال الفن، وإنّ هذه الخطوات والمبادرات تساهم في ارتقاء الذائقة الفنّية والحسّ الجمالي في المجتمع.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها