كان عصام خدومًا، ودائماً ما كان يقاطع أحاديث أصدقائه التي تتعلق ببعض العراقيل، ليعرض المساعدة. كنت أرى مدى حب أصدقائي له، وأتناوش معه، في سبيل الممازحة، عن حب أصدقائي له أكثر من حبّهم لي.
شاب في السابعة والثلاثين من عمره، يحبّ عمله كثيراً، رسم أحلامه التي أراد أن يحققها، كيف لإسرائيل أن تقتله؟ صحافي يمارس عمله، لماذا تستهدفه إسرائيل؟
لم تكن صديقي يا عصام، لكن بعد مرور أسبوع على استشهادك(*)، أوّد أن أكتب لك، لعلّك تسمع.
يا من لست صديقي، الذنب والخجل يأكلانني، وكأنني أنا من تسببت بقتلك! شعور غريب، أحاول وصفه لكنني لا أنجح. أشعر بالخجل لأنني كنت أضحك قبل ساعة من خبر استشهادك، وأشعر بالذنب لأنني لم أصدّق الخبر على الفور. الذنب يأكلني لأنني مضطرة أن أكمل العيش بعدما قتلتك إسرائيل ظلماً وغدراً، وبعد امتناع وكالة "رويترز"، التي كنت تصوّر لحسابها، عن قول تلك الحقيقة، وليس باليد حيلة يا عصام.
رأيت الجميع يبكيك، من عرفك كثيراً، من عرفك قليلاً، ومن لم يعرفك أبداً. فتعلمت من ذلك البكاء الكثير، تعلمت أن أعامل من حولي وكأنّهم قد يموتون غداً، ثمّ تمنيّت أن أحمل في قلبي كلّ السلام الذي كان يطغى على إبتسامة وجهك، حتّى لا يتذكّرني البشر سوى بالخير بعد موتي، تماماً كما يتذكرونك.
كنت قد قطعتُ عهداً على نفسي، ألا أنشر من كتاباتي إلّا تلك التي تتناول مواضيع فنيّة، لكنني يا عصام لا أرى سوى وجهك المبتسم في كلّ لوحة أنظر إليها. أصبحت كلّ الأغاني تغنّيك، وكلّ الصور ترثيك. اليوم، لم يعد للفن قيمة إن لم يتحدث عنك ولم يخبر حقيقة من قتلك. اليوم أقطع عهداً جديداً على نفسي، بأن أكتبك كلّ يوم، وأن أشارك معرفتي القليلة بك، مع من لم يعرفوك. سأتذكّر وأذكّر بأنّ جيش الإحتلال الإسرائيلي قد قتلك غدراً وظلماً وعدواناً، وما من شيء قد يحصل، يستطيع أن يريح الألم الذي سكن النفوس، ويطفئ الغضب الذي سنحمله في قلوبنا إلى الأبد.
التقيتك صدفة قبل أسبوع من استشهادك، ما زلت أتذكّر نكتتك الأخيرة لي، فأضحك والدموع تغمر عينيّ. فلترقد بسلام يا عصام، ولنذكر نحن اسمك ما دمنا أحياء.
____________
(*) في ذكرى أسبوع على استشهاده، ينظم أصدقاء وزملاء عصام عبد الله، لقاء استذكار وتحية ووقفة بالشموع والصور، في "صالون بيروت"-الحمرا، اليوم الجمعة 20 تشرين الثاني الجاري، الساعة السادسة مساء، وهو التوقيت الذي استشهد فيه بقصف إسرائيلي على جنوب لبنان يوم الجمعة الماضي.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها