الأربعاء 2023/06/14

آخر تحديث: 11:56 (بيروت)

عريّ مُقلِق.. ضبط استحمام النساء اليهوديات والمسيحيات والمسلمات

الأربعاء 2023/06/14
عريّ مُقلِق.. ضبط استحمام النساء اليهوديات والمسيحيات والمسلمات
جان جيروم
increase حجم الخط decrease
بتسليطها الضوء على الحمام والعريّ، ومن خلال دراسة أرشيف المحكمة الشرعية في حلب القرن الثامن عشر، تُبرز المؤلفة إليز سمرجيان، أستاذة تاريخ الشرق الأوسط في Whitman College، المُخجِل والمُضمر في تواريخنا المحلية واليومية، وقد يتبدى أحيانًا، في ثنايا هذه الدراسة، أننا إزاء عوالم ألف ليلة وليلة، بغرائبيتها وسورياليتها، وهي تتحفنا بوصف تفصيلي شيق وتحليل مُتبصر للسياقات الاجتماعية والسياسية والفقهية والتاريخية وللتفاعلات الانسانية المُثقلة، وتُجادل بوطأة التاريخ والنص والغيب والرقيب والهوامات الجنسية على الأجساد حتى في أدق خصوصياتها. 
نُشر المقال في International Journal of Middle Eastern Studies وحصل على جائزة أفضل مقال لجمعية الدراسات السورية العام 2014. 
بعد القسم الأول من المقال والثاني.. هنا الثالث.

استهدف عديد من القوانين الإمبراطورية العثمانية (kanunname)، التي تعود إلى القرن السادس عشر، الاختلاط العام من خلال منع الرجال والنساء من التجمع بالقرب من الحمامات ومصادر المياه العامة. وتكشف سجلات المحكمة أن الرجال كانوا، وبالرغم من الحظر الوارد في القانون الإمبراطوري العثماني، يتسكعون أحيانًا في الحمامات وحولها أو يختلسون النظر من أسطح المنازل من أجل إلقاء نظرة على النساء أثناء مغامراتهن للاستحمام. كما اقتحموا، في مناسبات أخرى، الحمّامات وانخرطوا في أشكال مختلفة من المضايقات بل واعتدوا على المستحمات، ما عزز ارتباط الحمّامات بالخطر.

تسمي مادلين زلفي هذه "المساحات الدنيوية" - مثل المقهى والحانة والحمام - "مواقع ملتهبة"، حيث تفاعل السكان المتنوعون بطرق أثارت شكوك السلطات. ومع أن الصفوة من المسلمين اعتبروا غير المسلمين في الحمامات مرفوضين بشكل عام، لم يُعثر على أي دليل على أن السلطات العثمانية منعت أهل الذمة من دخول الحمامات، فبعد كل شيء، يمكن لمثل هذا الحظر أن يعرض الصحة العامة للخطر. ومع ذلك، كان وجود مجموعات تابعة، وتحديدًا النساء وغير المسلمين، في الحمامات مصدر قلق في كل من الخطابين الإمبراطوري والمحلي لأن كلاهما شكل خطراً. وتبدى الحل العثماني لهذه المشكلة الأخلاقية على أفضل وجه في لوائح السوق للعام 1640 (narh defteri) التي نظمت الاتصال بين المستحمين المسلمين وغير المسلمين. فبدلاً من تحديد أوقات استحمام منفصلة، طُبقت لوائح الملابس التي نصت على الفصل الجسدي أثناء الاستحمام الحميم للمسلمين وغير المسلمين. ودعت القوانين المستحمين المسيحيين واليهود إلى ارتداء علامات مميزة على ملابسهم، وتضمنت تعليمات خاصة للنساء اللائي طُلب إليهن استخدام أحواض منفصلة، مُحددة وفقًا للدين، أثناء الاغتسال.

وهكذا كان على أصحاب الحمامات تقديم أحواض غسيل ومناشف وشفرات منفصلة للذميين والمسلمين. بالإضافة إلى ذلك شُجّع المستحمين على استخدام مناطق الاستحمام الخاصة (الخلوة) التي عادة ما تكون مدمجة في السمات المعمارية للحمام، ربما في زوايا غرفة ساخنة كبيرة، لاستيعاب المستحمين أثناء غسل المناطق الحميمة من أجسادهم. وقد وُصفت طقوس الاستحمام العامة، تلك التي انخرط فيها كل من الرجال والنساء في سلسلة من عمليات تقشير الجلد وإزالة الشعر في الحمامات العامة منتهكين الأحكام القضائية التي تطالب ببقاء تلك الأجزاء من الجسم مغطاة حتى أثناء الاستحمام، من قبل الكتّاب المعاصرين. كما تشير إحالة المستحمين إلى استخدام حوض معين qurna (طشت أو جرن)، وهو غالبًا ما يكون حوض رخامي ثابت تحت صنبور، إلى أن ايديولوجيا النقاء والطهرانية كانت مضمرة في تلك الأوامر.



وفي العام 1762، ثبتت نقابة أصحاب الحمامات اتفاقية لفرض اللوائح الإنفاقية التنازلية التي تستهدف الرجال، التي نصت على التزام الحمامات:
بتوفير منشفة "فوطة" ذات علامات تُوصف لاحقَا، ويخصص لكل مسلم "فوطتان" إحداهما تُسمى  az¯ar "إزار" وتُستخدم حول خصره، وعلى جانبه شريط أحمر "كنار" بعرض إصبعين، بينما ينبغي أن تكون "الفوطة" الأخرى من قماش أبيض وعارية من العلامات. وبمقتضى ذلك، من حق كل مسلم أن يدخل أي حمام دونما اعتبار لفقره أو ثروته، في حين ينبغي على الرجال المسيحيين واليهود أن يلبسوا أولًا منشفة "فوطة" سوداء تُعرف باسم mi_zar "مئزر" خالية من أي علامات مميزة، وبعد مغادرة الغرفة الساخنة يُعطى لكل مسيحي ويهودي اثنان من هذه المناشف ذات الأشرطة السوداء على جانبها لتمييزهم "عن غيرهم". 

في حين سعت هذه المبادئ التوجيهية لتقليل التمييز بين الأغنياء من الرجال المسلمين والفقراء منهم، حددت النقابة، بالاشتراك مع المحكمة، الممارسات الإنفاقية التي من شأنها أن تميز المسلمين عن أهل الذمة. وتستحضر اتفاقية القرن الثامن عشر هذه الضوابط الإسلامية السابقة الموجودة في أطروحة أبو يوسف الحنفية التأسيسية في القرن الثامن حول الضرائب "الخراج"، والتي أوعزت للمستحمين الذكور "بارتداء قلائد من الخيوط الحمراء أو السوداء أو إظهار رموزهم الدينية، مثل الصلبان في حالة المسيحيين". وفي حين تعترف معظم الدراسات بأن قوانين الإنفاق نادرًا ما أُنفذت تاريخيًا، إلا أن إنفاذها، كان يمكن أن يؤدي إلى معاقبة كل من صاحب الحمام والمستحم في حال عدم الامتثال.



يمكن أن تتضمن قوانين الإنفاق المُطبقة داخل الحمامات أكثر من مجرد تمييز المناشف والرموز. ففي القدس العثمانية في القرن السادس عشر والقاهرة القرن الثامن عشر، أُمر الرجال غير المسلمين بارتداء أجراس حول أعناقهم أثناء دخولهم الحمامات لتنبيه المستحمين المسلمين لتغطية أجزائهم العارية. وعندما صدرت مثل هذه الأوامر في القاهرة، كان أصحاب الحمامات يخشون أن يخسروا أعمالهم نتيجة لذلك، وقاموا برشوة أغا الإنكشارية، مُصدر المرسوم، بهدية مالية سخية، فألغى الأمر بعد فترة وجيزة. وصدر أمر مماثل في حلب عام 1795. وخلافًا للأوامر السابقة، فقد تطلب الأمر من الرجال غير المسلمين أن يرتدوا أجراسًا على نعال الحمام (القبقاب) أثناء الاستحمام وأن يستخدموا مناشف حمام محددة مصبوغة باللون الأسود على الجانبين لتمييز الرجال المسيحيين واليهود عن الرجال المسلمين. ورغم اختلاف جوانب معينة من القوانين وفقًا للسياق الزمني والجغرافي، إلا أن ثمة اتساق عام في الشرط القانوني القاضي بأن يميز الرجال غير المسلمين أنفسهم أثناء ارتياد الحمامات العامة. إلا أن المعايير الخاصة بالنساء كانت، رغم ذلك، أكثر قسوة بكثير.

ضبط استحمام النساء
في حلب القرن الثامن عشر، وبدلاً من إخضاعهن لأنظمة الملابس والمناشف، نُظمّت النساء غير المسلمات جسديًا وفصلن عن النساء المسلمات من خلال جداول الاستحمام. ففي الجدول الزمني الأول للحمامات، المسجل في عام 1726، خُصصت معظم أيام الاستحمام للأقليات الدينية في الأجزاء من المدينة حيث يشكلون أغلبية، إلا أن الأحكام اللاحقة منحت النساء المسلمات تدريجيًا مزيدًا من الوقت في الحمامات الواقعة في الأحياء التي يغلب عليها الطابع الذمي. وبالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما منعت المحكمة النساء المسيحيات واليهوديات من الاستحمام معًا، أو منحتهن الحد الأدنى من التداخل. فيما خُصصت جميع الأيام المتبقية للنساء المسلمات، وبالتالي فُرض تفوق النساء المسلمات في التسلسل الهرمي الاجتماعي العثماني على النساء الذميات، اللائي كن متفوقات على العبيد فقط. 

كما لوحظ سجلان إضافيان يفصلان أوقات الاستحمام بين النساء المسيحيات واليهوديات بترتيب متتالٍ في سجل المحكمة في 26 و 27 مارس 1752، وكلاهما كان يمثل اتفاقًا مع أعيان الطائفتين المسيحية واليهودية. كان السجل بين ممثلي المجتمع المسيحي ونقابة أصحاب الحمامات، ووفقًا للسجل تحدث ممثل واحد (وكيل) في المحكمة عن كل من الطوائف المسيحية المعترف بها رسميًا (الروم الأرثوذكس والأرمن الأرثوذكس والآشوريون الأرثوذكس والمسيحيون الموارنة). واتفق هؤلاء الممثلين المسيحيين وكبير ممثلي نقابة أصحاب الحمامات في حلب "شيخ الكار"، الحاج أحمد بن الحاج محمد، على تحديد أيام استحمام للنساء المسيحيات في حمامات مختارة. وبعد يوم واحد من إثبات جدول حمامات النساء المسيحيات، أُدخل تضمين أكثر اختصارًا يفرض وجود حمامات محددة بالإضافة إلى أوقات استحمام مخصصة للمرأة اليهودية في سجل المحكمة. إذ اتفق يوسف بن ناتان Yusuf walad Natan  ممثل الجالية اليهودية في حلب، مع الحاج أحمد على استحمام النساء وفقًا لجدول محدد. 
يشير تحليل هذين الجدولين إلى بعض التداخل بين النساء المسيحيات واليهوديات في حمامين، وسُمح للمجموعتين بالاستحمام في حمام التل الواقع في حي بحسيتا اليهودي، وإن كان ذلك في أيام استحمام منفصلة. كما سُمح باستحمام النساء اليهوديات والمسيحيات أيام السبت في حمام البكاش، ما يشير إلى سياسة فصل أقل صرامة. ومُنحت النساء اليهوديات يومًا واحدًا فقط في الأسبوع لزيارة حمام التل على الرغم من موقعه داخل الحي اليهودي، في حين مُنحت النساء المسيحيات اللائي يعشن في الأحياء المجاورة يومين للاستحمام. يمثل هذا خروجًا عن الجدول الزمني السابق لعام 1726 الذي سمح لمجموعة واحدة فقط من أهل الذمة بالاستحمام في أي حمام معين في اليوم المحدد، بينما كانت أيام الاستحمام الأربعة المتبقية في حمام التل مخصصة للنساء المسلمات. 

يُظهر الفحص الدقيق لجداول الحمامات محاولة لتنظيم القرب المادي للنساء المسلمات وغير المسلمات، لا سيما في الحمامات الواقعة داخل المناطق المكتظة بالسكان المسيحيين واليهود. وتوضح الجداول أن حمامات النساء المسيحيات كانت موجودة في الحي المسيحي بالقرب من باب النصر، شمال وسط حلب، بينما يقع حمام التل في حي بحسيتا اليهودي بالقرب من مدخل الحي. وعملت الجداول الزمنية أيضًا على تنظيم أيام الاستحمام. إذ لم يوفر أمر صادر عام  1794 أوقاتًا للنساء المسيحيات للاستحمام يومي الجمعة والأحد في الحمامات المختارة. ومُنحت النساء اليهوديات فرصة ضئيلة أو معدومة للاستحمام في أيام السبت. ويبدو أن هذه الجداول تفترض أن النساء المسيحيات واليهوديات لا يرغبن في الاستحمام يوم السبت لأن ذلك سيتعارض مع الأنشطة الدينية، وفي المقابل، تفترض الجداول أن المرأة المسلمة ستستحم في أيامها الدينية. 

من الصعب تقدير كم كانت هذه الجداول مُقيدة بالنسبة للمقيمات، لأن القائمة التي اتفق عليها القائمون على الحمامات لم تكن عبارة عن قائمة كاملة لحمامات حلب التسعة والأربعين (اثنان وثلاثون منها تقع داخل أسوار المدينة). إذ تنطبق الجداول فقط على عشرة إلى ستة عشر حمامًا، يقع معظمها بالقرب من باب النصر، وبالتالي تلك التي كان من المرجح أن يستخدمها اليهود والمسيحيون. وبحلول أواخر القرن، حدت السياسات بشكل كبير من خيارات الاستحمام للنساء غير المسلمات في أحيائهن، وذلك لتقليل وجود النساء الذميات النجسات وجعل المساحات أكثر ملاءمة لاستخدام النساء المسلمات.

وفي العام 1726، أعطيت النساء اليهوديات خمسة أيام في الأسبوع للاستحمام في حمام التل. بينما خُصص يوم واحد فقط للاستحمام في جدول العام 1752. وفي العام 1794، عادت المحكمة إلى تخصيص أكبر، إذ منحت النساء اليهوديات أربعة أيام للاستحمام، بيد أنها، وبعد عام، خفضت هذا التخصيص إلى ثلاثة أيام في الأسبوع. وبالمثل، يُظهر فحص جدول حمام بهرام باشا أن المحكمة حدت تدريجيًا من وصول النساء المسيحيات إلى هذا الحمام، وهو مبنى عام شيده العثمانيون في عام 1583 لخدمة المجتمع المسيحي على وجه التحديد. وفي عام 1726، أمر القاضي بستة أيام استحمام للنساء المسيحيات في بهرام باشا. وقُلصت إلى يومين في الأسبوع بحلول عام 1752. وبحلول نهاية القرن، أعادت المحكمة العمل بيوم واحد للاستحمام ، ما وفر ثلاثة أيام في الأسبوع للنساء المسيحيات في آخر جدولي استحمام في ذاك القرن. كان حمام الحي هذا في حارة بقيت مسيحية بحدود 93 بالمائة حتى القرن العشرين.

ربما كان لتقييد الوصول إلى الحمامات العامة تأثير أكبر على النساء اليهوديات. فاليهودية، مثل الإسلام، ألقت بعبء الطهارة على النساء أكثر من الرجال. ووجدت الدراسات أن النساء اليهوديات خالفن القواعد في الممارسة بسبب الصعوبة التي واجهنها عند محاولتهن الوفاء بمتطلبات النقاء، لذلك، قد لا يكون من غير المعتاد أن تستحم النساء اليهوديات مع نظيراتهن المسيحيات والمسلمات أو استخدام الحمامات العامة بما يتعارض مع الشريعة الحاخامية. فقد استوعبت الحمامات مثل حمام الخراب (حمام اليهود) في دمشق النساء اليهوديات من خلال توفير حوض "ميكفاه" من أجل التطهير الطقسي المطلوب. ويجدر النظر في كيف أن تقييد الوصول إلى الاستحمام - وهو مطلب طقسي قبل ممارسة الجنس وبعد الحيض في الشريعة الإسلامية - كان أكثر إزعاجًا لليهوديات منه للنساء المسيحيات في حلب في القرن الثامن عشر. 


واستمرت القيود الصارمة ضد الاستحمام المختلِط الطوائف في السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر. وظهرت اتفاقيات مطولة في العامين 1794 و1795. كما وضع القاضي لائحة بأوقات الاستحمام للنساء وفقًا لطوائفهن الدينية.

تبرير اللائحة 
يمكن فهم التحولات المحيرة في عدد الأيام المخصصة لكل طائفة من جدول استحمام إلى آخر بطريقتين. فأولاً، ترتبط أشد القيود التي صدرت عام 1752 بتغير المواقف الإمبراطورية تجاه غير المسلمين، حيث سعت الإمبراطورية إلى تقييد سلوك وزي غير المسلمين في فترة شهدت ما أشارت إليه مادلين زلفي باسم "حروب الملابس". وبهذا المعنى، توفر جداول الحمامات مرآة إقليمية للسياسات الموجهة إلى أهل الذمة من العاصمة الإمبراطورية. وثانيًا، قد يكون للتحولات في أوقات الاستحمام المخصصة للنساء غير المسلمات وبمرور الوقت علاقة بالتكوين الديموغرافي المتغير في حلب. 

ولطالما كان تنظيم الطوائف الدينية كمجتمعات معترف بها مبدأ من مبادئ الحكم العثماني. وفي حين أن كلاً من القانون الإسلامي والعثماني جمع عمومًا غير المسلمين معًا بصفتهم "الآخر الجنسي"- الذميين أو أسوأ من ذلك، الكفار- قامت الإدارة القانونية والاجتماعية العثمانية، فضلًا عن نظام الضرائب في الدولة، بتصنيف هذه المجتمعات على أسس دينية معترف بها. وتم الاتفاق على الوثائق التي تسجل أوقات الاستحمام للنساء المسيحيات واليهوديات في عام 1752 من قبل نفس الممثلين المسيحيين واليهود الذين كُلفوا بتحصيل الضرائب. وتشير هذه الخصوصية في فصل المسيحي عن اليهودي إلى أن الوثائق تعكس وجهة نظر عثمانية معينة للتسلسل الهرمي الاجتماعي في القرن الثامن عشر، والذي لم يكن مخطّط تصنيفه إلا جنسيًا. وإجمالًا تؤكد الجداول المسجلة في المحكمة على التفوق الموقعي للمرأة المسلمة حتى في الأحياء التي تشكل فيها أقلية. وقد حدث هذا في وقت كانت فيه المدينة تخضع لنزوع نحو "بلورة طائفية"، حيث أصبح الطابع الديني للأحياء أكثر وضوحًا بشكل تدريجي. وأدى التقاء العديد من التيارات الأيديولوجية - تقليدية قاضي شاه، وترسيخ نظام الملل العثماني، والتحديث - إلى تعزيز الانقسامات الطائفية في الوقت الذي وُضعت فيه جداول الاستحمام هذه. في ضوء ذلك، تشير الجداول الزمنية إلى طريقة جديدة في التفكير، وهي شكل أكثر بطشًا من الضبط لم يكن موجودًا في السجلات السابقة، حيث ظهرت أشكال تنظيم إمبراطورية ومحلية جديدة داخل الأحياء الحضرية في حلب. وعلاوة على ذلك، تشير السجلات إلى زيادة توحيد المعايير التي حاولت ضبط عادات الاستحمام لدى النساء، إذ مُنعت النساء اليهوديات والمسيحيات من الاستحمام في أيام السبت الخاصة بهن، بينما سُمح للمرأة المسلمة بالاستحمام يوم الجمعة، مع افتراض ضمني أنها لن تذهب إلى المسجد. كما تحدد الجداول، بدورها، فئات النساء اليهوديات والمسيحيات والمسلمات من خلال تقسيم الزمان والمكان داخل حمامات حلب. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها