الإثنين 2023/03/13

آخر تحديث: 13:35 (بيروت)

إصرار عبد الوهاب على تغيير تاريخ ميلاده...خوفاً من الحسد؟!

الإثنين 2023/03/13
increase حجم الخط decrease
دأب الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب على الاحتفال بعيد ميلاده في الثالث عشر من آذار/ مارس باعتباره من مواليد ذلك اليوم في العام 1910، وكان دائماً يلح سنة بعد أخرى على تأكيد تلك المعلومة، ويدفع أجهزة الدولة المصرية إلى الاحتفال بتلك الذكرى...

وقد حضرتُ في العام 1989، قبل عامين من رحيله، احتفالاً ضخماً في هذه المناسبة أقامته الإذاعة المصرية في مسرح الجمهورية في وسط القاهرة، حضره عبد الوهاب وعزفت فرقة موسيقى الإذاعة بقيادة أحمد فؤاد حسن مجموعة من أشهر مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية. بل أن الدولة المصرية في شخص رئيس جمهوريتها المؤقت آنذاك، المستشار عدلي منصور، اختارت هذا اليوم من العام 2014 عيداً للفن وأقامت في مسرح دار الأوبرا احتفالاً مهيباً كرمت فيه العديد من رموز الفن المصري، وهو اليوم ذاته الذي اختارته المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة "يونيسكو" للاحتفال بمئوية عبد الوهاب في العام 2001 لكن على اعتبار أنه من مواليد العام 1901 وليس 1910 كما دأب الموسيقار الراحل على الترداد.

أستطيع القول إن تاريخ ميلاد الموسيقار عبد الوهاب هو الأكثر التباساً وحيرة من بين تواريخ ميلاد المشاهير، والسبب في ذلك هو عبد الوهاب نفسه الذي تعمّد تمييع هذه المعلومة. ونحن هنا أمام إشكاليتين، أولاهما تتعلق بسنة الميلاد، والأخرى تخص اليوم والشهر، فعبد الوهاب كان يصرّ على أنه مولود في العام 1910 مختصراً من عمره تسع سنوات على الأقل لأسباب يمكن تفهمها على خلفية تمسك النجوم بتلابيب مرحلة الشباب فضلاً عن إيمان عبد الوهاب بالحسد، فكان من منطلق الخوف على حياته يُنقص من عمره هذه السنوات التسع أو العشر، غير أن وقائع عديدة في حياة الموسيقار الراحل تكذب ما ذهب إليه. فواقعة قيام أمير الشعراء أحمد شوقي بالطلب من حكمدار العاصمة إنزال الطفل محمد البغدادي (محمد عبد الوهاب لاحقاً) من على المسرح أثناء عمله مع فرقة عبد الرحمن رشدي المسرحية بحجة أنه لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، كانت في حدود العام 1913 قبل نفي أمير الشعراء إلى برشلونة في أسبانيا في العام التالي مباشرة، وهذا معناه أن عبد الوهاب من مواليد 1901.

ثم ها هي الممثلة إستر شطاح، تتذكّر في أحد حواراتها لمجلة الاستوديو العام 1949 أنها تعرفت في العام 1917 على صبي عمره ست عشرة عاماً كان يخرج ليغني بين فصول الروايات بعد المطربة المعروفة فاطمة قدري اسمه محمد البغدادي، ولم يكن هذا الصبي سوى الفنان محمد عبد الوهاب الذي كثيراً ما طلب منها التدخل لدى صاحب الفرقة كي يظهر قبل فاطمة قدري، الأمر الذي كان يُقابل بالرفض من جانب صاحب الفرقة في كل مرة كانت تتدخل فيها شطاح لصالح المطرب الصبي. وهذه الواقعة العابرة تؤكد أن عبد الوهاب مولود بالفعل العام 1901، إن لم يكن قبله، فإذا ما أضفنا إلى ذلك كله أنّ عبد الوهاب لحق الموسيقار سيد درويش المتوفي العام 1923، وتتلمذ على يديه في سنواته الأخيرة، وأنه أكمل تلحين اوبريت "كليوباترا ومارك أنطونيو" لفرقة منيرة المهدية بعد رحيل سيد درويش الذي كان قد انتهى فقط من وضع ألحان الفصل الآول وجانب من الفصل الثاني، تأكدت لنا استحالة أن يكون مولده في العام 1910، وإلا كيف تمنح سلطانة الطرب ثقتها لطفل في الثالثة عشرة كي يكمل ما بدأه عملاق في قامة سيد درويش؟


أما عن اليوم والشهر فهذا هو الأغرب، إذ تحت يدي الآن وثيقتان رسميتان تشيران إلى أن عبد الوهاب، من مواليد الرابع من أيلول/سبتمبر وليس الثالث عشر من آذار/مارس، رغم تشديده على التاريخ الثاني. الوثيقة الأولى موجودة في متحف مقتنيات الموسيقار الراحل في معهد الموسيقى العربية في وسط القاهرة، وهي بطاقة تحقيق الهوية التي تقول إنه مواليد أيلول، ويُلاحظ أنها تؤكد على أنه مواليد 1910، وأنه مقيم في شارع الفردوس بالزمالك. والوثيقة الأخرى خرجت من من أوراق عبد الوهاب الخاصة في مكتبه بشركة "صوت الفن" التى كان شريكاً فيها مع عبد الحليم حافظ وآخرين، وهي عبارة عن توكيل عام رسمى من جانب الموسيقار الراحل، للمحامي لبيب معوض، كى يتولى كافة القضايا التي يكون عبد الوهاب أو شركته طرفاً فيها، وتتضمن وثيقة التوكيل البيانات ذاتها الواردة في بطاقة تحقيق الهوية، وهو أمر بديهي بطبيعة الحال، ويشير في الوقت ذاته إلى صحة البطاقة وعدم إمكانية الطعن فيها بالتزوير، وإلا لما اعتمدها موظف الشهر العقارى التابع لوزارة العدل المصرية في تسجيل بيانات وثيقة التوكيل.

لكن اللافت للانتباه أن بطاقة الهوية، ومن ثم وثيقة التوكيل العام، تشيران إلى أنه مقيم في 1 شارع الفردوس بالزمالك، وهو بالتأكيد ليس محل الإقامة الأول لعبد الوهاب حين أصدر بطاقته الشخصية للمرة الأولى، ما يفتح الباب أمام احتمال تغيير بيانات عبد الوهاب عند تجديد البطاقة بحسب قانون الأحوال المدنية المعمول به في مصر.

المدهش أنني حينما سألت السيد عمر خليل، حفيد عبد الوهاب، عن التاريخ المتعارف عليه لعيد ميلاد جده لدى العائلة، أجابني إجابة قاطعة بأنه الثالث عشر من آذار/مارس، مضيفاً أن سنة الميلاد هي 1901 بحسب تأكيد اليونيسكو.. وحينما تأملت لماذا اختار عبد الوهاب بالتحديد الثالث عشر من آذار تاريخاً لميلاده خلافاً للأوراق الرسمية لم أجد سوى إجابة واحدة تتوافق مع إيمانه المطلق بالحسد، فالثالث عشر من مارس هو اليوم الذي يتشاءم منه الإنكليز وكثير من شعوب العالم، ويبدو أنه اختاره لنفسه اعتقاداً منه أنه بذلك يكسر الحسد ويذهبه بعيداً منه، بحسب قناعات كثير من المصريين..

على أية حال، فقد عاش عبد الوهاب بالفعل أكثر من تسعين عاماً، وهو في كامل الصحة الجسدية والذهنية، حتى رحيله في الرابع من أيار/مايو 1991.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها