الأربعاء 2023/12/13

آخر تحديث: 11:36 (بيروت)

ديجانتير حسين حسين

الأربعاء 2023/12/13
ديجانتير حسين حسين
مرآة صغيرة داخل "زر الديجانتير"، فالناس لو تحرّكوا لأحدثوا تغييرًا.. "وإجت الكهربا"!
increase حجم الخط decrease
تعكس لوحات الصديق حسين حسين لدى غاليري L’Atelier (المحترف) في بيروت- الجميزة، فوضى الواقع اللبناني، المحاط بالأسلاك الكهربائية المُتشابكة والأزرار والقواطع المُتفلّتة بلا حماية أو صيانة، لدرجة أنها تُشعر المشاهد بالأذيّة لحظة الوقوف أمامها. وقد تمّ إدخال التكنولوجيا في اللوحة بطريقة غير مألوفة فنّيًّا (فقلّما تشاهد عند فنّان هذا الassemblage أو استخدام مواد مختلفة لإخراج عمل فنّي) حيث أن اللوحة موصولة إلى شاشة فيديو صغيرة داخل اللوحة تعرض مشاهد لأزمات مرّت بلبنان كالإزدحام عند محطّات الوقود والأفران، ولاحقًا.. الصرّافين! أمّا الرسالة الواضحة من اللوحة، فمن لطف الفنان أنه  أطلق عليها "لفت النظر" إلى الناس وحثّهم على قدرتهم للتغيير. أمّا أنا وبقسوة سميتها "الصدمة"، وقد تكون صدمة إيجابية لصعق الناس، فقد وضع حسين مرآة صغيرة داخل "زر الديجانتير" ليشير إلى قدرتهم، بأنّهم لو تحرّكوا لأحدثوا تغييرًا.. "وإجت الكهربا"!



 ويبرز في إحدى اللوحات، مشهد يعكس انتظارًا لنقطة الماء المحبوسة في مواسير المياه.     وقد أصبح وصولها إلى عطش المواطن عيدًا يُحتفى به. ليشعر المواطن بسعادة لا تُوصف حين يصل إلى حاجة من تلك الحاجات الأساسيّة. وتظهر قنينة الغاز في إحدى اللوحات المُسمّاة GAZ O2، فقدرة الحصول عليها تشبه الحصول على الأوكسيجين! ومن جهة أخرى، يتميّز الفنّ، بأسلوب أقرب إلى اللعب أو العبث ببعض الموادّ، وذلك لإيصال فكرة وانتقاد موضوع ما.

وقد شاهدت معرضًا لفنّانة في بيروت، تستخدم الأغراض التي رافقتنا خلال الحرب الأهليّة، فعرضت في ساحةٍ مجموعة من كراسي الحمّام، المكان الآمن الذي كنّا نلجأ له أيام الحرب الأهليّة. كأنّ الإنسان تحوّل إلى شيء. وتشييء الإنسان، عكسه حسين، بتحويله قارورة الغاز إلى لوحة، رسم ولوّن عليها، فتشاهد أشخاصًا يسيلون من أعلى القارورة إلى أسفلها، ولو لم يسيلوا، فهم عالقون بالشكل الأسطواني للقارورة، وبالتأكيد "عم بدوخوا"! كما يمكن تفسير المربعات المرسومة، كأنها أزرار لآلة أسطوانيّة تُرسل الإنسان إلى الفضاء الخارجي في أعلى الأسطوانة. والتشبيه واضح بين داخل القارورة وخارجها، فالإنسان المرسوم على القارورة، ينتشر كمادة الغاز في داخل القارورة، فلا يمكن بحسب قانون الفيزياء أن تُمسك المادّة الغازيّة، وكذلك المواطن اللبناني الذي لا يُمسك، ولا يُوصف ولا يُقهر! 

فمن الناحية الفنّية، يمكن القول إنّ حسين ابتكر أسلوباً مختلفاً، عالج المواضيع باستخدام التقنية المختلفة، وبشكل صادم. وأي لوحة من لوحات حسين توازي قراءة كتاب، فما ذكرته في قراءتي لأي عمل فنّي، ليس إلاّ جزءًا قليلاً لا يفي حقّ اللوحة، لما تحمله من معانٍ ومقاصد. وللوحته جوانب عديدة: تاريخيّة/ دينية/ إجتماعيّة/ فلسفيّة/أدبيّة. وبشكل أساسي، لوحة حسين، طرح نقدي للمشروع السياسي الذي طال مكوثه على رؤوس اللبنانيين، وللأسف أصبحت غالبيّة الناس ترى هذا المكوث اعتياديًّا، بل أصبحوا يسعون لبقاءه.. بالدمّ والروح. إنّ الرذيلة المُسمّاة "كومفورت زون"، هي شغف اللبناني برضوخه قابعًا دونما رفع صوت التغيير والمعارضة. وقد ساعدت أيديولوجيّات (الدين/السياسة) بتوسيع رقعة "المساحة المريحة" ليعتقد اللبناني أنّه بألف خير.

رسم حسين حسين في كلّ لوحة مساحة مريحة أو محمية جديدة، من المفترض أن يطأها أي لبناني لا يخشى التغيير، فالتغيير هو الوحيد الذي باستطاعته قتل العادة، العادة التي تُشعر الإنسان بأن اللاطبيعي هو جدًّا طبيعي، بل اعتيادي.

لم يخضع حسين حسين للهويّة الجماعية التائهة في دوائر الأزمات المتعاقبة، فالفنّ الحقيقي ليس بئرًا يُصاب بالجنون من يشرب منه. بل الفنّ هو النهر الذي يتدفّق من أعالي الجبال ليروي أرضنا وحياتنا وثقافتنا. وباستخدامه عناصر بسيطة وقريبة من حياتنا اليوميّة، تذكّرني أعمال حسين بقول جان كوكتو: ليس الفن طريقة معقّدة لإيصال أفكار بسيطة، بل طريقة بسيطة لإيصال أفكار معقّدة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب