الأحد 2023/10/08

آخر تحديث: 14:42 (بيروت)

عن تكريم الشاعر الزجلي أسعد سعيد

الأحد 2023/10/08
عن تكريم الشاعر الزجلي أسعد سعيد
الشاعر أسعد سعيد
increase حجم الخط decrease
كم أقلقني إتخاذ القرار بكتابة مقالة عن الشاعر الزجلي المُثقّف أسعد سعيد (كما أحبّ أن أدعوه). فالإنزلاق بالحديث إلى المسار العاطفي أمرٌ يُقلقني، حيث قرّرت بلدية الصرفند تكريم الشاعر، ووضع نصب تذكاري له. 

والانزلاق العاطفي هنا في الحديث عن أسعد سعيد، يكمن في وجود رابط قرابة عائلية. وأنا أعتبر نفسي "عقلانيًا"، وللتأكيد على هذه العقلانية، وشمت على يدي: "اتبع عقلك".

وقبل البدء بالمقال، وببساطة، أثار فضولي، وحرّك مُخيّلتي، قراءة خبر جائزة نوبل: "مُنحت جائزة نوبل في الآداب لهذا العام  للكاتب النرويجي جون فوس (64 عاماً)، وهو أحد أبرز الكتّاب المسرحيين في بلاده، وقد كتب نحو 40 مسرحية، إضافة إلى الروايات والقصص القصيرة وكتب الأطفال والشعر والمقالات، وفقاً لأسوشيتد برس". وقد يكون الرأي الموضوعي حول منح الجائزة للكاتب النرويجي، هو أنّه يستحقّها من باب الثقة بوجود لجنة خبراء تتابع كل تفاصيل الثقافة والأداب والروايات.. ولها باعٌ طويل في التأنّي لإختيار من ينال الجائزة. ولست أُقارن بين عالمنا العربي (اللبناني/ الجنوبي/ الصرفندي) وعالم النرويج! 

 بالطبع إنّ قرار اللجنة لمنح جائزة نوبل، مرتبط بمدى تأثير النتاج الأدبي الذي أنجزه جون فوس على مجتمعه وبشكل إيحابي ومُلفت. ولكنّ مخيّلتي التي تعمل –بكثافة- تفكّر في موضوع التكريم! فالتكريم هو فعل يقوم به طرفٌ ما ليقدّر طرفًا آخر يراه مستحقًّا لهذا التكريم. والتكريم قد يكون رسميًّا أو غير رسمي. فالتكريم الرسمي يصدر من جهة عامّة (رسمية حكوميّة أو مؤسّساتية خاصّة)، وبالتالي الهدف في حالتي التكريم بعود بالنفع على تخليد ذكرى المُكرَّم لإنجازاته في المجال الذي يُبدع فيه.

وقد وُلد الشاعر أسعد سعيد في العام 1922، والمعلومة ليست من موسوعة "ويكيبيديا"، بل من العائلة فعمّي أسعد هو كبير العائلة، حيث أنجب جدّي "عبدو" خمسة أبناء أسعد، سعدى، يوسف، موسى ونجيب، وهم في ديار الحقّ، وآخرهم أبي الذي توفّي من سنة (13 -10-2022) وقد تجاوز التسعين من عمره. حيث كتبت رواية ستصدر في غضون أيّام ( بعنوان: أنت يوسفٌ يا أبي)، وقد تحدّثت عن شهامة الجدّ: "فهذه الشهامة، كانت السبب البطئ لموت جدّي. وتقول الرواية، أنّ جدّي "أبو أسعد" كان يسير في أسفل الوادي، وكان رجلٌ من قريتنا يسير بمحاذاته، ويرعى غنماته آمنًا. وإذ به يشاهد حجرًا كبير الحجم، يميل إلى صخرة صغيرة،  "تَتَدرْكَبْ" من أعلى الجبل، نزولاً، والإحتمال الأكيد، أن الارتطام بالقطيع حاصلٌ لا محالة، وقد يفقد الراعي بعضًا من "الغنمات". فاستنجد متوسّلاً، بالعمّ (جدّي أبو أسعد) وقال: "دخيلك يا أبو أسعد خلّصني من هالمصيبة، راحوا غنماتي يا مصيبتي السودة". فما كان من العم أبو أسعد إلاّ أن طَمْأَنَه، قائلاً: "ولا يهمك خيّي". ووقف فاتحًا ذراعيه، وبصلابةِ صدرِه وعضلاتِه، كشفَ إصرارًا على مساعدة الآخرين. استقبل الصخرة الصغيرة، وأوقفها عن الدحرجة، بعد أن اتّخذ موقعًا قبل قطيع الغنم لكي يحميهم وراعيَهم من الإصابة". بالإضافة إلى أنه كان "قوّالاً"( (ي زجّالاً) وشهامة "عبدو" أورثها لأبنائه إضافةً إلى موهبة الزجل، فقد كان يقول "ردّة" زجل لمن ينصحوه "بلا عالشغلة يا أبو أسعد: "مش رح بطّل هيدا الكار
ولو غزت راسي الشيبة
لحتى أسعد يكبَر
ويصير يسدّ الغيبة".

وبدأ الشاعر أسعد سعيد مسيرته الزجليّة في فلسطين، وقد عاش فيها فترة قبل النكبة 1948، وذلك لقرب قريتنا من فلسطين (الصرفند حنوب لبنان). ومنذ سنوات أرسل لي صديق فلسطيني، مقابلة أجراها معه، والمقابلة موثّقة من "مركز المعلومات العربي للفنون الشعبيّة" (الجنى) فلسطين.
       
(في مسرحية جسر القمر)
واشترك بعد عودته من فلسطين، بعد 1948 مع الرحابنة في مسرحية "جسر القمر" وقدم رقصة السيف والترس. فقد كان إضافةً لموهبته الزجلية موهوبًا في الدبكة ورقصة السيف والترس الفولكلوري. وقد ظهر في أحد أفلام الرحابنة يرقص وعلى رأسه الإبريق. ولا أعلم أسباب ودوافع فكرة التكريم للشاعر، وحجّة "مئويّته" أيضًا غير صحيحة، فالشاعر مواليد 1922، وبذلك تكون المئويّة في العام الماضي. ومشكلتي في موضوع التكريم أنّه ينضوي تحت إطار "البرستيج" اللبناني. هذا كي أُلطّف الشكوك حول المُتموّل المغترب اللبناني، الذي لا أعرف مصادر ثروته! لكنّي أؤمن بمقولة الإمام عليّ: "ما جُمع مالٌ إلاّ من شُحٍّ أو حرام"! عُذرًا، لا أقصد التجريح، وقد أكون مُخطِئًا. وبالعودة إلى الصرفند، فما مصلحة الجهة السياسيّة المسيطرة على القرية، وكان تصرّفها مسيئًا لعائلة ذات ميول يساريّة، لدرجة مارست العنف الذي كان سببًا في أبعاد أفراد العائلة عن القرية؟ ولو افترضت كما سبق بأنّ التكريم نوعٌ من التقدير، فهل هنا سيكون مُصطحبًا بالإعتذار؟ والاعتذار لا يأتي من تغيير أيديولوجيّات وسياسات إقليميّة! بل هو قِيمي مُتعلّق بمسار أخلاقي، يطبع سلوكيّات وتصرّفات المنتمين للحزب معيّن!   

أسعد سعيد، الذي عرفته فلسطين قبل لبنان، كان يحمل مبادئ إنسانيّة، وبالتأكيد لم يكن ليقبل من جهة سياسية، استغلّت رمزًا ومعلمًا دينيًّا، كان يؤسّس ويساهم ببناء وطن عابر للطوائف (قبل تغييبه) بمعيّة المطران غريغوار حدّاد، الذي ولوطنيّته أسمته الكنيسة بـ "المطران الأحمر"!  

لا أُفكّر بشكل مؤامراتي، ولكن أجزم أن الفساد حين يدخل إلى عقول فئة مُعيّنة، فينخر كلّ المجالات (السياسي/ الاجتماعي/ الديني..). أودّ أن أقول للمُكرّمِين: إن أسعد سعيد ليس مُجرّد شاعر موهوب، بل كان يُحمّل شعره فكرًا استمدّه من قراءاته، فقد كان يقضي حوالي الـ16 ساعة قراءة! وقد عبّر عن نفسه شعرًا:
"بالأمس كنت منام        يجفن القمر ساري
أشرب من الأوهام       واجترّ أفكاري
واليوم نومي راح          وصار الحلم يقظة
والفكر صار سلاح        مسكوب في لفظة
بالأمس كان اليأس         عن فكرتي مصدَّر
واليوم شعري بأس        وبأسي أمل أخضر
..
هدمت برج العاج      ونزلت للشارع
أصعد مع الأمواج      أتقدّم وصارع"


إن أصدق كلمة قِيلت في مهرجان التكريم كان كلمة فادي سعيد ابن الشاعر، وأذكر منها:
"بيّي ما ورّثنا رزق ومال
أسعد ترك أكثر، متل ما ولّى
بييّ عطانا اسم للأجيال
وباسبور اسمو عالدني كلّا".
وأودّ بالمناسبة أن ألفت إلى قصيد كتبها الشاعر، وغنّاها مارسيل خليفة وكانت ضمن مسرحية ليعقوب الشدراوي: "نزهة ريفيّة غير مرخّصة" وكلمات الأغنية تختصر مراحل تاريخ لبنان: ..من تركيّا لحكم فرنسا / لحكم الصيغة اللبنانية..

وعلى طريقة الحوار الشعري، أودّ ان أقول للشاعر ردًّا مأسويًا على قصيدته " قصّتنا نزهة ريفيّة"، والقصيدة تحكي عن حال هويّتنا التي وصلنا إليها للأسف:
"بطّل في نزهة ولا قصّة
صاير لبنان كتير جرصة
ما فبنا ناكل كدّوشة
الساعة عشرة وننزل فرصة
والزعما احتلّو هالقلعة
ما بتروي أطماعن بلعة
الوطن الخيمة بضوّ الشمعة
والراعي، سمّم هالشلعة
ربطوا الوطن بدول كبيرة
والزعما فرطوا هالسيرة
فرنسا زرعت هالمنهاج
وتركيّا اشتغلت دوبلاج
ضاعت منّا هالهويّة
وبدل ما نقول: يا خيّي
صرنا نحكي: مسيو وحاج"

واختم بالردّة التي وُضعت على النصب التذكاري وهي للشاعر أسعد سعيد:
انتبه يا بحر لمّا مرّ يمّك
أنا بالشعر يمّي قبال يمّك
وإن تحدّيتك وغنّيت ردّي
مش بالرمل باللولو بطمّك.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب