الأحد 2023/11/12

آخر تحديث: 06:42 (بيروت)

القول الفصل في صاحب أغنية "سنرجع يوما إلى حينا"

الأحد 2023/11/12
increase حجم الخط decrease
عاد الجدل حول المؤلف الحقيقي لقصيدة "سنرجع يوما إلى حينا"، التي تغنّت بها فيروز العام 1956، يرجح أحياناً أنها من نظم الشاعر الفلسطيني الراحل هارون هاشم رشيد، ويؤكد في أحايين أخرى أنها للأخوين رحباني دماً ولحماً، وربما مبعث تجدّد هذا الجدل استدعاء كل الأعمال التي تغنّت بفلسطين على خلفية الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الثاني/ أكتوبر الفائت، ومن بينها أغنية "سنرجع يوما إلى حينا"، فضلا عما أزكاه في الذاكرة إعادة اكتشاف أغنية كاد يطويها النسيان للموسيقار محمد فوزي قدمها في العام 1956 وتخصّ القضية الفلسطينية عنوانها "سترجع مرة أخرى" أو "أنشودة العودة" من تأليف هارون هاشم رشيد نفسه (راجع المدن السبت 2023/11/04)  


إعادة اكتشاف أغنية، وربما أثار هذا الجدل – أول ما بدأ – حينما أشار الكاتب والباحث فارس يواكيم في كتابه "حكايات الأغاني" الصادر العام 2013 عن دار رياض الريس إلى أنّ أغنية فيروز ليست من أشعار رشيد، وإنما هي من كلمات الأخوين رحباني وألحانهما، وأتبعه بحشد من الأدلة والبراهين، الباحث محمود الزيباوي في مقالة نشرها في "المدن" العام 2016، ثم وصل الخلاف ذروته مع رحيل هارون هاشم رشيد في السابع والعشرين من تموز/ يوليو 2020 ومقالات النعي التي نشرت في وداعه ورثائه.


(هارون هاشم رشيد)

الأمر الملفت في هذا السجال حول تلك الأغنية الفيروزية أنه كان في أغلبه بين مجموعة من الكتاب والباحثين اللبنانيين والفلسطينيين على الرغم من أنّ الأغنية سُجلت في القاهرة في تشرين الثاني/ نوفمبر 1956 مع مجموعة أغنيات أخرى بدعوة من الإذاعي المصري أحمد سعيد، مدير إذاعة "صوت العرب" في ذلك الوقت، وعلى هذا فربما يكون عند الإذاعة المصرية الخبر اليقين وينتهي الأمر.

تقول البيانات المذكورة على شريط تسجيل الأغنية وأيضاً في الدفاتر الورقية التي اطلعت عليها بنفسي وكذلك في السجل الالكتروني الخاص باستوديوهات الهواء أنّ أغنية "سنرجع يوما إلى حينا" غناء فيروز هي من تأليف وتلحين الأخوين رحباني، وعلى بعد أسطر من هذا البيان هناك سطر أخر سجلت عليه بيانات أغنية "مع الغرباء" تأليف هارون هاشم رشيد وألحان الأخوين رحباني وغناء فيروز وقد سجلتها في توقيت قريب من الأغنية الأخرى، لكن لم يتسن لي مطالعة شريط تسجيل أغنية "مع الغرباء" المدون عليه التاريخ الكامل لتسجيل القصيدة المأخوذة من الديوان الأول للشاعر الفلسطيني الصادر في القاهرة سنة 1954، وعلى هذا ووفق بيانات تسجيل الأغنية في مصر وقت تسجيلها حيث لا مجال للاجتهاد أو ضعف الذاكرة أو الافتئات فليست هناك أية صلة لهارون هاشم رشيد بأغنية "سنرجع يوماً إلى حينا". الأمر الملفت أنني ولمزيد من التدقيق لجأت إلى جمعية المؤلفين والملحنين في القاهرة ففوجئت بأن الأغنية غير مذكورة في سجلات الجمعية لا ورقياً ولا ألكترونياً، ولما طلبت من مسؤولها الرجوع إلى مقر الجمعية الرئيس في باريس (ساسيم) عاد وأكد لي أنه لا ذكر أيضا للأغنية فى سجلات الجمعية في العاصمة الفرنسية، وبرر ذلك بأنه ربما تكون قد دونت تحت اسم آخر في القاهرة وباريس، ولما سألته: إذن ما دام الأمر هكذا إلى من تعود حقوق الأداء العلني عن هذه الأغنية؟ بادرني بأن توزيع حقوق الأداء العلني لكل المؤلفين والملحنين يكون بشكل نسبي وليس عن كل أغنية بمفردها، ما يعني أن ورثة الأخوين رحباني يتحصلون على حقوق الأداء العلني بمبلغ قطعي عن مجمل إنتاجهما الغنائي، أما هارون هاشم رشيد فلا يكاد يذكر ما يتحصل عليه ورثته.


وسبق أن حضرت أمسية شعرية في معرض القاهرة الدولي للكتاب إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وكان ضيفها هارون هاشم رشيد، وقُدّم على أنه صاحب أغنية "سنرجع يوما إلى حينا" التي شدت بها فيروز، ولم يعلق الرجل بالنفي أو التأكيد، وهو موقف تكرر معه في كثير من المناسبات حتى حينما صدر في العام 2009 كتاب "الصوت والصدى" الذي ضم قصيدة "سنرجع يوما إلى حينا" منسوبة إليه على الرغم من أنه ليس جامع هذه القصائد بنفسه، وإنما هو جهد تكريمي من جانب الهيئة السورية العامة للكتاب.

وهناك تصريح منسوب إلى الشاعر اللبناني طلال حيدر، الذي كان قريبا من التجربة الرحبانية يقول بأن رشيد اختار الفكرة وكتب بداية القصيدة ثم أكملها الأخوان رحباني، وربما هذا يفسّر إحساس رشيد بأن له في القصيدة بعض الحقوق المعنوية على الأقل، ويفسر كذلك لماذا أحجم الرحابنة عن التعليق على هذه القضية الجدلية، وفي تصوري أنّ هم الرجوع إلى فلسطين الذي سيطر على كل التجربة الشعرية لهارون رشيد (شاعر العودة) هو الذي ألقى بظله على بداية أغنية فيروز، فيما المتأمل لبقية كلمات الأغنية يدرك أنها لا تنتمي لا إلى المعجم اللغوي الخاص به ولا إلى ذائقته الشعرية، فلا أظنّ أن رشيد المعروف بحدة مفرداته ومباشرة صوره البيانية يقول:
سنرجعُ خَبَّرني العندليب غَداةَ الْتَقينا على مُنحنى
بأنّ البلابلَ لَمّا تَزَلْ هناك تعيش بأشعارنا
ومازال بين تلالِ الحنينْ وناسِ الحنينْ مكانٌ لَنا
فَيَا قلبُ كَم شَرَّدتنا الرياحْ تعالَ سنرجِعُ هَيّا بِنا

 وهي المفردات والصور ذاتها التي تكررت بعد ذلك في كثير من أشعار الأخوين رحباني.



أما مبعث هذا الجدل كله حول القصيدة المغناة، فإنه يعود –في اعتقادي - إلى جانب صمت أطرافه أو تراخيهم فى التعقيب عليه، يعود إلى التعاطي الفلسطيني نفسه مع القصيدة أو تلقيه لها على الرغم من أن كلماتها تصلح للتعبير عن الحنين إلى العودة إلى الوطن أى وطن من دون ذكر للفظ فلسطين أو ما يشير إليها بحسب ما ذهب إليه محمود الزيباوي، وهو جانب نفسي يمكن تفهمه لدى بعض الباحثين، فعلى سبيل المثال يقول الكاتب الفلسطيني يوسف الشايب في مقالة له(الأيام في 28/7/2020) غداة وفاة الشاعر الفلسطيني إن عاصي ومنصور حينما ذهبا إلى مصر العام 1955 اختارا من شعر هارون هاشم رشيد ثلاث قصائد هي "مع الغرباء، سنرجع يوما، وجسر العودة"، فيما تحدث طويلاً الناقد الفلسطيني فيصل دراج في الإصدار الذي حمل عنوان "وطن اسمه فيروز" عن الأثر النفسي والوطني الذي أحدثته فيه أغنية فيروز "سنرجع يوما إلى حينا" الذي كان نقطة انطلاقه إلى الدخول إلى عالم المطربة الكبيرة، كما صدر ألبوم غنائي العام 1971 تحت عنوان "القدس في البال"، ضمّ كل أغنيات فيروز عن فلسطين مثل: زهرة المدائن، القدس العتيقة، سيف فليشهر، بيسان، حيفا، غاب نهار آخر، وسنرجع يوما إلى حينا، في إشارة إلى أنها تنتمي إلى شعر القضية الفلسطينية، وهو على أية حال الألبوم الذي ذكرت بياناته أن جميع أغنياته من تأليف الأخوين رحباني باستثناء "سيف فليشهر" من تأليف سعيد عقل، ما يؤكد أن "سنرجع يوما" ليست لهارون هاشم رشيد.     
     
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها