الجمعة 2022/07/29

آخر تحديث: 13:24 (بيروت)

"علي مولا" و"أبو عبدو البغل"...الأمل الأخير لآلاف القرّاء السوريين

الجمعة 2022/07/29
"علي مولا" و"أبو عبدو البغل"...الأمل الأخير لآلاف القرّاء السوريين
الشتات إن تغلّب على الفقر والرقابة
increase حجم الخط decrease
تفتح المكتبات الرقمية -لا سيما تلك المعتمِدة على قرصنة الكتب المطبوعة- أبواباً مشرعة أمام السوريين وتمكنهم من الوصول السريع إلى المصادر، بدفع من حالة التشرذم المكاني التي يعيشونها. وفي ظل الوضع المعيشي المتردي، فإن زيادة أكلاف الكتاب المطبوع تقود إلى توسيع مجال القرصنة الإلكترونية.

وتُعدّ مدوّنتا "علي مولا" و"أبو عبدو البغل" من أشهر المدونات التي تعرض الكتب الإلكترونية المقرصنة. وعلي مولا، هو مغترب سوري من حلب يقيم في بودابست، وتضم مجموعته حتى الآن زهاء 100 ألف كتاب. أما أبو عبدو البغل، فهو اسم لشخص مجهول يرجح أنه من دمشق. وتحظى المنصتان بزيارات كبيرة جداً من القرّاء النهمين، الباحثين عن مختلف الكتب القديمة والحديثة، وبين صفحات كل كتاب نلحظ توقيع علي مولا أو أبو عبدو البغل، كجزء من ظاهرة إلكترونية بدأت بالتشكل مع الثورة الرقمية الأخيرة المتمثلة في قفزة السوشيال ميديا، قوامها المصدر المفتوح للكتاب، أي كتاب، بغض النظر عن حقوق النشر، أو إذن المؤلف، وبعيداً من عيون الرقابة، فهنا كل شيء متاح، وكل كتاب جديد تتم قرصنته، فيشكل إضافة جديدة لعالم المكتبات غير الشرعي.

وتتفاعل منصة أبو عبدو البغل مع الحدث السوري، وتواكب تعطش القراء للاطلاع على خفايا التاريخ السوري المعاصر. لذلك أتاحت، مجاناً، 10 مؤلفات للروائي السوري الراحل خيري الذهبي عقب وفاته. وسبق أن أتاحت جميع مؤلفات المفكر السوري جودت سعيد، بعد وفاته أيضاً.

ولا تشكل منصّتا علي مولا، وأبو عبدو البغل، كامل زوايا هذا العالم، بالنسبة للقراء السوريين، فهناك "مكتبة نور" وهي منصة رقمية تقدم أطناناً من الكتب والنشرات والمجلات المقرصنة، على أن هذه المكتبة تعاني -على الرغم من ضخامتها- رقابة أصحاب الحقوق الأصلية للكتب. لذلك، يتم حجب آلاف الكتب من المنصة لغياب الإذن الرسمي من دور النشر ومؤلفي الكتب.

وإلى جانب مكتبة نور، تعد منصة "كتاب بيديا"، إحدى أهم المنصات التي تقدم كتباً ونشرات ونسخ خطية من التراث العربي والفارسي على طبق من ذهب. وتتميز المكتبة بجودة النسخ المصورة للكتب والمخطوطات، وبتوافر عناوين نادرة يمكن تنزيلها بسهولة ومن دون أي عوائق.

والخروج من ربقة الكتاب المطبوع وأكلافه الباهظة، وكلفة حمله ونقله في رحلة السوريين الشاقة نحو بلاد الله الواسعة، هو أحد أبرز أسباب توسع ظاهرة الكتاب الرقمي، وإقبال السوريين على القراءة الإلكترونية، سواء من خلال استخدام اللابتوب، أو الأجهزة اللوحية، وانتهاء بتنزيل الكتب إلكترونياً، وتصويرها باللجوء إلى المكتبات الرخيصة، لإعادة تدويرها مجدداً ككتاب ورقي بصيغة بدائية، قليلة الكلفة.

ومن الإصغاء إلى تجارب القراء السوريين في المطالعة الإلكترونية، نلمس رغبة جارفة لدى معظمهم في تكوين مكتبة شخصية افتراضية، تضم مئات، أو آلاف العناوين، في إسدال غير معلن، لستار الكتاب المطبوع، ومضي محموم نحو الرقمنة التي جعلت الكثير من القراء يحصلون على عناوين بالغة الأهمية بالنسبة إليهم، وكان الوصول إليها سابقاً شبه مستحيل.

على أن أهم ما يجرّ السوريين إلى الرقمنة، هو ارتفاع أسعار الكتاب المطبوع، سواء كان في الداخل السوري أو في بلدان اللجوء، باستثناء تركيا، كَون سوق المطبوعات فيها يُعد رخيصاً جداً، وهذا ما جعل الأنظار تتجه نحو الاشتراك في مجموعات وغرف قرصنة الكتب على فايسبوك وتليغرام.

ولا ينكر معظم من قابلناهم من القرّاء الرقميين، رقي وجمالية الكتاب الورقي، لكن سهولة الحصول على الكتاب الرقمي تشكل عامل جذب أكبر بكثير، فبكبسة زر واحدة تكون أي نسخة رقمية متوافرة، ويتميز الكتاب المقرصن بكونه نسخة طبق الأصل عن الكتاب الورقي. وبهذه الميزة، يكون القارئ الرقمي قد حصل على مُتع الكتاب الورقي كافة، من غلاف وحروف جميلة وتنسيق عال المستوى. لكن يبقى عامل لمس الورق هو الأقرب إلى قلوب بعض القراء المتعصبين للكتاب الورقي، وهذا ما يعدّه من قابلناهم نوعاً من الترف، لا مجال لممارسته في ظل الظروف الكالحة التي يمرون بها.

لعل توافر الكتاب بنسخته الرقمية المقرصنة، يعزز فكرة القراءة الشعبية، والتي سبقتها محاولات عديدة لدور نشر ومجلات لطباعة كتب بأكلاف زهيدة وتوزيعها على أوسع نطاق، بغية جعل الكتاب بين أيدي الجميع، وعلى رأسها مجلات مصرية قديمة مثل "الهلال"، أو جرائد سورية تابعة للنظام السوري مثل "البعث" و"تشرين" اللتين أصدرتا عشرات الكتب التراثية خلال السنوات الماضية. لكن صنّاع الكتب، من مؤلفين ومديري دور نشر، يبدون غير ميالين بل ومناهضين لهذه الظاهرة، التي يعدونها سطواً على الحقوق المادية للكاتب والدار الناشرة، وهي مسألة عويصة فعلاً، وشائكة. ويبرر القراء عملية السطو هذه ببراغماتية غير مقنعة لأصحاب الحقوق المنهوبة، فـ"حق الأمة في العلم هو فوق جميع الحقوق الشخصية"، فل هو تبرير ساذج يعبّر عن نهم فكري للقراء، في بلاد الرقابة وأكداس العناوين الممنوعة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها