الثلاثاء 2022/06/21

آخر تحديث: 13:50 (بيروت)

كيف غنّت سعاد حسني بعد رحيلها؟!

الثلاثاء 2022/06/21
increase حجم الخط decrease
هذه حقيقة تؤكدها الأحداث والوقائع، سنة بعد سنة ويوماً بعد آخر. الاستثنائيون لا يرحلون... سيرهم أطول من أعمارهم، وخلودهم أبقى من أجسادهم، أما العابرون فلا يشعر بهم أحد، حتى وهم أحياء عند قومهم يرزقون، والسندريللا سعاد حسني التي أتم غيابها عامه الحادي والعشرين هي واحدة من هؤلاء الاستثنائيين العِظام، لا تغرب لها شمس، أو يختفي عنها ظل. لا ينشغل عنها فكر، أو ينقطع لها ذِكر. جديد سعاد هذه المرة هو الأغنية التي غنتها بعد رحيلها، نعم بعد رحيلها لأن من يستمع إليها يشعر أنها سعاد أخرى تغني من عالم آخر، لكنها في النهاية سعاد حسني بنبرات صوتها، مهما بدا عليها من تغيير، إحساسها بالكلمة الذي لم يخذلها أبداً، وقدرتها على التعبير التي ميزتْ أداءها طيلة حياتها، والأهم من هذا كله روح السندريللا التي تأسرك من الوهلة الأولى.

الأغنية التي يتم تداولها حالياً في "يوتيوب" بعنوان "فاكر ولا ناكر" من كلمات صلاح جاهين، أما بطلها وواضع ألحانها فهو الموسيقار العراقي هلكوت زهير، أحد أهم عشاق سعاد حسني، وهي الأغنية التي ظهرت بشكل عابر للمرة الأولى في افتتاح دورة مهرجان شرم الشيخ للسينما الآسيوية - 2019، وقد أتاح لي اقترابي من هلكوت زهير وأسرة سعاد حسني أن أكون شاهداً على بعض فصول هذه التجربة التي أفرزت الأغنية المذكورة، لكنني أترك الكلام أولاً للموسيقار زهير ليكشف تفاصيل وملابسات ظهور "فاكر ولا ناكر"، مؤكداً أن بعض ما تداولته المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي عن الأغنية غير دقيق، ولم يصدر عنه شخصياً. يقول زهير: "منذ صغري وأنا من عشاق سعاد حسني وفنها الراقي، وزاد من تعلقي بها أصولها الكردية مثلي، وحدث أثناء دراستي للموسيقى في ألمانيا أواخر تسعينيات القرن الماضي أن حاولت التعرف على السندريللا أثناء وجودها في لندن، وبعد محاولات عديدة نجحت في الجلوس معها من طريق بعض الأصدقاء العراقيين الذين يعرفون صاحب الفندق المصري حيث أقامت سعاد في العاصمة البريطانية، ولأنها كانت سيدة في غاية البساطة والتواضع فقد أزالت المسافات سريعاً بيننا حتى أنني شعرت أنني أعرفها منذ سنوات طويلة، وشيئاً فشيئاً بدأت أسمعها ألحاني، فقالت لي أن فيها الكثير من روح الموسيقار كمال الطويل، في هذه الأثناء ظهرت فكرة تقديمها لبعض أشعار صلاح جاهين لهيئة الإذاعة البريطانية، فبدأت معها تطوير الفكرة من مجرد بعض أشعار إلى ألبوم كامل يحمل أشعار جاهين، أضع أنا له الخلفية الموسيقية من دون أن يكون لي من ورائه أي هدف تجاري، وهو الألبوم الذي أهديتك إياه عند بداية تعارفنا، وتعرف تفاصيله بالكامل السيدة جنجاه أخت الراحلة سعاد حسني".

وهنا استوقف كلام هلكوت زهير، لأقول إن السيدة جنجاه اتصلت بي ذات يوم أظنه في العام 2004 أو نحو ذلك، تطلب المساعدة في الاتفاق مع شركة كاسيت لإنتاج الألبوم على نطاق تجاري بعدما فشل الاتفاق مع شركة المنتج محسن جابر، وذلك بغرض الإنفاق على قضية مقتل سعاد حسني التي تحمست لها جنجاه بإخلاص كبير، وقالت إنها تعلم أن ثلاثة فقط هم الذين لديهم نسخة من الألبوم: هلكوت وهي وكاتب هذا المقال، المهم أن محاولاتنا في ذلك الوقت لم تؤت ثمارها، ويبدو أننا نسينا موضوع الألبوم في خضم انشغال جنجاه بإعداد كتابها عن سعاد الذي ظهر قبل سنوات، وانغماس هلكوت فى أعماله الفنية لكبار المطربين العرب، أمثال علي الحجار وصباح وميادة الحناوي وغيرهم.

نعود لكلام الموسيقار العراقي: "في أثناء جلساتنا أنا وسعاد لتجهيز ألبوم أشعار صلاح جاهين، بدأت تخرج بعض كلمات الأغنيات الأخرى التي كان جاهين قد خصها بها، ومن بينها أغنية "فاكر ولا ناكر ولا يمكن مش مذاكر"، فتحمست للكلمات، وبدأت في تلحينها، وعقدت أكثر من جلسة حفظ مع سعاد ليس معنا فيها إلا جهاز التسجيل الصغير الخاص بي، وأخذت سعاد تغني وأنا أعدل وأسجل لأكثر من ساعة زمن، كان هذا قبل تسعة أشهر تقريباً من سقوطها الرهيب في 21 يونيو 2001 ليمنع القدر ظهور الأغنية فى حياة السندريللا".

وأستوقف هلكوت زهير مرة أخرى لأسترجع أنا جانباً مما حدث عقب ذلك، فبعد سلسلة من الموضوعات الصحافية التي كتبتها عن سعاد وظهور كتابي الأول عنها "سعاد حسني... الحلم الضائع" في العام 2001، جاءني اتصال من ألمانيا لا يتحدث صاحبه العربية كما نتحدثها نحن، وعرفني بنفسه بأنه موسيقار عراقى كردي اسمه هلكوت زهير، وأنه من عشاق سعاد ومن المتابعين لكل ما يكتب عنها، وأنه ينوى المجيء للقاهرة في أقرب وقت، وبعد محادثات تلفونية أصبحنا صديقين، وجاء هلكوت بالفعل إلى القاهرة طالباً مني أن أعرفه على المخرج علي بدرخان الذى كان زوجاً لسعاد وبصفته أيضاً من أصول كردية. وحدث اللقاء بالفعل في فيللا بدرخان بالهرم حينما كان المخرج مقيماً هناك، ثم قام بدرخان بعدها بزيارة كردستان العراق بترتيب من هلكوت، وفي زيارته الثانية للقاهرة جمعت بين هلكوت وبين صديقنا الموسيقار يحيى الموجي ابن الموسيقار الراحل محمد الموجي، لتكون بداية تعاون طويل ومثمر بين ألحان الأول وتوزيعات الثاني... وأترك الكلام مجدداً للموسيقار العراقي: "ارتحت كثيراً للتعاون مع يحيى الموجي، فتولى توزيع جميع أعمالي الموسيقية تقريباً، كل هذا وأنا أتحين الوقت لتجهيز أغنية "فاكر ولا ناكر" بصوت سعاد حسني، لكن المشكلة أنها كانت تغني في البروفات الأولى من دون انضباط إيقاعي ومن تونات صوتية مختلفة، واستدعى هذا السفر إلى دول أوروبية عديدة لتنقية الصوت وضبط السرعة والإيقاع، ما استغرق مني وقتاً طويلاً جداً، ثم جئت بها إلى القاهرة وعرضتها على يحيى الموجي الذي تحمس للفكرة، وجلست مع أسرتي سعاد وصلاح جاهين، وأكدت لهم أنني ليس لدي أي هدف تجاري من وراء ظهور هذه الأغنية، واتفقنا على كل شيء، وبدأ يحيى الموجي يضع الموسيقى المصاحبة لغناء سعاد باللحن الذي قدمته لها في المرة الأولى، على غرار ما حدث في تنفيذ أغنيتي "حبيبتي من تكون" لعبد الحليم حافظ و"من غير ليه" لمحمد عبد الوهاب، وكان أول من استمع لها هو أنت والسيدة جنجاه التي عرضت الأمر على المخرج مجدي أحمد علي، رئيس مهرجان شرم الشيخ للسينما الآسيوية حينها، كي تكون الأغنية هي درة حفلة افتتاح المهرجان في آذار/مارس 2019، واتصل بي المخرج بالفعل وأعطيته موافقتي، وتم عمل كليب من أهم مشاهد أفلام السندريللا ليكون مصاحباً للأغنية.. وهكذا ظهرت "فاكر ولا ناكر" لأول مرة للناس، لكن في نطاق محدود هو جمهور القاعة التي شهدت افتتاح المهرجان".

ويذكرني كلام هلكوت باللقاء الذي جمع بيني وبين الموزع الموسيقي يحيى الموجي في حضور الإعلامي جمال عنايت على شاشة "أوربيت"، حين سألته: هل أنت مطمئن للأغنية ولأسلوب تنفيذها؟ فأكد لي أنه مقتنع بها تماماً وبالمجهود الضخم الذي بذله زهير كي تظهر على هذه الصورة، مشيراً إلى أن صوت سعاد كان مجهداً بفعل حالتها المرضية، ومن ثم كان بحاجة إلى تقنيات حديثة كي يظهر على هذا النحو.

وفي ختام تصريحات الملحن العراقي لـ"المدن"، بدا حريصاً على تأكيد أمرين، أولهما أنه ما زال عند موقفه بأنه لا يريد أي منفعة مادية من وراء ظهور هذه الأغنية، وإنما أراد فقط أن يقدم لعشاق السندريللا هدية متواضعة في ذكراها، وهي واحدة من أربع أغنيات كان قد لحنها لها وستظهر تباعاً. الأمر الآخر أن سعاد حسني كانت قد تحسنت حالتها الصحية والنفسية قبل وفاتها، وأنها كانت تنوي بالفعل العودة إلى القاهرة والتجهيز لعمل سينمائي كبير يجمع بين كل من حسين فهمي أو أحمد زكي مع محمد هنيدي، وأن هناك الكثير من الحقائق التي صاحبت مصرعها المفاجئ لم يتم الكشف عنها بعد.


                       فاكر ولا ناكر؟
                 كلمات: صلاح جاهين
                 ألحان: هلكوت زهير
                 توزيع: يحيى الموجي
                 غناء: سعاد حسني

إن كنت فاكر قول
وان كنت ناكر قول
جاوب قوام على طول
ولا أنت يمكن مش مذاكر؟
فاكر ولا ناكر؟
           ()()()()()
فاكر لما كنا فى ابو سنبل
والمناظر شيك وسيمبل
وقابلنا شيرلي تيمبل 
واتصاحبنا مع العساكر؟
فاكر ولا ناكر؟
          ()()()()()
فاكر لما كنا فى المعادي 
والشوارع ماشية عادي
والسمك فى البحر هادي
والتروللى بالتذاكر؟
فاكر ولا ناكر؟
        ()()()()()
فاكر لما كنا في المحلة
واترسمنا في المجلة
قلت نلعب قلت ياللا
قلت إمتى قلت باكر
فاكر ولا ناكر؟
      ()()()()
إن كنت فاكر قول 
وان كنت ناكر قول
جاوب قوام على طول
ولا أنت يمكن مش مذاكر
فاكر ولا ناكر؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها