الخميس 2022/03/03

آخر تحديث: 12:47 (بيروت)

مستغانمي ومعلوف.. الأكثر مبيعاً في إدلب

الخميس 2022/03/03
مستغانمي ومعلوف.. الأكثر مبيعاً في إدلب
مكتبة إدلبية (انترنت)
increase حجم الخط decrease
تبدو كتب أحلام مستغانمي، أمين معلوف، والكاتب الفلسطيني أدهم شرقاوي، وسواها من الكتب الأدبية والثقافية الجديدة، حاضرة على رفوف مكتبات إدلب المتواضعة، رغم سيطرة فصيل "تحرير الشام" المنتمي إلى المدرسة الجهادية. ويُلاحظ أن إرخاء قبضة الرقابة على الكتب والمكتبات، يخلق مساحة من الحرية الثقافية في مدينة إدلب، كما في بقية المدن والبلدات الخاضعة لسلطة "حكومة الإنقاذ"، وهي "الجناح المدني" لهيئة تحرير الشام.

فلماذا لا رغبة في سنّ قوانين أو ممارسة رقابة أخلاقية على الكتب، كتلك التي كانت تنفذها أجهزة عديدة مثل الحسبة وسواعد الخير ومركز الفلاح؟ ثمة فرضية بإمكانها تقديم الإجابة، وهي تحوُّل الجهاديين المتمرسين في استعمال البندقية والآر.بي.جي، إلى رجال أعمال وإدارة. بمعنى الخروج من تأطير "الأخلاق" داخل المجتمع، إلى الاهتمام بعالم البزنس ومغرياته، لكن ذلك لا يعني ترك الحبل على الغارب، كما يقال. فكل من يطرح تهديداً وجودياً للسلطة، يعاقَب حتماً، في حين لا تشكّل الكتب المعروضة أي خطر. ومن هنا، يمكن الحديث عن مجال مقبول من "الحرية الثقافية"، تجعل من السهل على أصحاب المكتبات عرض كتب أدبية فيها نوع من الجرأة، بلا رقيب.

في مكتبة البيان، القريبة من كلية الآداب/جامعة إدلب، كانت إحدى الطالبات تتأمل في جناح مخصص للكتب، لتختار أحد مؤلفات أحلام مستغانمي الجديدة، على اعتبار أنها قرأت الكتب المنشورة سابقاً. تشير الصبية إلى أن مستغانمي تخوض في قضايا مهمة، تشد اهتمام الإناث في إدلب. تحمل كتابها الجديد وتسارع إلى تصفّحه في الخارج، باهتمام بالغ، أثناء مشيها نحو السيارة التي ستقلها إلى المنزل.

يقول صاحب المكتبة إن هناك إقبالاً لا بأس به على الكتب التي يعرضها، خصوصاً كتب الروائي أمين معلوف. لذلك تتوافر أعمال معلوف في معظم مكتبات المدينة، إلى جانب أعمال عالمية أخرى، مثل روايات أغاثا كريستي بأغلفتها الملونة. أعمال إرنست همنغواي حاضرة أيضاً، مع غابرييل غارسيا ماركيز، دوستويفسكي، ونجيب محفوظ، فتتقاسم الرفوف مع كتب التراث والكتب الدينية التي تشهد إقبالاً جيداً نتيجة النشاط الكبير لكلية الشريعة، على اعتبار أنها تستقطب مئات الشبان الحالمين بالوظائف، سواء لدى الحكومة، أو في الأجنحة الدعوية والعلمية للفصائل، وحتى المدارس القرآنية التي افتتحتها "تحرير الشام".

لا يمكن الحديث في إدلب عن نشاط ثقافي، بمعناه المعروف الذي يشمل طباعة عشرات الكتب، وإقامة المحاضرات والندوات والأمسيات الأدبية، كما لم تنجح دور النشر الناشئة في استقطاب قراء نهمين. في المقابل، ثمة إقبال على تصوير الكتب الجامعية والمراجع العلمية التي يحتاجها الطالب، وهو نشاط ناجم عن صعود المستوى التعليمي الأكاديمي، كمّاً، لا نوعاً، لكنه حرّك سوق الطباعة القائم على مطابع مكتبية بإمكانها استنساخ أي كتاب يريده الزبون، مع إضافة غلاف وتجليد مقبول.

لذلك، وعند زيارة المراكز التي تحوي مكتبات كبيرة، مثل المركز الثقافي في إدلب، أو المكتبات التي تضم مختلف الكتب الدينية والمُنشأة من قبل إسلاميين متحمسين، نفاجأ بوجود زائر أو اثنين، فقط. كما أن معظم زائري المركز الثقافي هم من الطلاب الباحثين عن مراجع لحلقات البحث أو رسائل الدراسات العليا، فيما يغلب على القسم الآخر من المكتبات طلاب كلية الشريعة وشرعيو المجموعات الجهادية. كما لم تفلح الجهود التي يبذلها مشروع "خذ نسختك" الذي يوزع كتباً دعوية وتعليمية سلفية، مُستقدَمة من المملكة العربية السعودية، في إيجاد نوع من النهم اتجاه الكتاب، رغم تقديمه الكتب مجاناً.

على صعيد المجلات والجرائد، كان بعض السكان يطالعون مطبوعات الإعلام البديل، مثل عين المدينة، صدى الشام، مبادر، عنب بلدي، طلعنا عالحرية. لكن التضييق الذي مارسته الفصائل في إدلب على هذه المطبوعات، إضافة إلى تقلص تمويل المطبوعات ذاتها، قادها إلى التوقف تماما والاكتفاء بالصدور الرقمي.

وربما حفزت فكرة المطبوعات هذه ونجاحها في الوصول إلى أكبر عدد من القراء قبل العام 2017، على صدور جرائد يغلب عليها الطابع الجهادي ثم الخدمي، في ما بعد، مع بروباغندا لأفكار الجهات الناشرة. وهكذا كانت أيدي المُصلّين تتلقف جريدة الراية، الناطقة باسم حزب التحرير المناهض لتركيا، بعد خروجهم من صلاة الجمعة، حتى توقفها بعد دخول القوات التركية. فيما حافظت جريدة إباء، وهي أسبوعية صادرة عن "تحرير الشام" على صدورها، حتى توقفت قبل أشهر، في غياب قراء متعطشين، رغم مجانية هذه المطبوعة. بينما توقفت جريدة المحرر الصادرة عن حكومة الإنقاذ، بعد أعداد ورقية لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.

فعلياً، تغيب الرقابة على الكتب والمكتبات ودور النشر وتصوير الكتب، في إدلب، مقابل التضييق الكبير على مطبوعات الإعلام كجزء من الرقابة المعلنة على الصحافيين ووسائل الإعلام السورية. لكن المهم الآن أن في إمكان أي قارئ الحصول على الكتاب الذي يريده في إدلب. فهل ستستمر الحال هذه بعد صدور قوانين ناظمة للنشر عن حكومة الإنقاذ التي تسعى في الوقت الراهن لقوننة شاملة تطاول مختلف القطاعات العامة؟ تبقى الإجابة معلقة.. ومخيفة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها