الأحد 2019/01/20

آخر تحديث: 10:51 (بيروت)

الفوتبول السوري.. تدجين الطبقة الثائرة

الأحد 2019/01/20
الفوتبول السوري.. تدجين الطبقة الثائرة
الأسد مع منتخبه
increase حجم الخط decrease
خلال سنوات الثورة في سوريا، لم يترك النظام السوري طريقة لتطويع الثائرين عليه معتمداً على أفظع الأساليب وأقذرها، من قتل واعتقال وتعذيب وتهجير، وحرمان من أوراق ثبوتية، وقائمة تطول لا يمكن حصرها. ولكنه وجد في العودة للحياة الرياضية طريقة مثالية لإعادة إقناع هذا الشعب بأن لديه بعد ما يربطه بهذا الوطن المتمثل به.

مثيرة هي الإنقسامات على وسائل التواصل الإجتماعي، حول تشجيع فريق النظام السوري في بطولة كأس آسيا، ولكنها سلاح قوي فعَال بيد النظام السوري، طوع به مجموعة كبيرة من أبناء الطبقة الثائرة، بعيداً عن بعض التعليقات الساخرة عبر وسائل التواصل الإجتماعي في حلقة أصبحت مغلقة في المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد في سوريا وفي تركيا وأوروبا.

التطويع عبر كرة القدم والرياضة بعمومها يعمل بطريقتين مختلفتين: مباشرة ذات فعالية سريعة، يتبعها النظام غالباً مع أبناء المناطق المصالحة على وجه الخصوص، بالإضافة لتطويع من كان في قلبه شك ولا يزال في مناطق سيطرته، وهي طريقة أثبتت فعاليتها لإعادة الشباب، بغض النظر عما فعلوه خلال سنوات الثورة، وهي ليست حركة عبثية في هذه المنطقة أو تلك، بلَ هي تطبيق لدراسات اجتماعية يعمل عليها نظام دمشق.

ما يحتاجه النظام لتطبيق خطته، هو فئتان، الأولى تتعلق بالشبان الذين لا يوجد لديهم ما يفعلونه في الحياة، قوت يومهم هو من المساعدات الأممية، انتهى ماضيهم وانعدم مستقبلهم، أعمارهم هي أعمار المطرودين من الجامعات أو من لم يستطيعوا تقديم الشهادة الثانوية، يحلمون بالخروج من مدنهم لزيارة مدن أخرى.

الفئة الثانية: هي فئة عمرية أكبر بقليل، أعمارهم هي أعمار أعضاء الشٌعب والرابطات الحزبية السابقة التي تحاول العودة لحضن النظام، ويعيشون أيضاً على فتاة المساعدات الأممية، يتأملون من جديد في حياتهم أن يقفوا على بوابات الحافلات المنطلقة من مدنهم نحو الخارج، يقرأون لوائح الأسماء فيشعرون بمسؤولية كبيرة، يستطيعون الجلوس بالقرب من السائقين، شيء يشبه ما كان يفعلونه أيام إصطحاب الأطفال إلى المسيرات المؤيدة، أو الرحل المدرسية المجانية.

في تحقيق الشرطين يستطيع النظام بناء فريق كرة قدم، يخرج به الشبان من عزلتهم، يرتدون ملابس عليها العلم الأحمر من جديد، يتعايشون معه كما كانوا سابقاً، وليس من المهم أحبوه أم لا، فهم لا يشكلون خطرا، ويستطيع أعضاء الفئة الثانية عبر هذه الملابس، القول بأننا نرتديها كي نخرج ونعيد أبناء مدينتنا للحياة. إذا ما حاول أحد أبناء مدنهم السؤال وكيف حلقتم لحاكم سريعاً وعدتم لحضن النظام؟

هنا تتحقق مكاسب الطرفين، يصور النظام عودة الحياة الطبيعية والأمن والإستقرار، وعودة الحياة في كافة أشكالها وحتى الرفاهية الرياضية، وإن كان غير مقتنع بهذا هو نفسه، وتتحقق أيضاً مصلحة الفرق الرياضية بالخروج من مدنهم ومحاولة كسر رهاب الحواجز بين المدن والمحافظات، والتعرف أيضاً على المرافقين حماة حافلاتهم، وهؤلاء هم أنفسهم قتلة بعض من ذويهم.

مدن درعا، ومدن ريف دمشق بغوطتيها الشرقي والغربي، ومدن حمص، ومدن حماه، وبلدات القنيطرة، إلخ.. جميعها كانت خارج سيطرة النظام وأول ما عاد إليها، عادت الفرق الرياضية، حتى قبل الكهرباء، وأمنت الفرق العسكرية المحيطة بكل مدينة حافلات مخصصة تنقل فيها اللاعبين، وجماهيرهم المشجعة بين المدن، وتعيدهم إلى مدنهم دون توقيفهم على الحواجز، وخلال هذه الرحلات بدا المشجعون باللباس العسكري مع أصدقائهم الجدد الى الأبد.

أما التطويع غير المباشر والبطيء، فهو لا يقتصر فقط على أبناء الداخل، بل يعمل على تطويع اللاجئين في بلدان غربتهم، والباحثين عن هويَات جديدة بعد أن فقدوا هويتهم، أصحاب الحنين للذكريات الجميلة في أوطانهم والتي غالباً ما تتهيأ لهم على شكل مباراة بين فريقي الوحدة والجيش أو الكرامة وحطين. فتجدهم يشجعون منتخبات بلداتهم التي تعيش في أسوأ الظروف الإنسانية في العالم، عبر وسائل التواصل الإجتماعي، ويتعاطون مع فكرة الأمر الواقع.

ولأهمية هذا الشأن لدى نظام الأسد، تستعد الأجهزة الأمنية حماية هؤلاء المطوعين الجدد عبر كرة القدم، فعندما عاد اللاعب السوري فراس الخطيب إلى حضن الوطن المذبوح، كانت خطوة غير مفهومة لدى غالبية السوريين. معانون في الداخل ولاجئون في الخارج، حيث يستطيع عادة اللاعبين الرياضيين دوماً الحصول على عقود في بلدان أخرى، ويستطيعون تأمين حياة كريمة وهو ما كان عليه حال "الخطيب"، وهناك من انتظر خبر اعتقاله، وهناك من خمنَ حصوله على ضمانات من جهة دولية ما، كمنظمة الفيفا التي لم تهتم لشأن كل الرياضيين السوريين الاخرين الذين قضوا تحت التعذيب في معتقلات النظام! ولكنه كان من أوائل المُطوعين، حتى وإن اختلفت أسبابه، مادية كانت لأجل مصالحه في سوريا، أو معنوية كباحث عن هوية، ولكن استبعاده حالياً من المنتخب في الدوري الذي عاد لأجله يظهر بصورة واضحة، أن كل المصالح للطرفين بالعودة تحققت عدا الظاهر منها ألا وهو الرياضة.


لم يقاتل الخطيب على الجبهات في المعارك عندما عاد لحضن الوطن المذبوح، إنما كانت مهمته القتال على الجبهة الإجتماعية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها