السبت 2018/12/22

آخر تحديث: 14:50 (بيروت)

حيدر العراقي ومحامي السفارة

السبت 2018/12/22
حيدر العراقي ومحامي السفارة
شبيحة النظام السوري في أوروبا (فايسبوك)
increase حجم الخط decrease
جيل كامل من الشباب الهاربين من عالم العرب، أصبح لاجئاً ومهاجراً في أوروبا. أنا أحد هؤلاء، أبحث عمن يتفهمني، وأجد في أقراني الهاربين من بلاد العرب، فرصة لمشاهدة نفسي في المرآة.


اللاجئون من الشباب العرب في أوروبا يبحثون عن بيئة للتعبير عن أنفسهم وعن أفكارهم الحبيسة داخلهم، في مواجهة المجتمعات المستضيفة، حيث تتراجع القدرة على الإفصاح عن خبايا النفس، أمام حواجز اللغة، والاختلاف في العقلية والقيم وطريقة التعبير. كما أن الرغبة في إخفاء الحماقة ضرورة أيضاً أمام الأوروبيين.

وفيما يمكن اعتبار فيديو اللاجئ السوري المستنجد بـ"حزب الله"، ليساعده على الحفاظ على إقامته في النمسا حيث يُعتبر الحزب منظمة إرهابية، نتيجة للجهل والحماقة. إلا أنه قد يكون أيضاً نابعاً من وعي تام وعتب على شركائه الشبيحة، الذين باتت قصص انتشارهم في دول اللجوء الأوروبي متكررة في وسائل الإعلام.

في العام الماضي، وبينما كنت أبحث عن فرصة عمل في باريس، قابلتُ شاباً لبنانياً يمتلك شركة لتأجير السيارات الفارهة، تتعامل مع زبائن من الخليج. كنت أبحث عن عمل كسائق لإحدى عرباته. مقابلة العمل كانت في مقهى بالقرب من مقر الشركة في شارع الشانزليزيه. ولسبب ما، انضمّ إلينا شاب عراقي زائر لباريس، بدا وكأنه صديق لصاحب الشركة اللبناني. العراقي الذي عرّف عن نفسه بحيدر، مقيم في ألمانيا.

جلسنا ثلاثتنا في المقهى، نتجاذب أطراف الحديث، عن العمل والحياة في أوروبا. سألني صاحب العمل عن أوراقي، وإن كان يحق لي العمل، قبل أن ينتقل بسرعة إلى حيدر، ويسأله عن الجديد في أوراقه الرسمية الألمانية. لا جديد بخصوص أوراق حيدر، الذي استطرد متأففاً: "السفارة ساعدتني في تعيين محام بارع ومتخصص، للحصول على أوراق اللجوء". فسألتُه ببراءة: "أي سفارة؟"، فيجيب: "سفارتنا العراقية!".

الصورة لم تعد واضحة لدي، وبات الفضول يدفعني للذهاب مع العراقي أبعد في الحديث، متناسياً صاحب العمل ومقابلته. وحدثتُ نفسي: "عراقي يا إلهي"، مستحضراً في مخيلتي مآسي العراق كلها؛ من حلبجة إلى الغزو الأميركي وبطش الحكومة وفسادها والمتطرفين من "داعش" و"الحشد الشعبي"، لتنهال أسئلتي متتابعة: "ما هي المشكلة في الإقامة؟ وكيف تساعدك السفارة؟".

انعدام المنطق وحده لم يكن قادراً على تفسير تلك المعضلة التي خرج توصيفها بسلاسة من فمي: "السفارة العراقية تُساعد عراقياً للجوء في ألمانيا؟". فأجاب ضاحكاً: "أثناء مقابلتي مع الداخلية الألمانية سألوني عن صور لي في معارك خضتها أثناء انضمامي لصفوف عصائب أهل الحق".

إذاً، حيدر شارك في معارك مباشرة تحت قيادة "أبو عزرائيل"، وقال إنه ساهم في إحراق أحياء بكاملها  لـ"الدواعش عملاء الأميركان والسعودييين"، كما يصفهم.

هنا، نسيت مقابلة العمل، وصاحبه اللبناني، الذي بدا خائفاً في المقهى، محاولاً تجنّب الحديث عن الخليج العربي بصوت عالٍ في باريس. فزبائنه الخليجيون، في كل مكان، وعندما يشتمهم اللبناني، أو يُشتمون في حضرته، فهذا يعني خسارة زبائن أثرياء. ورغم اعتراضه اللفظي، شعرت أنه، مثلي، يود سماع المزيد من قصص حيدر عن الحرب.

يعيش حيدر في ألمانيا بإمكانات محدودة، غير مُرضية له. يحصل على المساعدة التي تقدمها الحكومة الألمانية، وكذلك أيضاً على مساعدة غير قانونية من أحد موظفي السفارة العراقية. يقول: "أفضل بقليل من مساعدات اللجوء". عندما وصل إلى أوروبا، ظل يتقاضى راتبه الكامل من "عصائب أهل الحق"، ما يعادل 2000 دولار أميركي شهرياً، يدفع منها ألف دولار قسطاً لشقة سكنية اشتراها في الكاظمية ببغداد، و500 دولار لعائلته التي مازالت في العراق.

بعد شهور تغيرت الأحوال قليلاً واضطر لدفع 500 دولار إضافية للمسؤول عنه في "العصائب" الذي يوقع بدلاً منه في قوائم الحضور. أما مصدر رعب حيدر، فهو صور ومقاطع فيديو نشرها سابقاً في أحد حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها مسلحاً مع أصدقائه "يذبحون ويسلخون الدواعش". وعندما وصلت تلك الصور للحكومة الألمانية، بات مهدداً بشكل حقيقي بالسجن.

لا أعرف ماذا حل بحيدر، إن كان يقضي عقوبته بالسجن، أو أنه عاد إلى بغداد ضمن برنامج "العودة الطوعية" المدعوم من الحكومة الألمانية، أم أنه حصل على الإقامة بمساعدة محاميه الذي عينته له السفارة. لكن الأكيد أنه لم يكن لاجئاً هارباً من المسلحين المتطرفين على اختلاف مشاربهم. بل كان هو أحدهم، ممن تلذذوا بحرق وسلخ مقاتلين مشابهين لهم، صدف أنهم مختلفون على تفاصيل ثانوية، وأحقية أحدهم في الخلافة قبل 1400 عام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها