الجمعة 2017/02/17

آخر تحديث: 12:00 (بيروت)

معضمية الشام: مدينة الأشباح في "سوريا المفيدة"

الجمعة 2017/02/17
معضمية الشام: مدينة الأشباح في "سوريا المفيدة"
المهنة الوحيدة المتبقية للرزق، بالنسبة للأهالي، هي العودة للقتال في صفوف قوات النظام و"اللجان الشعبية" ومليشيات "الشبيحة" (انترنت)
increase حجم الخط decrease
مضى على دخول محافظ ريف دمشق، المبعوث من النظام، مع وفد "وزارة المصالحة"، إلى المعضمية، خمسة شهور. حينها وقف المحافظ في ساحة البلدية أمام حشد من أهل المدينة، برفقة أحد المشايخ المعممين، وتحدث عن "المصالحة"، وأن "الدولة" ملتزمة بتنفيذ جميع بنودها، وأولها الإفراج عن المعتقلين، وإعادة فتح المدينة، و"تسوية أوضاع" أبنائها ليتمكنوا من العودة إلى "الحياة الطبيعية"، وعودة الخدمات إليها.

"الدولة" التي أوفدت مراسلي تلفزيونها الرسمي، ومحافظ ريف دمشق، ووفد "وزارة المصالحة"، بسياراتهم الفخمة، لم تقدم للمعضمية في الغوطة الغربية، شيئاً مما وعدت به. فلم يُفرج النظام عن مئات المعتقلين، ولم يكشف حتى عن مصيرهم. ولا الخدمات عادت، رغم أن "الدولة" عيّنت "مجلساً بلدياً" للمدينة، يعمل تحت إشرافها. حتى القمامة لم يتم سحبها من الشوارع الثانوية، بعد تنظيف الساحة، التي أراد وفد "دولة سوريا المفيدة" الوقوف فيها، والتقاط الصور.

عملية إخلاء المعارضة من معضمية الشام، من رافضي تسليم سلاحهم، بالإضافة إلى من تبقى من أهالي داريا في المعضمية، إلى ريف إدلب شمالي سوريا، كانت قد جرت في 19 تشرين الأول/أكتوبر 2016، تنفيذاً لاتفاق "مصالحة" بين النظام والمعارضة، "أنهى" حالة الحصار وسياسة "التجويع والتركيع" التي فرضتها مليشيات النظام على المعضمية لسنوات.

ومعضمية الشام كانت من أوائل المدن الثائرة في وجه النظام، ومن أوائل المدن التي هادنته مطلع العام 2014، بعدما تعرض أهلها للمجازر؛ ومنها ذبح مليشيات النظام للعشرات بالسكاكين، ومنها القصف بالطائرات والمدفعية وراجمات الصواريخ. المعضمية كانت أول ميدان لتجريب الأسلحة الكيماوية، كالكلور والسارين والنابالم الحارق. ورغم "هدنة" العام 2014، ظل الحصار قائماً، ومات الناس جوعاً، إلى أن أنهى النظام ملف داريا، وتفرغ لعقد "مصالحة" مع المعضمية، على نمط التطهير العرقي.

ويعيش حالياً قرابة أربعين ألف نسمة، في المعضمية، ولا يمكن استثناء عائلة منهم ليس فيها فقيد أو جريح، أو مهجّر ممن يسميهم النظام: "مرفوضين وملفوظين" من قبل أهلهم وذويهم. 
لا عمل للمتبقين في المدينة، ولا مصدر عيش لهم، وعدا عن عدم تنفيذ "بنود المصالحة" فلم تدفع حكومة النظام للمدينة "العائدة إلى حضن الوطن" سوى 900 ألف ليرة سورية، إي ما يعادل 2000 دولار، لتلبية الخدمات لعشرات الألاف، منذ خمسة شهور.

الأمر مقصود، فالمهنة الوحيدة المتبقية للرزق، بالنسبة للأهالي، هي العودة للقتال في صفوف قوات النظام و"اللجان الشعبية" ومليشيات "الشبيحة". ولكل طرف من هؤلاء، سماسرة يدخلون المدينة، ويقيمون اجتماعات للشباب ليحدثونهم عن الحياة خارج حدود هذا "الكيلومتر المربع" المغلق. فجأة صار بمقدور الشباب المحاصرين منذ سنين، عبور الحواجز، والخروج من المدينة المدمرة، إذا ما عملوا كمقاتلين في المليشيات التي قتلت أهلهم، ودمرت مدينتهم.

مؤخراً، انضم 50 شاباً من المعضمية إلى "القوات الرديفة" لـ"الفرقة الرابعة"، بعد توقيعهم عقوداً مدتها ستة أشهر، براتب شهري للمتعاقد يبلغ 40 ألف ليرة، أي ما يعادل 70 دولاراً شهرياً. وتقتصر خدمة هؤلاء حتى اللحظة، على العمل مع قوات "الفرقة الرابعة" التابعة لماهر الأسد، في ريف دمشق.

قسم أخر من الشباب "سُمِحَ" له التقدم إلى دورة تدريبية تتبع قوات شرطة النظام، في مركز يتبع لوزارة الداخلية، قريب من المعضمية. وبلغ عدد الملتحقين بالدورة 85 شاباً، قال أحدهم لـ"المدن": "لا يوجد لنا أي سبيل للحياة، وإخترنا هذا العمل لأنه قد تقتصر أعمالنا على العمل في جهاز الشرطة، ولكن ليس من المؤكد أن يتم الموافقة على استمرارنا فيه بعد هذه الدورة، ولا حتى قبولنا في وزارة الداخلية".

15 شاباً، منهم من كان مقاتلاً في صفوف الجيش الحر قبل "المصالحة"، تمّ تنظيمهم في مليشيا "اللجان الشعبية" العاملة في منطقة القلمون. أحد المتنفذين في "اللجان" اصطحب الشباب خارج حاجز المدينة، لتعود منهم جثة قتيل وثلاثة جرحى، ويختفي الباقي. النظام قال إن "داعش" هاجم حاجزاً لهم في القلمون الشرقي، في ذات الليلة التي شغلوه، وقتل منهم شخص وأصيب ثلاثة، في حين سرق باقي عناصر المجموعة سرقوا السلاح المعطى لهم من "اللجان" وهربوا. "اللجان" كانت قد وعدت الشباب برواتب تصل إلى 100 ألف ليرة شهرياً.

"الدولة السورية" انتهت، رغم كل هذا التبشير الإعلامي بعودتها، وما يحصل في المعضمية، نموذج بسيط عن غيابها. النظام، وعدا عن استغلاله "مصالحة" المدينة إعلامياً، منع عنها جميع النشاطات الإغاثية، والمدنية، وأجبر جميع المنظمات العاملة في دمشق، بما فيها الأممية، بأن تعمل عبر قنواته، وأهمها "الأمانة السورية" التابعة لزوجة الرئيس أسماء الأسد، والتي تستفيد من ملايين الدولارات التي تنفقها "الأمم المتحدة" والدول المانحة في سوريا، لتمويل النظام.

في المعضمية، يتوقع حالياً ازدياد عدد السكان، بعد إعطاء أهالي منطقة بساتين الرازي المجاورة لداريا، والمقدر عددهم بقرابة 15 ألف نسمة، مهلة قصيرة جداً للرحيل عنها، وترك أرضهم. ومن المتوقع أن تكون المعضمية، وجهتهم الأولى، حيث لا عمل ولا ثورة ولا دولة، لكنها حتماً تقع في "سوريا المفيدة".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها