الأربعاء 2022/08/31

آخر تحديث: 11:12 (بيروت)

تهريب البشر داخل"الفيدراليات السورية":بزنس "قسد" و"الجيش الوطني"

الأربعاء 2022/08/31
تهريب البشر داخل"الفيدراليات السورية":بزنس "قسد" و"الجيش الوطني"
increase حجم الخط decrease
تنشط حركة الهجرة وتهريب البشر بشكل كبير بين المناطق الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وفصائل "الجيش الوطني" في شمال شرق سوريا، لأسباب متعددة وفي مقدمها، انهيار الوضع المعيشي والخدمي وعمليات التجنيد الإجباري، عبر ممرات وطرق تسيطر عليها شبكات تهريب متمرّسة في المنطقة.

ومنذ شهر آذار/ مارس عام 2020، قُيّدت حركة عبور المدنيين بين المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة وبشكل خاص المعروفة باسم "نبع السلام" التي تشمل مدن تل أبيض في ريف الرقة ورأس العين في ريف الحسكة على الحدود السورية التركية، وتلك التي تسيطر عليها "قسد" شمال شرق سوريا، مما أجبر السكان على التنقل عبر خطوط التهريب بما تحمله من مخاطر واستغلال.

ويُمنع التنقل بين الأراضي التي يسيطر عليها "الجيش الوطني" و"قسد"، وهما فصيلان متصارعان يسيطران على مناطق سورية متاخمة، رغم أن المواطنين من الطرفين سوريون، ما أدى لتنامي عمليات التهريب، الأمر الذي استفادت منه القوى العسكرية المسيطرة، بعد أن تحولت خطوط التهريب إلى مصدر تمويل تدر ملايين الدولارات شهرياً.

التهديدات الأمنية والفقر
وتصاعدت وتيرة الهجرة من مناطق سيطرة قسد باتجاه منطقة "نبع السلام" خلال الأسابيع القليلة الماضية، جراء تفاقم الأوضاع المعيشية وانهيار الخدمات مع تفشي الجوع والبطالة، فضلاً عن حملات التجنيد المستمرة التي تشنها "قسد"، بهدف سوق الشباب وزجّهم على جبهات القتال.

ويشير الناشط أسامة الضيغمي، في حديث لـ"المدن"، إلى سبب آخر ساهم بزيادة أعداد الفارين من مناطق سيطرة "قسد"، متمثلاً بالخوف من اتفاق قد يتم بين النظام السوري وتركيا لاجتياح مدنهم، خصوصاً وأنها تؤوي مئات المطلوبين للنظام السوري بسبب مشاركتهم بالثورة.

ويضيف: "تزايد التهديدات الأمنية دفع المترددين إلى اتخاذ قرار الخروج نحو مناطق سيطرة الجيش الوطني، وبشكل خاص منطقة نبع السلام، بسبب صعوبة الوصول إلى أرياف حلب جراء الانتشار العسكري المكثف وخطورة الطرق الواصلة باتجاه مدينة جرابلس وبلدة الغندورة بريف حلب الشرقي "مناطق درع الفرات". 

التهريب على مراحل
تتجمع عشرات العوائل بشكل شبه يومي في القرى المتاخمة لمناطق سيطرة فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، استعداداً للعبور نحو مدينة تل أبيض ورأس العين، حيث يكون هدف الغالبية منهم دخول الأراضي التركية رغم صعوبة الأمر وتعقيده.

وتتولى شبكات التهريب في المنطقة عملية النقل من مناطق سيطرة "قسد"، عبر خطوط المواجهة ضمن مسافة لا تتجاوز الثمانية كيلو مترات، وتسمى بالمنطقة المحرمة، وغالباً ما تكون هذه المناطق عبارة عن أراض زراعية مكشوفة، لتتسلمهم سيارة تكون بانتظارهم على الجهة المقابلة ضمن مناطق سيطرة فصائل الجيش الوطني.

حسين العلي من سكان مدينة الحسكة ويقيم في ولاية أورفا التركية، أكد في تصريح لـ"المدن" حصوله على ضمانات من قبل المهرب بسلاسة الطريق وتعاونه مع قوات "الأسايش" التابعة للإدارة الذاتية، وفصائل المعارضة، قبل أن يأتمنه على خروج عائلته باتجاه مدينة رأس العين تمهيداً لدخولها الأراضي التركية.

ويشرح حسين آلية التهريب قائلاً: "هناك ثلاث مراحل للتهريب، الأولى من مدينة الحسكة باتجاه قرية التجمع وهذه تكلفتها 30 دولار أميركي عن كل فرد، ثم المرحلة الثانية حيث يتم تسليمهم لمهربين في القرية وغالباً ما يتبعون لقوات الأسايش، ليقوموا بتسجيل أسماء المغادرين وقبض مبلغ 100 دولار أميركي عن كل شخص، وبعدها تبدأ المرحلة الثالثة والأخطر وهي العبور نحو مناطق نبع السلام، رغم أن المسافة يحتاج قطعها بالسيارة حوالي خمس دقائق، ليتسلمهم متعاونون مع المهربين على الجهة المقابلة والمقابل أيضاً 100 دولار عن كل شخص".

ويضيف حسين، الذي لا تزال عائلته عالقة في مدينة رأس العين: "منذ أسبوع وعائلتي تعيش في منزل يتبع لفصيل عسكري وهو المسؤول عن عملية تهريبهم إلى تركيا، والإقامة مأجورة بطبيعة الحال، ورغم فشل العديد من المحاولات إلا أننا لا نزال ننتظر الفرج الذي لا يبدو سهلاً حيث تفشل الغالبية العظمى من محاولات التهريب إلى تركيا في الوقت الحالي".

خطوط التهريب
ورغم محاولات الجيش التركي الحد من عمليات تهريب البشر إلى مناطق نفوذه، من خلال حفر الخنادق على طول جبهات القتال، وبشكل خاص المناطق التي تنشط فيها حركات التهريب، جنوب مدينة تل أبيض في ريف الرقة ومدينة سلوك في غرب الحسكة، إلا أن حالات العبور آخذة بالتزايد.

ناشطون محليون أكدوا لـ"المدن" أن عمليات التهريب تجري بواسطة القوى العسكرية التي تسيطر على المنطقة (الجيش الوطني وقسد) وذلك عبر وسطاء مهمتهم نقل المدنيين إلى قرى التجمع فقط، ومنعهم أي عملية تهريب تقوم بها شبكات مستقلة.

في السابق، كانت عمليات التهريب تديرها شبكات محلية بعد دفع مبالغ مالية للحواجز العسكرية المنتشرة على طول طريق التهريب، إذ كانت تبلغ تكلفة عبور الشخص 100 دولار فقط. ومع نشاط حركة التهريب، سيطر العسكر على هذه التجارة التي تدر مئات آلاف الدولارات شهرياً، ليرتفع المبلغ إلى 200 دولار مقابل الأمان والسهولة الذي باتت عليه طرق العبور أخيراً.

لكن الناشط عبد الملك ناصر من مدينة الحسكة، أكد ارتفاع معدلات الاعتقال والاختطاف مقابل طلب الفدية بعد هيمنة العسكر على خطوط التهريب، فضلاً عن حالات النهب التي بات يتعرض لها المدنيون. 

ويقول الناصر: "عمليات التهريب خارج شبكات القوى العسكرية تكاد تكون معدومة، ما يعني مرور الجميع وحتى المطلوبين أمنياً على حواجز قسد، لتتم عمليات الاعتقال بهدف الابتزاز المادي للمطلوبين وطلباً للفدية من الأغنياء، وهو الأمر ذاته في مناطق المعارضة التي تزيد فيها معدلات سلب أموال المدنيين من قبل مجموعات عسكرية تتبع للفصائل".

ويضيف الناصر: "مع وصول المدنيين إلى مناطق المعارضة تبدأ المرحلة الثانية من عملية التهريب متمثلة بالوصول إلى الأراضي التركية، خصوصاً وأن فصائل الجيش الوطني تمنع الوافدين من البقاء في مناطقها لدواع تصفها بالأمنية".

وعن حقيقة هذه الادعاءات، لا ينكر الناصر تردي الوضع الأمني في مناطق "نبع السلام"، إلا أنه يؤكد أن هذه الادعاءات تحمل جوانب أخرى، تتمثل "باحتكار الفصائل خطوط التهريب إلى تركيا وارتفاع تكلفتها التي تصل لبعض الحالات إلى 4000 دولار أميركي".

ورغم أن الفشل هو مصير النسبة الأكبر من محاولات التهريب إلى تركيا بسبب التشديد الكبير لقوات حرس الحدود، والتعامل الحازم من جانب الأمن التركي الذي لا يتوانى عن إطلاق النار ما أدى لمقتل العشرات من الراغبين بتجاوز الحدود هرباً من الواقع المأساوي في سوريا، إلا أن الرغبة في التوجه إلى أوروبا عبر تركيا هو الدافع الرئيسي لهؤلاء.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها