الإثنين 2022/07/18

آخر تحديث: 13:44 (بيروت)

هل يمسح بوتين ما كتبه بايدن؟

الإثنين 2022/07/18
هل يمسح بوتين ما كتبه بايدن؟
روسيا وإيران ستضغطان على تركيا لمزيد من التعاون، لنسج تفاهمات النفوذ في الساحة السورية (غيتي)
increase حجم الخط decrease
من المفترض ان تشهد المنطقة في الايام القليلة المقبلة، زيارة مفصلية جديدة على غرار الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي جو بايدن الى إسرائيل والسعودية، هي زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى العاصمة الإيرانية طهران. وعلى غرار القمة التي عقدها بايدن في مدينة جدة السعودية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي والاردن ومصر العراق، فإن طهران ستشهد عقد قمة ثلاثية، هي امتداد لمسار أستانة، بين بوتن والرئيسين الإيراني ابراهيم رئيسي والتركي رجب طيب أردوغان.
وفي حين حملت قمة جدة عنوان الأمن والتنمية، سعى الجانب الأميركي للحصول على وعود خليجية تتعلق برفع مستويات انتاج النفط والغاز، قد تساعده أولاً في تهدئة الرأي العام الأميركي وتكبح المسار التراجعي للحزب الديموقراطي في الانتخابات النصفية للكونغرس في تشرين الثاني/نوفمبر، وثانياً تعمل هذه الزيارة على سد حاجات الأسواق العالمية، وتهدئة المخاوف الأوروبية من تداعيات الأزمة التي تمر بها اقتصادات هذه الدول. وذلك من دون التوصل إلى رؤية واضحة وحاسمة في التعامل مع مصادر القلق الأمني لدول المنطقة جراء تصاعد مخاوفها من حجم الدور والنفوذ الإيراني، فضلاً عن الغموض المحيط بطموحات طهران النووية، باستثناء العودة الى تكرار الموقف التقليدي للإدارات الأميركية بعدم السماح للنظام الإيراني بامتلاك سلاح نووي بأي شكل من الاشكال. 
في المقابل، فان بوتين يأتي الى طهران، متسلحاً بالعلاقة التي نسجها مع النظام الايراني، وسمحت بتنسيق المواقف المشتركة بينهما من مختلف الأزمات الاقليمية والدولية، وساعدت في استيعاب الارتدادات السلبية للحرب التي شنتها موسكو ضد أوكرانيا، خصوصاً في ما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها.
وعلى العكس من الزيارة البروتوكولية للرئيس الأميركي، فان نظيره الروسي سيعمل على تعزيز التحالف مع النظام الايراني ورفع مستوى التنسيق في الملفات المشتركة بشكل اوسع واعمق، سواء ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، او منطقتي القوقاز وآسيا الوسطى وما بينهما الهضبة الإيرانية. 
واذا ما كان ملف الازمة السورية يشكل الموضوع الأساس لهذه القمة، لا سيما أنها تأتي امتداداً لمسار أستانة، فإن الطرفين الروسي والايراني سيضغطان على الشريك التركي لمزيد من التعاون والتنسيق، بهدف التوصل الى تفاهمات حول حدود ومناطق نفوذ كل من هذه الاطراف على الساحة السورية. خصوصاً أن موسكو وطهران لا ترغبان بحصول اي متغيرات جيوسياسية في توزيع مناطق النفوذ على هذه الساحة، في ظل الحديث التركي المتزايد عن امكانية القيام بعملية عسكرية في الشمال السوري بعمق 30 كليومتراً بهدف نقل اللاجئين من تركيا الى داخل الأراضي السورية، بالاضافة الى السعي لإبعاد ما تسميه تركيا الخطر الكردي عن حدودها. 
وقد يكون الطرف التركي مجبراً على التعاون الايجابي مع الموقفين الروسي والإيراني في الساحة السورية، لجهة ما يشعر به من استبعاد عن تطورات المنطقة، وبعد استبعاده عن "القمم" التي عقدها الرئيس الأميركي في زيارته الخليجية، على العكس مما حدث في زيارة سلفه دونالد ترمب. وذلك بعدما فشل في توظيف الانفتاح الذي قام به في الاشهر الاخيرة باتجاه تل أبيب والرياض وأبوظبي، ليكون في صلب المعادلات الاقليمية وعاملا مساعدا في الحلول التي تنتظرها المنطقة. 
ومشاركة الرئيس التركي في قمة طهران، لن تكون ايضاً على حجم الآمال، فهو يذهب الى طهران بالتزامن مع الحديث عن تسارع الحوار بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديموقراطية (قسد)، للتوصل الى تفاهمات حول المستقبل السياسي للمناطق التي تسيطر عليها هذه الجماعة وعلاقتها مع الحكومة المركزية. بالاضافة الى زيادة عديد القوات السورية التابعة لحكومة دمشق وانتشارها في مناطق وجود "قسد"، ما يعني رسالة واضحة من النظام والحليفين الروسي والإيراني بأن الدخول العسكري أو أي عملية امنية تركية في هذه المناطق ستضعه في مواجهة مباشرة مع قوات النظام. 
والى جانب مهمة قمة طهران في تثبيت قواعد الاشتباك والنفوذ بين الفاعلين الثلاثة في الساحة السورية، فإن المتوقع لها أن تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي والتجاري والمالي بين هذه الدول، تحديداً في ما يتعلق بخطوط النقل البري القادرة على ربط تركيا بموسكو عبر إيران، بالاضافة الى تعزيز الدور الذي تلعبه أنقره كنقطة التقاء لخطوط الغاز الروسي والإيراني باتجاه الغرب. الى جانب دورها في تسهيل عمليات فك الحصار عن الموانئ الأوكرانية والروسية لنقل المواد الغذائية وتخفيف ازمة الغذاء العالمية نتيجة الحرب الروسية ضد اوكرانيا. 
وفي موازاة الزيارة غير المعلنة التي قام بها رئيس جهاز الاستخبارات الأميركية وليم برنز الى العاصمة الأرمينية يريفان، فإن نشاطاً واضحاً ومتعدد الوجوه يشهده خط العلاقة بين طهران والعاصمة الأذربايجانية باكو، والزيارات المتبادلة التي تجري بين العاصمتين، سواء على المستوى السياسي والدبلوماسي او على مستوى الأمن القومي، وما يعنيه ذلك من رفع مستوى التنسيق بين الطرفين، ليس بعيداً من أنقره وموسكو، لما تمثله هذه المنطقة وما وراءها في القوقاز وفي اتجاه آسيا الوسطى، من مناطق لتداخل النفوذ والمصالح والادوار، تصب في سياق استكمال ما جرى في طهران في الشهرين الماضيين والمعاهدات التي وقعتها مع أوزبكستان وتركمنستان وطاجيكستان، وتوجت بتفعيل العمل بالاتفاقية الاقتصادية الاستراتيجية مع موسكو خلال زيارة لافروف الاخيرة الى ايران. 
وفي حين لم تحدث زيارة الرئيس الأميركي الى الشرق الاوسط، الخرق الذي راهن على حدوثه كثيرون، سواء في الدفع لتشكيل منظومة أمنية إقليمية، او في إجبار إيران على العودة الى المفاوضات النووية من دون شروط، يبدو ان قمة طهران ستحاول التأسيس لمسار من التعاون الاقليمي بين اطرافها بهدف تكريس دور كل طرف من اطرافها وحدود نفوذه. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها