الإثنين 2022/07/11

آخر تحديث: 14:18 (بيروت)

إيران والعودة الى جدل التفاوض والمصالح

الإثنين 2022/07/11
إيران والعودة الى جدل التفاوض والمصالح
increase حجم الخط decrease
على وقع الجهود الدبلوماسية التي يبذلها وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني لمنع انهيار الحوار الثنائي غير المباشر الذي استضافته الدوحة بين واشنطن وطهران عبر منسق السياسة والامن في الاتحاد الاوروبي جوزب بوريل، عاد النقاش داخل الدوائر المعنية بالقرار الاستراتيجي الايراني حول جدوى هذا الحوار، واي آليات تخدم المصالح الوطنية والقومية لايران في التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية. 
هذا الانقسام حول جدوى وضرورة التفاوض، يدور حول رؤيتين على طرفي نقيض في التعامل والتعاطي مع الاتفاق الموقع عام 2015 مع السداسية الدولية. وقد اتسعت حدة الافتراق بين هاتين الرؤيتين، مع تعثر جهود اعادة احيائه ومعالجة الاثار السلبية التي نتجت عن قرار الرئيس الاميركي السابق دونالد ترمب الانسحاب والعودة الى سياسة العقوبات والحصار الاقتصادي. 
فالرؤية التي تقول بضرورة اعادة احياء الاتفاق باي ثمن كان، غير قادرة حتى الان، على فرض نفسها على صاحب القرار النهائي. لان اصحابها متهمون بالتفريط بالمصالح الاستراتيجية، والوقوع في حبائل الثقة بالغرب واميركا، وقد استطاعوا التأثير على شريحة واسعة داخل المجتمع الايراني، انطلاقا من اعتقادهم بان مجرد اعادة احياء الاتفاق سيعود بالنفع على ايران واوضاع الايرانيين المعيشية والاقتصادية. 
الممسكون بمفاصل القرار ومساراته، يرفضون المنطق او المنطلقات التي تقوم عليها هذه الرؤية، ويعتقدون ان اصحاب هذا التوجه يعانون من ازمة سذاجة في معرفة الطبيعة الاميركية، ما جعلهم يربطون عملية التنمية بضرورة الانفتاح على الولايات المتحدة، وعقد تسوية سياسية واقتصادية معها تسمح بتحريك العجلة الاقتصادية، والاستفادة من الفرص التي توفرها الاستثمارات الاميركية في الاقتصاد الايراني. 
ويرى الرافضون، ان الاسس التي ينطلق منها اصحاب هذا التوجه، لا يأخذون بعين الاعتبار، ان اي دولة لم تحقق تقدما اقتصاديا على اساس التفاوض. وهذا يكشف عن خلل منهجي لديهم في ترتيب الاولويات. خاصة وان تأثير العقوبات على اقتصادات الدول، يأتي في المرتبة الثانية بعد ازمة الثقة بالمعسكر الغربي او الوعود الاميركية والاوروبية. ويستدلون على موقفهم بالتجارب الايرانية والاقليمية، اذ عانت ايران في تسعينيات القرن الماضي اسوأ ازمة تضخم في وقت لم تكن تواجه عقوبات خارجية على غرار ما هو قائم اليوم، اما في تركيا فان اقتصادها يواجه تضخماً غير مسبوق يهدد بانهيار كبير. وكل ذلك نتيجة سياسة تنموية تعتمد على الغرب. 
اما الرؤية الثانية، والتي تعتبر الخلفية التي يقوم عليها موقف الفريق المفاوض، وترتكز على مفهوم الاتفاق العملي، اي ان الشرط لاعادة احياء الاتفاق مرتبط بمدى المنفعة الاقتصادية لايران منه. لذلك فان أياً من اعضاء الفريق المفاوض، وحتى وزير الخارجية، لا يقاربان المفاوضات من زاوية الاتفاق، بل من زواية السعي لالغاء العقوبات المفروضة على ايران، وعلى العكس من الفريق السابق، لا يرى اتفاق عام 2015 وكأنه "فتح الفتوح"، وان التنمية لا يمكن حصرها بالاعتماد على الغرب والثقة به. 
وفي هذا السياق، فان ما تسعى له حكومة ابراهيم رئيسي، وبتوافق جميع اقطابها المعنيين، هو العمل على الغاء تأثير العقوبات، وليس الغاؤها، وهي سياسة او آلية تنسجم مع قراءة هذا الفريق وتقديره للمصالح الوطنية، خاصة ما يرتبط بالابتعاد عن السياسات التي تستجيب لمطالب الاميركية وما فيها من اثمان ليست في صالح ايران.
وفي ظل تمسك جميع الاطراف، سواء ايران او عواصم السداسية الدولية، او العواصم الناشطة على خط الوساطة وتسهيل عملية التواصل بين اطراف الازمة، بضرورة استمرار المفاوضات والاستجابة للجهود الدبلوماسية الساعية لاعادة تفعيلها، وعدم التوقف عند الانتكاسة غير القاتلة التي انتهت اليها جولة الحوار غير المباشر في الدوحة. الا ان الفريق الايراني المعني بهذه العملية،  لا ينظر الى نتائجها بشكل مجرد، بل يتوقف عند ما يصفه موقع الولايات المتحدة العملي، والذي يساعد على سد جزء من الضعف الذي يعاني منه الاتفاق النووي، وبالتالي يوفر الارضية لافشال اهداف العقوبات. 
فالاوضاع الاميركية، حسب هذه الرؤية، تختلف عما كانت عليه في العقد السابق، في حين ان الوضع الايراني مع الفريق الحاكم الحالي، افضل حالاً من السابق، ما يجعل واشنطن بحاجة حقيقية لاعادة احياء الاتفاق، وان سلوكها الحالي في اطالة التفاوض يهدف لتحميل ايران المسؤولية امام المجتمع الدولي، واجبارها على تقديم التنازلات. واذا ما استمرت هذه الاوضاع ولم تستطع واشنطن تحقيق اي نجاح، عندها فان الفريق الايراني المفاوض سيكون قادرا على الحاق الهزيمة بالمفاوض الاميركي.  
ويعتقد اصحاب هذه الرؤية، ان امكانية فرض الشروط على المفاوض الاميركي ليست بعيدة المنال، اذا ما تم توظيف الاوضاع الدولية بالشكل الصحيح، لجهة ان واشنطن بحاجة الى خطوات سريعة من اجل اعادة التوازن الى اسواق النفط والطاقة التي كانت السبب في ارتفاع مستويات التضخم، فضلا عن الحائط المسدود الذي اصطدمت به سياسة العقوبات، بعد ان استطاعت ايران كسر هذه العقوبات، وفشلها في تحقيق اهدافها مع روسيا نتيجة الحرب الاوكرانية. 
من هنا، فان التوصل الى نتائج ايجابية في اي مفاوضات، بعيدا عن الجانب الفني المتعلق بعمليات التخصيب وعودة الرقابة الدولية والالتزام بشروط الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فان الجانب الاقتصادي سيكون الورقة التي من الصعب ان يتخلى عنها الفريق الايراني في اطار ما يسمه مفاوضات الغاء العقوبات والاستفادة من النتائج الاقتصادية. خاصة وان طهران باتت قادرة على تأمين البدائل الاقتصادية لفشل المفاوضات، بعد ان استطاعت فتح قنوات تجارية واقتصادية مع دول الجوار وباتجاه اسيا الوسطى والصين والهند وروسيا، فضلا عن حاجة الاسواق والاقتصادات العالمية للنفط والغاز الايراني لسد ما يعانيه من عجز ونقص نتيجة الحرب الاوكرانية والعقوبات على روسيا. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها