الإثنين 2022/08/08

آخر تحديث: 14:34 (بيروت)

بين فيينا وغزة:بدأت التسوية الاميركة الايرانية؟

الإثنين 2022/08/08
بين فيينا وغزة:بدأت التسوية الاميركة الايرانية؟
© Getty
increase حجم الخط decrease
أن تتزامن تصريحات وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الهرار عن عدم نهائية المواعيد التي سبق أن حددتها لبدء ضخ الغاز المستخرج من حقل كاريش، مع وصول المفاوضين الأميركي روبرت مالي والإيراني علي باقري كني الى فيينا لعقد جولة ثانية من المفاوضات الثنائية غير المباشرة الهادفة الى إعادة إحياء الاتفاق النووي، هو تزامن يطرح الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، وينقل الموقف المتوتر والتهديدات المتبادلة بين أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله والقيادات الإسرائيلية، والوساطة التي يقوم بها المبعوث الأمييركي عاموس هوكشتاين بين بيروت وتل أبيب، الى مستوى آخر، يربط بين هذه التغييرات والمواقف التصعيدية والتهديدات، والجهود الدولية لإيجاد حلول لأزمة الطاقة وتراجع الامدادات الروسية الى الاسواق الأوروبية من الغاز والنفط قبل دخول سلاح الصقيع الروسي ميدان المعركة بعد أقل من شهرين.
ليس تشكيكاً في نوايا حزب الله وأمينه العام الوطنية واستعدادهم للدفاع عن المصالح الوطنية اللبنانية، ومنع إسرائيل من الاستحواذ على الثروات اللبنانية وما يعنيه ذلك من سقوط الرهانات على احداث أو حصول انفراجة اقتصادية ومالية تخرج لبنان واللبنانيين من الازمات التي يعيشونها وتهدد بانهيار حقيقي. لكن من باب قراءة المعطيات وربط الابعاد الاستراتيجية وتداعياتها وارتداداتها على الصعيدين الاقليمي والدولي، قد يكون من الصعب الفصل بين ما يجري في فيينا، بين طهران وواشنطن، وبين معركة الطاقة بين الدول الغربية وروسيا، التي تعتبر الوجه الآخر للمعركة العسكرية التي تشهدها أوكرانيا. والتغييرات التي تسعى موسكو لتحقيقها في تكريس دورها كشريك في إدارة النظام العالمي مع واشنطن، وما تسعى له واشنطن في إنهاء أو تحييد الدور الروسي وحصره داخل حدوده بعيدا عن العمق الاستراتيجية للولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي ودور حلف شمال الأطلسي (ناتو) على الساحة الدولية. 
دخول الشريك الروسي بشكل صريح وواضح على مسار جولة التفاوض الثنائي غير المباشر بين واشنطن وطهران، تكشف عن وجود مخاوف حقيقية لدى القيادة الروسية من إمكانية توصل الطرفين الى تفاهمات تسمح وتساعد على اعادة احياء الاتفاق النووي وتعيد طهران الى الأسواق العالمية خاصة قطاع الطاقة واسواق النفط والغاز، وما يعنيه ذلك من تداعيات سلبية على الرهانات الروسية في استخدام ازمة الطاقة الدولية في فرض شروطها السياسية والاستراتيجية على واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبي وقيادة الناتو. 
بغض النظر عما ستسفر عنه الجولة الجديدة للمفاوضات في فيينا، واحتمال ان تتحقق أمال مفوض السياسة الأوروبية بوريل بالتوصل الى اتفاق بين الطرفين يسمح بإعادة تفعيل الاتفاق، وبعيداً عما قد يتضمنه هذا التفاهم، وهل سيبقى في حدود الاتفاق القديم أم سيتضمن نقاطا جديدة يطالب بها الطرفان لسد الفراغات التي حصلت في اتفاق 2015، فإن المواقف الروسية على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف عن ضغوط أميركية لإجبار إيران للتوقيع على ما أسماه "اتفاقاً جديداً" وما فيه من تنازلات محتملة، يعني أن موسكو تخاطب من خلال هذه المواقف الطرفين الإيراني والأميركي على حد سواء. 
فهي تسعى للحصول من الأميركي على تأكيد جديد بأن لا ينعكس الاتفاق بينها وبين طهران على مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية التي سبق أن عقدتها مع طهران، وكان السبب في عرقلة التوقيع قبل أشهر على التفاهمات التي تم التوصل اليها لاعادة احياء الاتفاق، بعد أن طلبت ضمانات أميركية مكتوبة. 
ومن ناحية اخرى تسعى لاستثارة الخلافات الداخلية في ايران بين فريقي السلطة المؤيدة لإحياء الاتفاق والمعارض له، من خلال الحديث عن اتفاق جديد على حساب الشروط الايرانية التي تطالب بإخراج قوات الحرس الثوري من اللائحة السوداء للمنظمات الارهابية، والحصول على ضمانات بازالة جميع العراقيل التي تحول دون استفادة إيران من الحصول على العائدات المالية لبيع نفطها وعملياتها التجارية مع دول العالم، فضلا عن ضمانات بأن لا تتعرض الاستثمارات الخارجية لأي نوع من العراقيل الأميركية. 
ويبدو أن النظام والمؤسسات المعنية بالقرار الاستراتيجي، لن تعير هذه المرة الأصوات المعترضة الكثير من الاهتمام، خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية الداخلية والأزمات التي تواجهها السلطة التنفيذية في إدارة ملفاتها الاقتصادية والمطلبية التي تتصاعد كل يوم من ناحية. التطورات المتسارعة التي تشهدها مناطق نفوذها في الاقليم من ناحية اخرى، وتحديداً على الساحتين العراقية والفلسطينية، هي، وعلى الرغم من التفاهمات التي عقدتها مع الادارة الأميركية في مطلع حزيران/يونيو، لتمرير بعض الاستحقاقات الاقليمية. ولعل دخول السفينة اليونانية الى حقل كاريش في اليوم التالي من هذا اللقاء يشكل مؤشراً على جدية هذه التفاهمات، فضلاً عن التفاهم على ترتيب الساحة العراقية ومنع اي انفجار او انهيار أمني. الا أن حراك التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر الذي بدأ يأخذ طابعا عدائيا لم يعد يتقصر على حلفاء طهران، بل بات يستهدف علنا ومباشرة النفوذ والدور الإيراني، ويسعى لاخراج كل القيادات السياسية الحليفة معها عن المسرح السياسي. ويبدو أن الصراع بين المعسكرين الشيعيين العراقيين، قد يفرض على طهران تقديم تنازلات لتمرير تسوية لا تكسر الاطار التنسيقي الشيعي، ولا تعطي الصدر انتصارا كاملا مكتملا.
ودخول التصعيد العسكري في قطاع غزة بين اسرائيل وحركة الجهاد الاسلامي، وبعيداً عن تبسيط خلفياته وحاجة الفريق الحاكم في تل ابيب لتحسين شروطه الانتخابية، سيما وأن الاستهداف يطاول الفريق الاقرب والأكثر ولاء وانسجاماً مع المحور الايراني بين الفصائل الفلسطينية، يعني إن تداعياته لن تكون بعيدة عن ترتيبات المرحلة المقبلة بين طهران وواشنطن والتي تشمل كامل منطقة غرب آسيا بمحورية اقليم الشرق الاوسط، وهو ما يشكل مصدر قلق للحليف الروسي، وانعكاسات التقارب والانفتاح على واشنطن على حجم الحاجة الإيرانية لموسكو، بحيث تكون أكثر تحررا من الضغوط التي دفعتها للحضنين الروسي والصيني في المرحلة السابقة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها