الإثنين 2022/08/15

آخر تحديث: 13:12 (بيروت)

هل تُسقط ثنائية بولتن-رشدي الاتفاق النووي؟

الإثنين 2022/08/15
هل تُسقط ثنائية بولتن-رشدي الاتفاق النووي؟
© Getty
increase حجم الخط decrease
في الأشهر القليلة التي فصلت بين هجوم 11 سبتمبر/أيلول والاستعداد والإعداد للهجوم على افغانستان واحتلالها تحت عنوان: "الحرب على الارهاب"، شهدت العلاقة بين واشنطن وطهران حالة من التنسيق والتعاون غير المعلن. كانت نتيجته تبني إيران لموقف "الحياد الإيجابي" في التعامل مع العملية العسكرية الأميركية على حدودها الشرقية، وصل حد السماح للطيران الحربي الأميركي باستخدام الاجواء الايرانية في حالات الطوارئ أو التعرض لأي استهداف.
هذا التعاون لم يقتصر على أيام العملية العسكرية ومقتضياتها الميدانية والعملانية في الزجّ بالفصائل الافغانية المتعاونة مع إيران والمقربة منها في تحالف الشمال بقيادة برهان الدين رباني، بل استمر وتوسع في الحوارات واللقاءات والمؤتمرات التي عقدت في أكثر من عاصمة دولية (بون وطوكيو) لبحث مستقبل العملية السياسية في أفغانستان بعد طالبان، حيث لعب النظام الإيراني الذي تولى محمد جواد ظريف تمثيله دوراً محوريا في تقريب وجهات النظر بين القوى الشيعية الممثلة لقومية الهزارة والقوى الآخرى الممثلة للقوميات الآخرى من طاجيك وبشتون وأوزبك وغيرها، وتحولت الى ضامن، على الأقل عن الهزارة والطاجيك، في تسهيل الانتقال السياسي.
لم يستمر هذا التعاون وجهود ترميم الثقة بين الطرفين طويلاً، إذ صدم العالم بخروج الرئيس الأميركي حينها جورج دبليو بوش ليتهم إيران بدعم الإرهاب، ويصنفها ضمن دول محور الشر. وقد جاء الموقف الأميركي بعد مصادرة باخرة "كارين ايه" المحملة بالأسلحة، والتي انطلقت من الشواطئ الإيرانية باتجاه قطاع غزة في فلسطين، والحركة الاستعراضية التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها أرييل شارون عندما عرض هذه الأسلحة على وسائل الاعلام واتهم إيران مباشرة بالوقوف وراء عملية التهريب هذه. ليمارس بعدها دوراً سلبياً، باعتقاد طهران، لقطع الطريق على أي تقارب بين الطرفين، والذي قد يكون على حساب المصالح الإسرائيلية في المنطقة. 
ويمكن القول، وبناء على هذه القراءة الإيرانية، أن شارون استطاع تحقيق الهدف الذي أراده، قبل ان تعود الحرارة لهذا المسار التعاوني مع التحضيرات الأميركية لشن الهجومه على العراق واحتلاله عام 2003، وتعود طهران لاعتماد الموقف نفسه الذي اعتمدته في أفغانستان "الحياد الإيجابي" وتكرار التجربة نفسها أيضاً بعد ان ادركت ان هذا التعاون لم يشكل عاملاً مساعداً في تعديل الموقف الأميركي، خاصة وانها لمست وجود نوايا لمحاصرتها عسكرياً وارتفاع احتمالات توجيه ضربة عسكرية لها بعد ان وقعت بين فكي كماشة قوامها 300 ألف جندي من الشرق والجنوب الغربي.
ان يتكرر اليوم سيناريو "كارين ايه" هو ما يقلق الأوساط السياسية الايرانية، الموالية والمعارضة. لذلك نجد ان القوى المتشددة والعقائدية التي تعلن وتؤكد التزامها بتعاليم المؤسس الإمام الخميني، قد لاذت بالصمت، والتردد بين ان ترحب وتحتفل بعملية اغتيال الكاتب البريطاني من أصول هندية سلمان رشدي تنفيذاً لفتوى هدر دمه التي سبق أن اصدرها زعيم الثورة عام 1989، وان تسكت حتى لا تقدم ذريعة للإدارة الأميركية التي وقعت على أرضها عملية الاغتيال، للتصعيد والعودة الى سياسة التشدد والمحاصرة وتعطيل المسار التفاوضي الذي اقترب من النهايات المرضية لكلا الطرفين لإعادة احياء الاتفاق النووي وألغاء العقوبات الاقتصادية.
التفسير الذي يشكل أرضية مشتركة لكل الأطراف الداخلية الإيرانية، يذهب الى اتهام جهات متضررة من قرب الانتهاء من أزمة المفاوضات والبرنامج النووي بالوقوف وراء استهداف رشدي في هذه اللحظة المصيرية، ولا تتردد هذه الأطراف بتوجيه الأصابع الى اسرائيل، باعتبارها المستفيد الأول والأكبر من تخريب المفاوضات وإفشال الاتفاق وعرقلة جهود إيران بالعودة الى تطبيع علاقاتها مع المجتمع الدولي، مستندة في توجيه هذا الاتهام إلى الموقف الذي صدر عن الرئيس الاسرائيلي الذي اعتبر "الاعتداء على سلمان رشدي هو اعتداء على حرياتنا وقيمنا، انه نتيجة عقود من التحريض الذي قاده النظام المتطرف في طهران..".
عملية اغتيال رشدي، طغت أو غطت على مسار تصعيدي أصعب بين واشنطن وطهران، بدأ بالتبلور في الأيام الاخيرة على خلفية الكشف عن مساعٍ قام بها "شهرام بورصفي أو مهدي رضائي" أحد أعضاء حرس الثورة حسب الرواية الأميركية، لتجنيد أحد الاشخاص داخل الولايات المتحدة ليقوم بمهمة رصد وقتل جون بولتن مستشار الأمن القومي الأسبق في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب مقابل الحصول على مبلغ 300 الف دولار أميركي.
وعلى الرغم من ان الشخص الذي من المفترض ان يكون المجنّد لتنفيذ هذه المهمة قد قدم المعلومات للأجهزة الأمنية الأميركية عام 2020 قبل الذكرى السنوية الاولى لاغتيال قاسم سليماني (3/1/2020)، لكن العملية تستهدف مواطناً أميركياً سبق ان شغل موقعاً متقدماً في الدولة والإدارة، وبالتالي قد تتخذ الإدارة إجراءات عقابية ضد الجانب الإيراني كما حصل في العديد من الحالات المشابهة في السنوات الماضية، خاصة وأن المتهم إيراني على العكس من منفذ عملية الطعن ضد رشدي اللبناني الاصل، ما يسهل لطهران والنظام التنصل من المسؤولية عن العملية، التي تندرج في خانة تطبيق الفتوى الدينية التي سبق ان أصدرها زعيم الثورة وعاد وأكد عليها المرشد الحالي علي خامنئي عام 1989، بعد توليه قيادة الثورة ومنصب ولي الفقيه على الرغم من قدرته على تعطيل العمل في هذه الفتوى تحت عناوين فرعية فقهية تسمح له بذلك ومن باب تقدير المصلحة الإسلامية.
تراهن طهران على قدرتها على تجاوز هذا المأزق، من خلال تفريغ سردية اغتيال بولتن لضعف الأدلة، وان تعيد التذكير بتفاهمات سابقة جرت بينها وبين لندن حول تعطيل العمل بفتوى رشدي وآياته الشيطانية، الا انها قد تكون عاجزة عن تسويغ وجود إصرار لدى بعض قيادات حرس الثورة على الانتقام لسليماني، وتمسك وجهات متشددة بتطبيق الفتوى بحق رشدي طالما لم تصدر فتوى جديدة واضحة بتعطيل الأولى.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها