الإثنين 2022/06/06

آخر تحديث: 14:26 (بيروت)

إيران بين التنازل وعودة العقوبات!

الإثنين 2022/06/06
إيران بين التنازل وعودة العقوبات!
increase حجم الخط decrease
الاجواء السلبية والحديث عن وصول المفاوضات الى طريق مسدود، تأتي نتيجة لعدم استغلال الاطراف المعنية للنافذة التي فتحتها زيارة مساعد مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي انريكه مورا الى طهران، وجرعة الامل التي بثتها المباحثات التي اجرها امير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد مع المرشد الاعلى للنظام الايراني، وكل المواقف الايجابية التي صدرت عن المسؤولين الايرانيين، سواء رئيس الجمهورية خلال زيارته الى سلطنة عمان، او وزير الخارجية حسين امير عبداللهيان وامين المجلس الاعلى للامن القومي علي شمخاني، وحتى منسق المجلس الاعلى للسياسات الخارجية والاستراتيجية كمال خرازي، والتي تمحورت حول تمسك ايران بالمفاوضات، وامكانية التوصل الى اتفاق مستدام، اذا ما اتخذت الولايات المتحدة الامريكية خطوة حاسمة ذات طابع سياسي، من المفترض ان تلاقي الخطوات التراجعية التي قامت بها طهران من اجل تدوير الزوايا وقطع الطريق على اعلان "وفاة الاتفاق والمفاوضات". 
هذا جانب من قراءة طيف واسع من قوى السلطة والتيار المحافظ التي مازالت تراهن على امكانية استئناف المفاوضات، في حين ان الاصوات الداعية لوقف التفاوض وعدم جدوى الاستمرار فيها، والمتمثلة بجناح المحافظين الجدد، الذي بدأ اكثر جراءة من السابق في الدفع باتجاه الضغط على الحكومة والفريق المفاوض لمنع اي نوع من التنازلات، خاصة في موضوع العقوبات على حرس الثورة، بعد سلسلة الاغتيالات التي تعرض لها ضباط كبار في قوة القدس العاملة في الاقليم، او ما تسرب من معلومات عن اعتداء بطائرة مسيرة على موقع بارتشين شرق العاصمة طهران الذي يستخدم في تطوير الصواريخ والطائرات المسيرة ومقتل احد المهندسين فيه. 
التشدد الامريكي في عدم التعامل مع الايجابية الايرانية الهادفة الى تحريك المفاوضات، بدأ ينتقل الى مرحلة تضييق الخناق على المفاوض الايراني، وفرض مزيد من التنازلات عليه، من دون اي مؤشر جدي على امكانية العودة الى فيينا وطاولة التفاوض. فالتقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي تحدث عن عدم حصول الوكالة على الاجابات المطلوبة والمقنعة حول مصادر التلوث الاشعاعي في ثلاثة مواقع ايرانية لم يسبق ان اعلن عن وجودها للوكالة، جاء متعارضا مع نتائج الزيارة التي قام بها مدير الوكالة رافايل غروسي الى طهران مطلع اذار الماضي 2022، التي اكد  فيها ان ايران ابدت تعاونا في اقفال هذا الملف، وهو ما ساعد الطرفين، الوكالة الدولية وايران، في الحديث عن الانتهاء من الجانب الفني للاتفاق. 
عودة مجلس حكام الوكالة الدولية الى دائرة الجدل حول البرنامج النووي، بناء على تقرير الوكالة، يترافق مع معلومات سربتها تل ابيب عن ارتفاع مخزون ايران من اليورانيوم المخصب بدرجة 60 في المئة الى نحو 43 كيلوغرام، وان صناعة القنبلة النووية بحاجة الى 60 كليوغرام، قد تكون طهران قادرة على انتاجها بسرعة، في وقت تؤكد الوكالة الدولة ان مخزون طهران من اليورانيوم بدرجة 3.57 في المئة تجاوز 18 مرة الكمية المسموح بها لايران والتي لا تتعدى 150 كيلوغرام او اقل. 
امكانية ان يصدر مجلس حكام الوكالة قرارا يدين ايران ويتهمها باخفاء معلومات وانشطة عن الوكالة ومفتشيها، يعيد المفاوضات الى المربع الاول الذي عمل الفريق الايراني السابق بقيادة وزير الخارجية حينها محمد جواد ظريف على اقفاله، وبالتالي قد يفتح الطريق على خطوة دراماتيكية، يقوم من خلالها مجلس الحكام باحالة الملف او القرار مرة جديدة الى مجلس الامن الدولي، ما يفتح الامور حينها على واحد من احتمالين. 
اما ان يذهب مجلس الامن الى مطالبة ايران بالالتزام بتعهداتها في معاهدة الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل وفتح جميع منشآتها امام مفتشي الوكالة الدولية، واعادة تفعيل بروتوكول التفتيش المباغت. اي ابقاء الامور في مستوى الضغوط السياسية، دون اجراءات عملية.
واما ان يدين ايران، وبالتالي اللجوء الى تفعيل آلية الزناد او سناب باك التي نص عليها القرار 2231 الراعي للاتفاق النووي او "خطة العمل المشتركة الشاملة"، ما يعني اعادة تفعيل العقوبات التي كانت مفروضة على ايران في القرارات الاربعة لمجلس الامن، والتي يقع جزء منها تحت البند السابع، من دون ان يكون حليفا ايران في مجلس الامن، الروسي والصيني، قادرين على تعطيل هذه الالية بناء على شروط القرار الراعي للاتفاق. 
تحاول طهران التقليل من الاثار او التداعيات السلبية المحتملة لقرار الوكالة الدولية او القرار المحتمل لمجلس الحكام، الا انها لا تشكك في امكانية ان يؤثر ذلك على الجهود المبذولة لاستئناف المفاوضات، وقد يدفع بها الى الموت او اعلان فشلها، وما فيه من فتح الامور على جميع الاحتمالات والامكانات. 
الا ان التحدي الاكبر الذي سيشكل اختبارا لقدرة ايران على مواجهة الضغوط الامريكية الجديدة، هو قدرتها على الاحتفاظ بالمفاوضات في السياق الذي اسست له منذ انطلاقتها عام 2013 مع الرئيس الامريكي باراك اوباما، وعادت واستأنفتها مع الرئيس جو بايدن في الجولات الثماني قبل تعليقها ودخولها في نفق المصير المجهول مبدئيا، اي التفكيك بين الملف النووي والملفات الاخرى، وتحديدا ملفي النفوذ الاقليمي والبرنامج الصاروخي، وبالتالي تعطيل الضغوط الاسرائيلي من ناحية، وعودة الحديث عن امكانية عودة واشنطن لمطلب اشراك دول الجوار العربي الخليجي في المفاوضات من ناحية ثانية. لان التراجع امام هذه المطالب سيكون بمثابة هزيمة استراتيجية للنظام الذي تمسك بمبدأ فصل الملفات في المفاوضات، بالاضافة الى ما سيشكله من هزيمة للفريق المفاوض الجديد، وفشله في توظيف جميع الفرص التي سنحت امامه لانهاء هذه الازمة، خاصة امكانية استغلال الازمة الاوكرانية لتحقيق انجازات تعوض جزءا كبيرا من الخسائر الاقتصادية التي لحقت به جراء العقوبات. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها