الأحد 2022/05/08

آخر تحديث: 11:41 (بيروت)

واشنطن تحاصر طهران

الأحد 2022/05/08
واشنطن تحاصر طهران
الازمة المعيشية تضع حكومة رئيسي في موقف حرج امام الرأي العام (غيتي)
increase حجم الخط decrease
القانون الذي اقره الكونغرس الاميركي بغرفتيه "النواب" و"الشيوخ" والذي يقيد امكانية او احتمالية استجابة الرئيس الاميركي الى المطلب الايراني باخراج قوات حرس الثورة من لائحة المنظمات الارهابية، يضعه في مواجهة مع المشرعين الاميركيين في حال قرر عدم التوقيع عليه، وما في ذلك من انعاكسات سلبية على الديمقراطيين في الاشهر القليلة ما قبل الانتخابات النصفية للكونغرس، بعد ان بات طموح الحزب الديمقراطي الحفاظ على ما في يده من مقاعد وعدم خسارتها لصالح الحزب الجمهوري المتربص بالرئيس جو بايدن وفريق عمله في مختلف الملفات الداخلية والخارجية. 

المطلب الايراني الذي تعتبره واشنطن من المسائل التي تقع خارج اتفاق عام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة) وجهود احيائه في فيينا، قد يشكل المدخل لاعلان انهيار المفاوضات، بعد رفض طهران القبول بالتقسيم الذي اقترحه المفاوض الاميركي باخراج قيادة الحرس من لائحة الارهاب، وابقاء العقوبات على قوة القدس، الذراع الخارجية للمشروع الاقليمي لايران واداة نفوذها في المنطقة، وهو ما تعتبره طهران محاولة "ليّ ذراع" اميركية لاجبارها على فتح مسار التفاوض على الملفات الاقليمية، ودفعها لتقديم تنازلات تتعلق بأمن المنطقة وحلفائها وتهدئة مصادر قلقهم من الطموحات الايرانية. 

في المقابل، تعتقد طهران ان الموقف الاميركي قد يوصل المفاوضات التي تتمسك بها الى طريق مسدود، ويعيد الامور الى نقطة البداية، ان لم يؤدِ الى نسفها بالكامل، خصوصاً وان القيادة الايرانية تبدو وكأنها غير مستعدة لتقديم تنازلات امام الضغوط الاميركية.

هذا التجاذب بين الطرفين، الاميركي والايراني، وسيرهما على حافة الهاوية، وامكانية دفع المفاوضات الى طريق مسدود او الانهيار، رفعت المخاوف الاوروبية من نتائج هذا التجاذب، في ظل ما تمر به من انعكاسات سلبية للحرب الاوكرانية، والتي قد تدفع طهران للاصطفاف التام الى جانب المعسكر الروسي وتحالفه مع الصين. 

لذلك، تأتي المبادرة الاوروبية بالزيارة المرتقبة لممثل مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي انريكه مورا الى طهران في الايام المقبلة، في الوقت المستقطع بين الرغبة الدولية في الابقاء على الخيط الرفيع المتبقي من امل استئناف التفاوض، والوصول الى نقطة اللاعودة واعلان وفاة او انهيار المفاوضات.

فطهران تنظر الى زيارة مورا بكثير من التفاؤل، لجهة ما تحمله من امكانية حصول خرق في الموقف الاميركي يعيد تنشيط التواصل، ويسهم في احداث خرق في الحائط المسدود الذي وصلت اليه المفاوضات، بناء على اعتقاد بأن التحرك الاوروبي لا بد ان يكون قد حصل على اشارات اميركية ايجابية، تسمح للطرفين، الاميركي في تمرير المطلب الايراني باقل ضرر ممكن، والايراني بالحصول على ما يعتبره جزءاً من آليات إعادة احياء اتفاق فيينا، على اعتبار أن العقوبات المفروضة على حرس الثورة اعلنت بعد انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018. 

وعلى الرغم من التعنّت والتمسك الايراني في رفض اي تسوية اميركية لا تتضمن قراراً صريحاً ومباشراً بالغاء العقوبات عن حرس الثورة وقوة القدس، وقد تشكل مخرجاً لانسداد المفاوضات، بعدما أكدت أن العقوبات على الحرس باتت تشكل مطلباً يمسّ الحيثية الوطنية والقومية والاستراتيجية، الا ان الواقع الداخلي والازمات المتشعبة التي ازدادت في الاسابيع الاخيرة، خلافاً للوعود التي اطلقتها حكومة الرئيس ابراهيم رئيسي، وتضافرها مع دخول المحيط الجغرافي الحيوي لايران في اوضاع غير مستقرة نتيجة متغيرات سياسية لا تصب في خدمة المصالح الاستراتيجية للنظام. 

تفاقم الازمة المعيشية وارتفاع الاسعار الجنونية للمواد الغذائية، وضع حكومة رئيسي في موقف حرج امام الرأي العام الرسمي والشعبي، فمن ناحية اتسعت رقعة الانتقادات داخل القوى الموالية للنظام والتيار المحافظ لاداء الحكومة في ادارة الازمة الاقتصادية، وعجزها عن لجم الارتفاع الكبير في الاسعار، ووصلت الى حدود المطالبة بادخال تغييرات على الفريق الاقتصادي للرئيس، بالاضافة الى حراك برلماني لاستجواب الوزراء المعنيين بالوضع الاقتصادي والمالي. 

ولم تفلح الخطوة  التي قام بها رئيسي واستغنائه عن مساعده التنفيذي صولت مرتضوي ورئيس الملف الاقتصادي في رئاسة الجمهورية محسن رضائي، في تهدئة موجة الاعتراضات. في وقت حذر عدد من نواب البرلمان، وتحديدا في لجنة الامن القومي من امكانية حصول انفجار شعبي في الشارع قد يصعب التحكم به والسيطرة عليه نتيجة تردي الاوضاع المعيشية، اذ بات جل هم المواطن في هذه الايام الحصول على ربطتي "معكرونه". 

وعلى الرغم من محاولة رئيسي وفريقه الفصل بين التأثيرات السلبية للانسداد الحاصل في المفاوضات وانعكاسها على انهاء العقوبات، وبين قدرة الحكومة على الالتفاف على هذه العقوبات من خلال تبنّي سياسة الانفتاح على الجوار الايراني المتعدد والمتنوع، الا ان جناحاً في الحكومة والسلطة، يرى ان المخرج والحل الاساس والرئيس للازمة الاقتصادية ومنع الانهيار يمر عبر اعادة احياء المفاوضات والبحث عن مخارج للانسداد الحاصل فيها، ويبدو انه قرر استخدام المؤسسات الدولية، وتحديداً التابعة للامم المتحدة لتحفيز الرأي العام الدولي للوقوف الى جانب ايران ومساعدتها للخروج من هذه العقوبات. 

وفي هذا الاطار قد تصب الزيارة التي بدأتها ألينا دوهان، المقررة الدولية الخاصة المعنية بالآثار السلبية للتدابير القسرية الأحادية، الى طهران، والتي تستمر عشرة ايام في هذا الهدف، لجهة ان دوهان ستلتقي بمندوبين عن المؤسسات الاقتصادية والرسمية ومنظمات المجتمع المدني، وستطلع على التأثيرات السلبية للعقوبات على الحياة اليومية للمواطن الايراني، خصوصاً وان طهران تؤكد بأن هذه العقوبات لا تحظى بغطاء من الامم المتحدة، وذات طابع احادي اميركي. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها