الأحد 2021/03/07

آخر تحديث: 15:02 (بيروت)

دمشقيون يبيعون مقتنياتهم ومفروشاتهم..للحفاظ على كرامتهم

الأحد 2021/03/07
دمشقيون يبيعون مقتنياتهم ومفروشاتهم..للحفاظ على كرامتهم
© Getty
increase حجم الخط decrease
بعد أن استنفذوا كل حيل التأقلم الإيجابي مع الوضع المعيشي المنحدر إلى القاع، اختار مئات السكان في دمشق مضطرين، اللجوء إلى بيع ممتلكاتهم للحصول على الحد الأدنى للمعيشة. كل ما له قيمة مادية سواء كان أثاث منزل أو تحفة فنية أو أداة منزلية ثمينة، كذلك المصاغات الذهبية والأموال المدخرة بالعملة الصعبة، حتى الأراضي والمحال التجارية، بات بيعه خياراً لتلبية المتطلبات المعيشية.

ويقول مواطنون سوريون يعيشون في دمشق ل"المدن"، إن معظم العائلات استهلكت مدخراتها المالية منذ سنوات، لذلك لجأت مع بداية انهيار العملة المحلية وما رافقها من غلاء الأسعار إلى بيع الحلي الذهبية الخاصة بنسائهم.

باعت ندى "مبرومة ذهبية" تزن أكثر من 20 غراماً بالتقسيط. على مدار أشهر كانت تذهب إلى الصائغ وتطلب اقتطاع غرامين أو ثلاثة من القطعة الذهبية لتشتري حاجيات تلبيها لبضعة أسابيع. و"على اعتبار أن المثل يقول خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود فقد جاء هذا اليوم ونفد ما معي من ذهب" كما تقول ل"المدن".

عفش للبيع
وإذا كانت ندى وآخرون لجؤوا إلى الذهب ل"فك الضائقة المالية" فإن آخرين قد انتهوا من هذا الإجراء منذ زمن: "اليوم صرنا نبيع عفش المنزل الذي يعد غير ضروري". يقول أحد الدمشقيين إن بعض أدوات المطبخ كجرة الغاز الثانية، جهاز "الفريزر"، "المايكرويف"، وحتى طقم الجلوس الفاخر صار المصدر الجديد والضروري للحصول على المال. لأن "المعيشة لا ترحم وما تمنحه الحكومة لا يسد الرمق".

بعض العائلات التي كانت تحتفظ بالتحف الثمينة مثل "القاشاني" الصيني الفاخر والباهظ الثمن آثرت اليوم وضع حد لهذا الترف الذي يذكر بعقود سابقة من الزمن كانت أفضل حالاً. الأمر نفسه ينطبق على الأنواع الجيدة والممتازة من السجاد الذي أصبح بيعه اضطرارياً للعيش في ظل تفشي البطالة وتدني الأجور.

أما الأراضي والعقارات والمحال التجارية فتشهد عرضاً مكثفاً كما يؤكد مصدر من دمشق يعمل في مجال تجارة العقارات ل"المدن". ويعزو المصدر لجوء السكان لبيع عقاراتهم سواء كانت داخل دمشق أو في مناطق خضعت مجدداً لنفوذ قوات النظام السوري قبل سنوات مثل داريا والمعضمية و بلدات جنوبي العاصمة ومدن وبلدات الغوطة الشرقية إلى حالة الفقر الشديدة التي يعيشها البائعون.

ويقول المصدر إنه لاحظ رغبة شديدة بالبيع على الرغم من تدني أسعار العقارات في مناطق ريف دمشق نتيجة عدم جاهزيتها من حيث الخدمات والنظافة بسبب المعارك التي دارت فيها، وبسبب كثافة العرض مع قلة الطلب. ويتابع: "يحاول السكان الحصول على الطعام بأي ثمن".

تقليص النفقات
يعدّ التخفيف من نفقات التعليم وشراء الكماليات كالألبسة الجديدة والفاكهة والأطعمة الجاهزة، إحدى وسائل التأقلم التي ينتهجها السكان الذين يحاولون تخصيص مداخيلهم، إن وجدت، على المتطلبات الأساسية للبقاء على قيد الحياة كالخبز والسكر والزيت والغاز في حال كان متوفراً، إضافة إلى شراء اللحوم بكميات ضئيلة.

يقول أحد السكان ل"المدن"، إنه امتنع عن شراء حقائب مدرسية لأطفاله مكتفيا بالحقائب الرخيصة التي توزعها الأمم المتحدة وتُباع في أسواق البالة.

طلاب الجامعات باتوا يقلصون من ذهابهم لحضور الدروس في الجامعة لتخفيض أجور المواصلات، كما يلجؤون لاستعارة الكتب الجامعية من زملاء في السنوات الأعلى. بينما يمتنع آخرون عن شراء الألبسة الجديدة لهم ولأطفالهم لتوفير المال وحصره بشراء الطعام فقط، فيما تعد سوق البالة الخيار المفضل لشراء ملابس العائلة، كما تقول مواطنة سورية ل"المدن".

ويقول سكان إنهم لم يتذوقوا الفاكهة واللحوم منذ أكثر من شهر، بينما يعد شراء وجبة جاهزة مثل الفروج المشوي والذي يتجاوز سعره 20 ألف ليرة، أمراً بعيد المنال في ظل إجراءات التقشف الذاتية التي يتبعونها.

الاستدانة كحل نهائي
البعض ممن لا يمتلك مدخرات أو مصاغات ذهبية أو أثاث منزل له قيمة، يلجأ لاقتراض المال من معارفه وأقربائه لاسيما الذين يعيشون خارج البلاد. يحصل ماهر على 70 ألف ليرة شهرياً لقاء عمله في ورشة خياطة. ولم تُفلح السياسة الصارمة لتخفيف النفقات التي يتبعها منذ سنوات في جعل الراتب يصمد لأكثر من منتصف الشهر. "باقي الشهر وفي الأوقات التي أكون فيها من دون عمل أعيش على الدين"، يقول ل"المدن".

تتراكم الديون على من يعيش بهذه الطريقة لاسيما في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، وفي حال كان الدائن ميسور الحال يتم التغاضي غالبا عن حجم الديون الى حين انتهاء الأزمة كما يقول ماهر. البعض اضطر لبيع ممتلكاته كمحل تجاري أو سيارة لقضاء الديون، وفي حال كان الدائن أحد الأقارب وكانت هناك تركة لم تقسم بعد، يتنازل المدين للدائن عن حصته عبر كتابة عقد بيع.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها