مع تفاقم الأزمة الاقتصادية ارتفعت نسب البطالة في سوريا بشكل مهول، بالتزامن مع زيادة كبيرة في نسبة التضخم وانعدام القدرة الشرائية الناتج عن تدهور سعر الليرة، ما خلق صورة قاتمة لمستقبل السوريين وأمنهم الغذائي.
وتختلف الأرقام الصادرة عن مراكز الدراسات المختصة والخبراء حول نسب البطالة، إلا أنها تتقاطع حول ارتفاعها الكبير والمستمر خلال السنوات العشر الماضية، نتيجة الحرب التي أتت على مختلف القطاعات الانتاجية العامة والخاصة، فضلاً عن حركات النزوح والتهجير، ومغادرة رؤوس الأموال، وفشل حكومات الأمر الواقع في إدارة الملف الإقتصادي، ما زاد من تراكم المشاكل التي يعاني منها سوق العمل.
سوريا الأول عالمياً في البطالة
وفق بيانات منظمة العمل الدولية ومنظمات مختصة أخرى، فقد تراوحت نسبة البطالة في سوريا بين خمسين وسبعين في المئة خلال عام 2020، بمعدل ارتفاع قارب الضعف عما كان عليه عام 2016، بينما كان الرقم وفق احصاءات حكومية 14.8 عام 2010.
ويوضح الخبير الاقتصادي عبد الرحمن أنيس أن توقف الإيرادات الحكومية من قطاعات السياحة، وأهمها السياحة الدينية جراء تفشي فيروس كورونا، وقطاعات التجارة والصناعة والنفط والزراعة، كل ذلك تسبب في ارتفاع نسب البطالة.
ويضيف ل"المدن"، أن "تقسيم الأراضي السورية بين القوى المتصارعة لعب دوراً بارزاً في تفشي البطالة، وذلك نتيجة توقف الخدمات الأسياسية من كهرباء وماء، وتوظيفها في الحرب، إضافة إلى انتشار الحواجز العسكرية وفرض الأتاوات على البضائع ما زاد من ارتفاع أسعارها، وهو ما أثّر أيضاً على قطاع النقل بسبب انخفاض عمليات الاستيراد والتصدير إلى حد كبير".
ويوضح أنه "في عام 2019 كانت سوريا الأولى عالمياً على مستوى نسبة البطالة، وفي عام 2020 تراجعت إلى المركز الثاني، حيث جاءت بين أعلى خمس دول في العالم"، مضيفا أن هذا الارتفاع الكبير في نسب البطالة كان نتيجة "التضييق على المشاريع الصغيرة التي لجأ إليها السكان، جراء العمليات العسكرية تارة، أو نتيجة فرار أصحاب تلك المشاريع وهم غالباً من فئة الشباب خشية الإعتقال التعسفي والتجنيد الإجباري".
ويتوقع خبراء اقتصاد أن تتجاوز نسب العاطلين عن العمل بين الفئات العمرية (18 سنة حتى 60 سنة) ال80 في المئة في اجمالي المناطق السورية. ففي المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة تبلغ نسبة البطالة 89 في المئة، بحسب إحصائيات المؤسسات الانسانية والمدنية العاملة في المنطقة.
حملة الشهادات يمثلون النسبة الأكبر
ويُعتبر الشباب من أصحاب الشهادات وخريجي الجامعات من أكثر الفئات تضرراً، نتيجة تحول قسم كبير منهم إلى عاطلين عن العمل، بالنظر إلى ندرة فرص التوظيف في القطاع العام الذي تحول إلى مجال العمل الوحيد في مناطق سيطرة النظام. في حين يجد الكثير من الخريجين والجامعيين أنفسهم أمام واقع مرير يدفعهم إلى العمل كمياومين.
ويرى أمجد هواش، وهو طالب أدب انكليزي من سكان إدلب، أن محاولة البحث عن عمل يغطي نفقات الدراسة أشبه بالمستحيل في الشمال السوري، خاصة إن كان الشخص طالباً ومعيل أسرة في ذات الوقت.
ويتابع: "تنقلت بين الكثير من المهن خلال العاميين الماضيين أملاً بالحصول على دخل يكفيني للدراسة وإعالة والداي وأشقائي القصر، لكن الأجور هنا لا تتعدى المئة ألف ليرة شهرياً في أحسن الأحوال، في حين أحتاج إلى أكثر من نصف مليون ليرة سورية سنوياً لمتابعة تعليمي، ومايقارب 300 ألف ليرة لتغطية نفقات العائلة شهرياً". ويقول ل"المدن" آسفاً: "هذا مادفعني للتخلي عن الدراسة حالياً".
أما حسين، وهو مهندس ميكانيكي من مدينة حلب، فيحاول منذ أشهر الحصول على "فيزا" تمكنه من السفر إلى اقليم كردستان العراق، بهدف تقديم طلب لجوء لدى البعثات القنصلية الموجودة هناك، بعد عامين قضاهما بحثاً عن فرصة عمل ضمن اختصاصه.
المياومة ليست حلاً
كنتيجة حتمية للواقع الإقتصادي الكارثي، ارتفعت نسبة الفقر إلى التسعين في المئة بين السوريين، بحسب الأمم المتحدة، نتيجة انعدام فرص العمل وتدني الأجور إلى نصف دولار يومياً كمعدل وسطي، في حين تصل تكلفة العيش في سوريا إلى 300 دولار شهرياً.
واليوم تُعتبر عمالة المياومة (العمل اليومي) الأكثر انتشاراً، بالنظر إلى تدهور القطاع الزراعي الذي كان يشغل أكثر من أربعين في المئة من اليد العاملة في سوريا، وتوقف قطاع التصنيع والإسكان، ما جعل من الوقوف عند مداخل الأسواق والبحث عن عمل يومي الطريقة الوحيدة لكسب الرزق بالنسبة إلى ملايين السوريين.
ويوضح أبو محمد (40 سنة) من سكان مدينة حلب، أنه يقف منذ ساعات الصباح الأولى أمام بوابة "باب انطاكية" في سبيل الحصول على فرصة عمل مهما كانت طبيعتها، لتغطية نفقات عائلته المؤلفة من زوجة و3 أطفال، بعد أن أغلقت جميع ورش تصنيع الأحذية التي كان يعمل بها قبل سنتين.
ويضيف: "في بعض الأحيان أرزق بخمسة آلاف ليرة كأجر يومي في حال كان العمل بمجال التعمير والإنشاءات، وفي غالب الأحيان أعود إلى المنزل بخفي حنين لا أحمل سوى ما يتكرم به الناس علي من خضروات لايمكن بيعها".
بالرغم من تراجع حدة القتال في سوريا والاستقرار الذي تشهده المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وعلى رأسها حلب "العاصمة الاقتصادية للبلاد" وريف دمشق، إلا أن الظروف الحالية لا توحي بانفراجة اقتصادية على المدى المنظور، بالنظر إلى مماطلة حكومات النظام المتعاقبة في دعم القطاع الصناعي والزراعي والمشاريع التي أعلنت عنها منذ سنوات.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها