الخميس 2014/12/04

آخر تحديث: 14:17 (بيروت)

موجة هدم جديدة تسبق اقرار قانون حماية الأبنية التراثية؟

الخميس 2014/12/04
موجة هدم جديدة تسبق اقرار قانون حماية الأبنية التراثية؟
ركام بناية وكيل في الأشرفية (تصوير: سوسن سعد)
increase حجم الخط decrease
هدم الأبنية التراثية وأماكن الذاكرة في بيروت مستمر. فلا قانون يحمي أو يمنع هدم هذه الأبنية في لبنان، فيما قانون 1933، الذي صدر في مرحلة الانتداب الفرنسي، لم يعد نافعاً. ولا يزال مشروع القانون المخصص لهذه المسألة موجوداً في أدراج مجلس النواب منذ العام 2007. أما البديل الذي تقدمه السلطات الرسمية فتجميد هدم هذه الأبنية للدراسة. وهذا في ظل إرتفاع معدل الاستثمار وثباته، ما جعل هذه المناطق جاذبة للاستثمار العقاري، فتشجع أصحاب العقارات التي صنفت تراثية أو ذات طابع تاريخي على الهدم، في ظل عدم حصولهم على تعويضات. هكذا، يلجأ هؤلاء إلى الطعن أمام مجلس شورى الدولة الذي، وفي حالات كثيرة، يجيز الهدم حتى لو كانت وزارة الثقافة قد أوصت بحماية البناء التراثي. إذن لا سلطة قانونية لوزارة الثقافة على هذه العقارات، على عكس بلدية بيروت التي لها الحق، إن أرادت، في وضع اليد وشراء هذه المباني. 


ما يحصل اليوم من تجدد موجة الهدم في بيروت (بناية وكيل في الأشرفية منذ أسبوع ومبنيان آخران) قد يعيدنا بالذاكرة الى ما حصل في العام 1995 عندما خشي وزير الثقافة ميشال إده من حصول نقص كبير في الأبنية التراثية حول وسط المدينة من جرّاء أعمال شركة "سوليدير"، فطلب وقتها من "جمعية تشجيع حماية المواقع الطبيعية والأبنية القديمة في لبنان" (أبساد)، أن تجري مسحا للأبنية التراثية حول وسط بيروت التي يجب الحفاظ عليها وقد وصل عددها إلى 1016 مبنى، فأصدر إده قراراً بتجميد العمل بهدم هذه الأبنية. وهذا ما حفز، في نتيجة عكسية، تسريع عملية هدمها.

وتوالت الدراسات بعد ذلك، ففي عهد الرئيس رفيق الحريري (1997) وبناءاً على دراسة نفذتها "أبساد" أيضاً، جُمد العمل بـ520 مبنى من الـ1016، لمدة سنة واحدة فحسب، وهي موزعة على 4 مناطق. أولاً عين المريسة، ميناء الحصن، القنطاري، سبيرز والظريف. ثانياً زقاق البلاط، الباشورة والبسطة التحتا. ثالثاً الأشرفية، اليسوعية، عبد الوهاب الإنكليزي، فرن الحايك ومار نقولا (جنوباً). ورابعاً مار مارون، الجميزة ومار نقولا (سرسق).

وبعدها تم "دراسة الدراسة" في العام 1998، وقد كُلفت بها شركة "خطيب وعلمي" من قبل "مجلس الإنماء والإعمار" ووصلت إلى تجميد 209 مبان من أصل 520 وصنفت في خمس فئات كما يشير الجدول المرفق. وهذا ما سمح بإمكانية هدم أي بناء من الفئتين D وE، بمجرد الحصول على إفادة وترخيص.

وجميع الفئات المذكورة أعلاه نالت نصيبها من الهدم. اذ دُمر بيت من أصل 34 بيتاً في الفئة الأولى، و4 من أصل 127 بيتاً في الفئة الثانية، و8 من أصل 49 بيتاً في الفئة الثالثة، و31 من أصل 164 بيتاً في الفئة الرابعة، ودُمر 27 بيتاً من أصل 88 في الفئة الأخيرة. عليه، وصل عدد الأبنية التي هُدمت من ضمن لائحة دراسة "خطيب وعلمي" إلى 71 مبنى، بالاضافة إلى 70 مبنى آخر ذُكرت في لائحة "أبساد" في العام 1995، وجمعها يصل إلى 141 مبنى تعرضت للهدم. علما بأن المسح لم يشمل جميع المباني التراثية في بيروت والتي قد تكون تعرضت للهدم من دون أخذ العلم بها.

ويبدو واضحاً أن المحافظة على المباني التراثية مرتبطة بوجود تعويض. فمطالبة أصحابها بالسماح لهم بالهدم لإنشاء أبنية حديثة مرتفعة مربحة مادياً لهم. فيما لا تبدو "الضريبة الشرفية"، التي اقترحتها "أبساد" ذات فائدة تذكر، اذ تلزم المباني المجاورة للأبنية التراثية بدفع ضريبة على استفادتهم من "المشهدية التراثية". وموارد وزارة الثقافة المحدودة دفعتها لإبعاد ملف التعويضات عنها، ورأت -وقت مشروع قانون الـ2007- أن الحل يكون بالسماح لأصحاب العقارات بـ"بيع 75 % من فائض عامل الاستثمار" أو "بيع الهواء" بمعنى الأمتار التي لن تستعمل، إلى "أصحاب العقارات المجاورة"، وفق المهندسة منى الحلاق. فتصبح المحافظة على منطقة تراثية تشويهاً لأخرى، عبر بيع الأمتار وإعطاء أصحاب الأبنية العالية الحق بالارتفاع أكثر في السماء، وهذا تشويه من نوع آخر للمدينة. "لكن مشروع القانون لم يحدد آلية ذلك، وهذا ما يلزمه دراسة تنظيمية شاملة ومتكاملة لبيروت، وهو ما يوجب أيضاً استغلال فترة انتظار تفعيل القانون، كما وعد وزير الثقافة الحالي روني عريجي، للقيام بها حتى لا يضيع الوقت ويزيد حجم الخسارة. وتفعيل الدراسات هذه يكون عبر تلزيمها الى مؤسسات تعليمية (الجامعات والمعاهد) ومراكز الدراسات المتخصصة في مجال التنظيم المدني لتكون الدراسة التنظيمية جاهزة عند إقرار القانون فتتكامل معه"، وفقها.

هكذا، يبدو واضحاً عند الحلاق أن حماية التراث المعماري في بيروت لا يكون إلا عبر القانون وتوعية الناس. "توعيتهم على أهمية التراث المعماري في الذاكرة الجماعية وفي ربط حياتهم بمدينتهم ، خصوصا أن خسارته لا تعوّض، في ظل غياب مؤسسات رسمية فاعلة، لذا يجب على المواطنين أخذ المبادرة في الضغط".

والحال أن أكثر اللبنانيين لا يعرفون أسماء الشوارع المحيطة بهم ولا يكترثون بالرؤية المعمارية، فيما لا يهتم المستثمرون الا بالمنفعة المادية. غداً سننظر إلى بيروت، ولن نعرفها حتى ولو أمعنا النظر فيها، وستلتوي أعناقنا إذا أردنا النظر إليها عن قرب طالما أن هويتها المعمارية (أو ما تبقى منها) تعدم. لن نتناقلها إلا كلاماً ووصفاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها