الخميس 2015/05/21

آخر تحديث: 15:38 (بيروت)

جاك ليجه-بيلير.. معمار الوظيفية الجمالية

الخميس 2015/05/21
جاك ليجه-بيلير.. معمار الوظيفية الجمالية
عمل ليجه-بيلير على تصميم بيوت تقليدية كانت أقرب إلى مكمل وظيفي للأراضي الزراعية (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
في إطار سلسة نشاطات ينظمها منتدى "حاور" (Débattre) بدعم من المركز العربي للعمارة والإتحاد الأوروبي، والتي تختص بمناقشة مواضيع معمارية –مدينية، نظم أمس حوار "كشف العمارة" (Dévoiler l’architecture) بين المعمارية اللبنانية ومؤسسة "Met" في سويسرا رلى محرم والمعماري البلجيكي من أصل لبناني ومؤسسAAA جاك ليجه-بيلير(Jacques Liger-Belair).


وكان متوقعاً، كما يوحي عنوان الحوار، ان يكون اللقاء حواراً تفاعلياً بين معماريين من خلفيات ومدارس معمارية مختلفة، ومن جيلين متباعدين، لكنهما يشتركان في كونهما من أصل لبناني، وكلاهما عاد إلى لبنان وساهم في انجاز دراسات مدينية ومشاريع معمارية مختلفة. ففي قاعة اتسعت لحوالي 40 شخصاً، معظمهم من المعماريين، وبعد تعريف بالمنتدى منذ تأسيسه عام 2008 وبنشاطاته السابقة والمقبلة، وسعيه إلى تحفيز المواطنين لخلق وعي معماري، بدأ الحوار بين المعماري ليجه-بيلير والمعمارية محرم، الذي تبين لاحقاً انه عرض لتجربة ليجه-بيلير المعمارية حصراً، وتحديداً عمله في لبنان، حيث قامت محرم بادارة العرض (présentation) والتنقل بين مختلف مشاريع ليجه-بيلير، وقد إقتصر تدخلها على تذكير المحاضر بالوقت، وعلى مداخلات صغيرة كأحاديث جانبية بينهما بعيداً عن تفاعل الجمهور.

أما في ما يتعلق بمشاريع ليجه-بيلير فقد انقسم العرض إلى خمس مراحل مرتبطة بمواضيع المشاريع المعمارية المشتركة. أولها عرض سريع لسيرته الشخصية واختياره العمارة كاختصاص ومهنة لاحقاً، وما واجهه من رفض من جانب أبيه، فغادر بلجيكا واتجه نحو السفر لإستكشاف العمارات في دول عديدة من العالم والتعلم من الثقافات المعمارية.

أما المعمار الذي أثر في نمطه المعماري فكان المعماري المعاصر "Le Corbusier"، الذي تميزت عماراته بالراديكالية واستعماله للباطون كمادة خام جمالياً ووظيفياً. فكان نتاج ليجه-بيلير المعماري يجمع بين التراث المعماري التقليدي الأقرب إلى الإنسان والشعب، كما قال، ولكن بهيئة معمارية معاصرة وعالمية. وهذا ما انعكس في تصاميمه التي عرضت على 4 فئات: مدارس، مبان دينية، مبان سكنية ومشاريع مدنية. والتي يبدو واضحاً من خلالها حبه لمادة الباطون الخام، من دون استعماله للـ"التوريق"enduit، والذي أسماه "الباطون الملكي" (le beton royal).

ومن خلال عرض مشاريع المدارس التي صممها في لبنان (المدرسة الكلدانية في سد البوشرية عام 1966، مأوى الأيتام في الدكوانة عام 1969، ومدارس الأخوات الراهبات بين العامين 1974 و1977 في زحلة وعين نجم) برزت قدرته على تطويع هذه المادة لتماشي التصميم، مركّزاً على مفهوم نقل مبدأ "الضيعة" الى داخل المدرسة والتفاعل بين الطلاب من خلال خلق "الساحة" والمساحات المحفزة على الابداع والتآلف معاً. أما في ما يتعلق بالمباني الدينية، فقد عمل على كنائس عديدة (من مرحلة التصميم الأولية إلى إعادة التأهيل والترميم). وقد برز تأثره بالحرب الأهلية اللبنانية التي لعبت دوراً في عرقلة الأفكار المبتكرة في هذا المجال نتيجة للإنقسام الطائفي الحاد، من خلال التشبث بتصاميم تقليدية للكنائس. لكن ذلك لم يمنعه من المضي في مشاريع رائدة في هذا المجال ككنيسة مدرسة notre dame de Nazareth في العام 1964 في بيروت، وكنيسة اليرزة، التي أحدثت تغييراً جذرياً في مفهوم تصميم الكنائس المعاصر، خصوصاً لجهة الفراغات الداخلية التي تعتمد على الانارة الطبيعية وتحييد المسقط (Plan) عن مبدأ الصليب كشكل داخلي.

وفي مجال السكن، عمل على تصميم بيوت تقليدية متواضعة، كانت أقرب إلى مكمل وظيفي للأراضي الزراعية، ومتماهية مع التضاريس (مفهوم الـintegration)، وكانت قد ظهرت في لبنان بداية القرن العشرين بعيداً عن رواسب الاحتلالين العثماني والفرنسي. حيث ركز على البساطة من دون المبالغة والزخرفة، معتمداً مبدأ "الوظيفية التي تخلق الجمالية". هذه البيوت، في اعتقاد ليجه-بيلير، هي بيوت مكتفية ذاتياً، تعتمد على الاستدامة في الطاقة الطبيعية من خلال سماكة جدران الحجر الطبيعي التي تعزل الحرارة، وهذا المفهوم يعد رائداً وجديداً الآن في الموجة المعمارية العالمية المعاصرة. أحد هذه البيوت هو "بيت أيوب" في "ضهر الصوانة"، والذي انتهت عملية بنائه عام 1989، وقد اعتمد على مبدأ الانسجام والتداخل مع الموقع. وكان صاحب البيت من الزبائن القلائل في لبنان الذين طلبوا منه تصميم مكتبة داخلية فيه، وهو أمر تفتقد اليه الآن جميع التصاميم السكنية في لبنان.

وفي مجال الدراسات المدينية عمل ليجه-بلير على دراسة الواجهة البحرية لمنطقة جونية وصولاً إلى كازينو لبنان في العام 1970 لـ"الحفاظ على الأملاك العامة للشعب"، على حد تعبيره. وفي الإطار نفسه، عمل على وضع إقتراح لإعادة تأهيل وسط بيروت بعد الحرب الأهلية، في العام 1992، بطلب من رئيس مجلس الوزراء في حينها رفيق الحريري، لكن الاقتراح سرعان ما تلاشى أمام موجة "سوليدير"، في اعادة خلق الوسط بأهداف اقتصادية-ربحية بحتة، والتي في اعتقاده "ليست سيئة، وليست جيدة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها