الثلاثاء 2015/02/03

آخر تحديث: 17:55 (بيروت)

الترميم "الشفاف"

الثلاثاء 2015/02/03
الترميم "الشفاف"
يرى معماريون ضرورة ابقاء هذه المباني في الحالة التي وصلت إليها (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
الترميم عمل يشمل إعادة تأهيل وظيفية وجمالية، على حد سواء، للمباني التي تحمل قيمة تاريخية أو رمزية على مستوى بلد أو مدينة. لكن أساليب الترميم وتقنياته تختلف من بلد إلى آخر تبعاً لسياسات الدولة/ البلدية المشرفة على المشروع، وتبعاً لأولويات وأهداف الترميم. فهو، في بعض الأحيان، قد يسعى للمحافظة على البناء كشكل إذا حمل بعداً تاريخياً (كالقلاع الرومانية) من دون السعي لإعادة إستخدامه في وظيفته الأساسية كحصن، بناء ديني أو معبد. بل يقتصر على كونه معلماً سياحياً تاريخياً. وهذا الترميم لا يهدف لغير الإصلاح والحماية من التلف والصيانة بإزالة الأملاح، التي تقصّر عمر الحجر، ومعالجة سطحه، أي عزله واستبدال الأجزاء المفقودة منه، عند الضرورة، من دون المس بالتصميم الأساسي للمبنى أو تغيير أي من معالمه.

لكن أحياناً تُرمم مبان تعرضت لظروف طبيعية أو أحداث مفاجئة، مثل الحروب. هذه المباني، تحديداً، تختلف وجهات النظر حول إعادة إحيائها من خلال الترميم. وهنا تبرز فكرة "المفهوم" (concept)، أي الرسالة التي يريد المعماري إيصالها من خلال عملية ترميم مبان شهدت أحداثاً تاريخية/ سياسية (حروب أو مؤتمرات مفصلية في تاريخ المدينة) أو تعرضت لتشوهات نتيجة لحروب داخلية أو خارجية، أو حملت خصائص رمزية من خلال وظيفتها، كما يمكن أن ينظر إلى فندق "الهوليداي إن" في زمن النظام السوري في لبنان، أو مبنى السرايا كسلطة سياسية عثمانية داخل المدينة.

في هذا السياق، يرى معماريون ضرورة ابقاء هذه المباني في الحالة التي وصلت إليها، والحفاظ على التشوهات التي طرأت عليها من تأثير الرصاص، أو الفجوات، بهدف المحافظة عليها كـ"شاهد حرب"، مثل مبنى بركات المعروف بـ"البيت الأصفر" في السوديكو. كأن المبنى حدث مفصلي في تاريخ المدينة، مع ضرورة العمل على تدعيمه وحمايته من الإنهيار. فنرى في هذا المبنى تحديداً القواعد الحديدة التي استخدمت في تدعيم الفتحات المنهارة (الشبابيك)، والتي جاءت إستكمالاً لبقايا أجزاء الأعمدة، من دون إلغاء أي منها.

في أماكن أخرى، يقوم الترميم على إعادة انتاج الشكل الأساسي للمبنى، من دون تغيير أي من معالمه. على أن بعض المعماريين يرون هذا الأسلوب مجحفاً بحق تاريخ المبنى نفسه، خصوصاً إذا كان بناءً رسمياً أو على مستوى وعي مديني ما، أي يتشاركه المواطنون بوعيهم الجماعي/ المُدني، فمن الضروري عدم إلغاء أو التعتيم على مراحل من "حياته" كمبنى.

ويلاحظ الفرق الشاسع في تقنيات وأهداف الترميم بين لبنان وبعض المدن الأوروبية، التي تعرضت كمدينة بيروت لحروب صعبة ومدمرة على مستوى التراث المعماري/ الثقافي. ففي زيارتي لمدينة فيينا في العام 2011، لاحظت وجود تقنيات جديدة في الترميم. فمثلا مباني تخزين الغاز "الغازوميتر" (Gasometers)، والتي نشطت خلال الحرب العالمية الأولى، ويعود تاريخها إلى العام 1896، إرتأت فيينا تغيير وظيفتها نهائياً، واحيائها بتحويلها إلى مراكز تجارية.

أما التقنية الأكثر شيوعاً في مدينة فيينا فكانت "تغليف المباني". هذه الطريقة يلاحظ استعمالها في العديد من المباني السكنية، ذات الأربع أو الخمس طبقات، وتقوم على تغليف المبنى بالزجاج من كافة جهاته، والمحافظة على واجهاته من دون المس بها.

وإستعمال الزجاج كمادة هو جزء من الفكرة الأساسية التي تؤكد على أهمية ابراز المبنى نفسه، من دون إخفائه، من خلال الشفافية. ذلك أن هذا الأسلوب يقلل من المواد الدخيلة على هذه المباني، ويحافظ على طابع الحي التراثي، ويجعل هذه المباني جزءاً من نسيجه الاجتماعي. هكذا، يتحول الشارع الى متحف شارعي من خلال هذه المباني المغلفة.

وفي المدن الأوروبية، يركن الترميم في كثير من الأحيان الى إضافات جديدة على المبنى، أي ما يعرف بـ"Extension". هذه الإضافات ترفق بالمباني ذات القيمة التاريخية المهمة، لتكون متحفاً تابعاً للمبنى على مستوى المدينة.

وهذا ما حصل مع مبنى بركات (البيت الأصفر)، الذي أضيفت اليه أقسام جديدة من الجهة الخلفية، على الرغم من منعها وصول الإضاءة الطبيعية الى المبنى الأساسي. لكن ما يقلق عادة في هذه الاضافات امكانية طغيانها على المبنى الأساسي، في حال أخذت حيزاً مكانياً واسعاً. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها