الجمعة 2014/07/25

آخر تحديث: 14:53 (بيروت)

جرود الهرمل.. كأنها بلاد مكتشفة حديثاً

الجمعة 2014/07/25
increase حجم الخط decrease

"كأنها بلاد مكتشفة حديثا"، هكذا علق محمد جعفر على القرار الرسمي بالبدء بمشروع إيصال الشبكة الكهربائية إلى جرود الهرمل المقطوعة عن العالم بفعل سياسة الإهمال المتبعة منذ الاستقلال. ومحمد الذي عاش بين الهرمل وجرودها لأكثر من نصف قرن كان قد اعتاد على الحياة بشكلها البدائي. يقول: "أعيش مثلما علّمني أهلي، مما أعطانا الله من خير الأرض الكثير". وما يقوله محمد من وصل بين جيله وجيل أهله، وقبوله بهذا الوضع، يبدو مستغرباً في ظل ما نعيشه من تطور متسارع. وقد اعتمد محمد وأسرته إلى وقت قريب، مثل أهله، على صناعة الفحم وخيرات الأرض وأشجارها التي أصبحت، هي الأخرى، في طريقها الى الزوال بعد القضاء على معظم الثروة الحرجية في الجرود، والتي كانت تمتاز بمجموعة واسعة من غابات الأرز واللزاب.


تكهنات


قد تصل الكهرباء أخيراً الى جرود الهرمل بعد انتظار طويل. اذ تقول "التكهنات" أن الشبكة الجديدة ستغطي معظم قرى الجرود والتي تنقسم إلى ثلاثة أقضية هي الهرمل عكار وسير الضنية. ويترافق هذا التطور مع تركيب أعمدة إرسال شبكة الخليوي لتصبح المنطقة وخصوصاً المرتفعات تحت التغطية أخيراً، بعد أن كان بعض السكان يضطر إلى التجمع في نقاط محددة لإلتقاط الإرسال. هذا وتبقى الجرود متخلّفة عن بقية المناطق اللبنانية من كل النواحي، حيث لا يزال الأهالي يستعملون الطرق البدائية في تعبئة المياه، وتصريف المياه الصحية.

وتخلو  قرى الجرد من أي بنى تحتية، كما أن حالة طرق المواصلات مزرية نتيجة إستهلاكها من جانب اعداد كثيفة من الشاحنات التي تنقل الحجارة والرمال من الكسارات والمرامل التي تستبيح جبال المنطقة منذ عقود من دون أي رقابة أو تدخل للدولة، التي لا تحضر سوى في أوقات تلف الحشيشة والمداهمات الأمنية.


لا تجاوب


واعتمد أبناء الجرود وغالبيتهم من العشائر لعقود طويلة على تربية الماشية كمصدر رئيسي للعيش إضافة إلى صناعة الفحم وبعض الزراعات البعلية. ويقول شفيق الساحلي، وهو مدرس متقاعد وعضو "تعاونية مربي الأغنام والماعز في جرود الهرمل وعكار"، إن هناك "محاولات خجولة لإعادة الناس إلى تربية الماشية، لكنها دائماً ما تفشل لأسباب عدة أولها عدم تعامل الدولة بجدية مع موضوع التنمية في قضائي الهرمل وعكار، إضافة إلى عدم تجاوب الأهالي مع هذه التجارب". يضيف الساحلي: "بعد خمس سنوات من عمل التعاونية لا يبدو أن أحداً يريد التجاوب معها".

ومرد هذا، وفقه، "إلى الطبيعة العشائرية للسكان والحسابات الضيقة والنكايات، مع العلم أن لا مصدر آخر للعيش لديهم في حال توقف العمل بالتعاونية التي استطاعت خلال فترة قصيرة تحقيق انجازات لمصلحة المربين، أهمها رفع أسعار الحليب ومشتقاته الى الضعف تقريباً، ما ساهم في إنهاء الاحكتار". يضيف الساحلي: "كانت الخطة في البداية هي تحفيز الأهالي من خلال هذه الانجازات على العودة الى تربية المواشي لكن ما حصل كان تراجع التعاونية وخسارة المنتسبين إليها من الأهالي، الذين لم يبق منهم سوى اثنين، أما الباقون فهم من سوريا أو عراسل".

وفي أحوال الجمعيات والتعاونيات التي يمكن أن تؤدي دوراً بديلاً لغياب الدولة في تشجيع الإنتاج الزراعي والحيواني، يقول الساحلي: "مرّت تجارب عدة آخرها تعاونية مربي النحل التي لم تلق أي رعاية رسمية من وزارة الزراعة، وتعاونيات الزيتون وتعاونية المأكولات التراثية. وهذه كلها قد قامت على مبادرات فردية بالإضافة إلى دعم محدود من منظمات أوروبية".


خبز الحشيشة


عند التجول في جرود الهرمل تستقبلك مساحات هائلة من الأراضي المرزوعة بالحشيشة التي لم تتلف محاصيلها العام الماضي. ويبدو أن الموسم هذا العام لن يتلف أيضاً. وعند الحديث مع المزارعين يلاحظ الاهتمام الذي تلقاه هذه الزراعة مقارنة بزراعات أخرى.
يقول أبو علي وهو مستثمر زراعي إن الفلتان الأمني سيشجع الجميع على زراعة الحشيشة، فالزراعات الأخرى "ما بتطعمي خبز". ولاسيما أن الزراعات الأخرى تتطلب مجهوداً لا يقابله أي مردود مواز في ظل غياب دعم الدولة للزراعات البديلة. يضيف أبو علي أن "محاصيل السنة الماضية قد تكدست بسبب فائض الانتاج ولم يُصرّف سوى جزء منها مع توقّف طرق تهريب مهمّة بسبب الحرب السورية، والجميع زرع هذا العام لمزج المحصول القديم مع الجديد كي لا يفقد نوعيته". ويشير إلى أن "انخفاض الأسعار وقلّة الطلب يصعبان الأمر على المزارعين، ويجبرهم على الخضوع لسطوة التجار الرابحين الوحيدين في هذه العملية".

وغالباً ما يتعرض "الغرباء" أو السياح إلى مشاكل، عند زيارة المنطقة، اذا يخاف أهلها من أن يعمد هؤلاء إلى التصوير مثلاً. ويرجع هذا إلى خوفهم من إفتضاح أمر تورطهم بزراعة الممنوعات التي أصبحت، للمفارقة، تمرر مواسمها بموافقة "الدولة".
ويقول حسين، وهو ناشط مدني، أن "عدم دخول الدولة الى المنطقة يصب في مصلحة القوى المهيمنة وخصوصا حزب الله الذي يسيطر على الجرد أمنياً مستأجراً الأراضي من أبناء العشائر لفترات طويلة جداً من أجل استعمالها في تدريبات عسكرية". يضيف حسين أن تمرير مواسم الحشيشة "يصب هو أيضاً في مصلحة حزب الله، لأن استمرار زراعة الممنوعات يؤكد غياب الدولة، ما يسهل استمرار سيطرته منفرداً على المنطقة".

increase حجم الخط decrease