الثلاثاء 2024/02/06

آخر تحديث: 13:12 (بيروت)

"حديد، نحاس، بطاريات": بيروت مقبرة الأبطال الخارقين

الثلاثاء 2024/02/06
"حديد، نحاس، بطاريات": بيروت مقبرة الأبطال الخارقين
يستمر "نظام السجن" حتى في الأمكنة السفلية التي يلجأ إليها أحمد ومهدية
increase حجم الخط decrease
بخلاف معظم أفلامه السابقة، التي تتمحور حول الأزمة اللبنانية، يبدو لبنان أو اللبناني بشكل عام، في فيلم المخرج وسام شرف الأخير "حديد، نحاس، بطاريات"، عنصراً ثانوياً أو ديكوراً تتحرّك على هامشه الشخصيات من دون أن يمتلك الموقع المركزي نفسه الذي نجده في أفلام سابقة (آخرها "من السماء"). يأتي ذلك لمصلحة شخصيات غريبة عن البلاد، تجد نفسها عالقة كما السكان ضمن سجن ضخم لا فكاك منه.

 

يدور الفيلم الذي عرض مؤخراً في بيروت (توزيع ام سي للتوزيع وماد سولوشنز) حول غرباء في أرض غريبة: أحمد (زياد جلاد) ومهدية (كلارا كوتوريت). الأول لاجئ سوري يعمل ببيع الخردة نهاراً ويسكن الأبنية المهجورة ليلاً، والثانية عاملة في الخدمة المنزلية تهتم برجل عجوز يعاني اضطراباً نفسياً وهوساً بمصاصي الدماء. يعيش الاثنان قصة حب تدفعهما للهروب من ظروفهما الصعبة إلى عالم أقرب إلى الأحلام، بينما يشهد جسد أحمد تحوّلاً خارقاً للطبيعة.

يشكل التحول/المرض الذي يعيشه أحمد، إلى ما يفترض أنه رجل حديدي، التوتر الأساسي في الفيلم، بالرغم من عدم تأثيره الواضح في السيناريو. نفهم أن مصدر المرض نما من شظايا دخلت جسده خلال الحرب السورية (استوحى المخرج القصة من حادثة تعرض لها خلال طفولته في لبنان، حيث دخلت شظايا جسده ورافقته خلال شبابه الذي قضاه في أوروبا)، ويتضاعف حجمها تدريجياً بينما تتعرض للصدأ وتصيبه بنوع من الاهتراء والتفكك.


يصوّر المخرج هذا التحول الخيالي بإيقاع بطيء وهادئ لا يبتعد كثيراً من الأسلوب الذي يطبع غالبية أعماله السابقة: مشاهد طويلة مع أقل قدر من المونتاج، تترافق مع تمثيل هادئ وغير انفعالي بشكل عام. يذكّر أسلوب المخرج بأعمال مخرجين مثل روبرت بريسون وراينر فاسبيندر وآكي كوريسماكي، تبنوا لغة سينمائية تقليلية في التمثيل والمونتاج أصبحت مدارس منفصلة لاحقاً.

تظهر هذه اللغة السينمائية متناسبة مع موضوع الفيلم، رغم تناقضها الظاهر معه: الإيقاع الهادئ يجعل من السلوكيات والتحولات الخارقة للطبيعة تبدو أحداثاً عادية كأن الخيال والواقع يصبحان من العجينة نفسها. ينطبق ذلك على تعامل أحمد ومهدية بأريحية مع تفكك جسد أحمد الخارق، ثم محاولتهما الحالمة للقفز فوق العوائق التي تواجه هروبهما.

في الوقت نفسه، وبالرغم من إعطاء لغة الفيلم مجالاً للشخصيات للتنفس، إلا أن السيناريو وحتى المدينة نفسها، لا تنفك تضيّق عليهما وتحاول سجنهما. فكما أن منع تجوّل ليلي يجعل التحرك في الشوارع أقرب إلى مشاهد الرعب السينمائية (هناك إشارات متكررة في الفيلم إلى "نوسفيراتو" كتمثيل لشخصية اللبناني/المحارب السابق الذي تآلف مع مصاصي الدماء حد التماهي معهم)، تستغل العائلة التي تعمل لديها مهدية، قوانين العمالة المجحفة لسجنها ومنعها من مغادرة المنزل.

يستمر "نظام السجن" حتى في الأمكنة السفلية التي يلجأ إليها أحمد ومهدية، حيث نجد شخصية تشبه شاويش السجن في المنزل المهجور الذي ينام فيه أحمد، ينظم عيش المشرّدين وساعات نومهم. ثم عند الهروب مع مهدية إلى خيمة تقطن فيها عائلته، يظهر رفض المخيم لعلاقتهما حد إبعادهما عن المكان.

هكذا تستمر مصائر القمع والعنصرية نفسها بين الأمكنة الهامشية و"المركزية" التي تظهر المدينة بمثابة سجن ضخم ينعكس في أجساد الغرباء والسكان في آن. تدريجياً، يتحول جسد أحمد إلى سجن بدوره، يرسم قدَر صاحبه ويمنع تمرّده. طوال الفيلم، ننتظر اكتمال تحوّل أحمد إلى بطل خارق ينتقم من القمع الذي يتعرّض له في المدينة والشارع، لكن هذا الجسد ينهار في النهاية، ويتفكك ليصبح خردة صدئة متطابقة مع سياقات الخراب التي تحيط به. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها