الأربعاء 2018/09/05

آخر تحديث: 10:44 (بيروت)

مجزرة الخفاش في لبنان

الأربعاء 2018/09/05
مجزرة الخفاش في لبنان
يسهم الخفاش في تلقيح الأشجار والأزهار
increase حجم الخط decrease

لا تقتصر الفضائح البيئية على إبادة الطيور العابرة، ولا على تلوث الشاطئ والبحر والأنهر وسائر المسطحات المائية، ولا على غيرها من الممارسات، إنما تعدت ذلك إلى أفعال استهدفت أخيراً مستوطنات الخفافيش (الوطاويط) في محافظتي جبل لبنان والشمال، وتمثلت بإطلاق النار عليها ثم حرقها بمادة المازوت "الديزل". ما أدى إلى القضاء على كائن مهم في المنظومة البيئية، وها نحن نشهد آثار هذه التعديات، مع ما نعاني من ازدياد في أعداد الحشرات وما يواجهه القطاع الزراعي من أمراض.

خلال زيارة الباحث في مجال الخفافيش في الولايات المتحدة ومطور جهاز Anabat لرصد الخفافيش والتعرف على أنواعها لبنان كريس كوربن، صُعق بعدما وجد مع فريق من الباحثين مغارتين إحداهما في جبل لبنان والثانية في الشمال، وقد نكل بالخفافيش في مغارة الشمال بإطلاق النار عليها ثم جرى حرقها باستعمال مادة المازوت.

وعلى صفحته في فايسبوك كتب كوربن: "أنا حزين للغاية، أُخذت بالأمس لرؤية مستعمرة لخفافيش الفأر (Myotis myotis) في لبنان، لنجد المستعمرة بأكملها قد تم إبادتها بشكل منهجي. كانت هذه هي المستعمرة الكبيرة الوحيدة المعروفة في لبنان، التي اكتشفت منذ عام فقط، رغم أن ذرق (روث) الخفافيش يشير إلى أنها كانت موجودة منذ وقت طويل".

أضاف: "لم يكن هذا الأمر حدثاً عشوائياً، فقد قتلت الخفافيش في مرتين مختلفين، في البداية، تراكمت بقاياها في مكان واحد، بينما في الثانية كانت متناثرة في الكهف. بدا الأمر كما لو كان هناك ما لا يقل عن 50، وربما 100 وطواط نافق، ولم يتبق أي خفافيش حية. وهذه الأرقام تتفق مع الحد الأقصى الذي تم حسابه هناك في الماضي، ولأولئك الذين لا يعرفون هذه الخفافيش، فهي خفافيش جميلة وكبيرة، وهي متشابهة في الحجم (والمظهر والسلوك وتحديد الموقع بالصدى) مع Pallid bat الموجود في أميركا الشمالية".

ويقول رئيس مركز التعرف على الحياة البرية في مدينة عاليه منير أبي سعيد لـ"المدن": "أتكلم عن هذه الحيوانات لأن هناك كوارث تحل بها في لبنان، ولا يهتم أي شخص بما يحدث لها، رغم أنها من الحيوانات التي يهتم كل العالم بالمحافظة عليها. وأنا عضو في الهيئة الاستشارية لـEurobats، وهي منظمة منضوية في الأمم المتحدة، حيث هناك حماية لهذه الحيوانات في أنحاء أوروبا لأهميتها في المنظومة البيئية. وكنا نتابع مستعمرات عدة لهذه الخفافيش، لنفاجأ بمستعمرتين منها وقد أبيدتا، أولها في جبل لبنان يبلغ تعدادها نحو 500، قتل منها نحو 100 من خفاش الفاكهة المصري، واسمه بالإنكليزية Egyptian fruit bat، أما اسمه العلمي فهو Rousettus aegyptiacus. والثانية شمالاً ويبلغ تعدادها نحو 150 خفاشاً من نوع خفاش فأري الأذن الكبيرة أو بالإنكليزية Egyptian fruit bat، واسمه العلمي Myotis myotis، وهي من أكبر المستعمرات في الشرق الأوسط وقد قضي عليها بالكامل. وإذا استمر الوضع على هذا الحال، فمن الممكن أن تنقرض. وأقول للجميع لن نعرف قيمة هذه الحيوانات إلا حين نخسرها". يوضح أن "الوطواط إجمالاً عمره طويل، لكن يواجه تهديدات عدة أولها الخرافات والشائعات والموروثات الشعبية".

ويشير أبي سعيد إلى أنه "في جبل لبنان اعتبرنا المستعمرة الموجودة محمية بتضاريس طبيعية من الصعب الوصول إليها. وهي منطقة جبلية صخرية وعرة، لكن استعمل المعتدون سلماً، واستخدموا الإطارات ومواد نفطية لإشعال النار فيها وقضوا على خفافيش كثيرة من أصل 500 من نوع خفاش الفاكهة".

ويؤكد أبي سعيد أن "هذه المجموعة استوطنت تلك المغارة منذ عشرات أو مئات السنوات، والدليل أن روثها ويسمى Guano وصل إلى علو متر ونصف المتر. وإن سألتني عن سبب قتلها أقول إنني لا أعرف، ولا أعرف من يستطيع أن يساعد، وعلى الوزارات المعنية المساعدة والتدخل، خصوصاً وزارة البيئة".

ويقول: "علينا الاضاءة على أهمية هذا الحيوان، فهو يأكل أعداداً كبيرة من الحشرات، حتى التي تأكل الفاكهة ويشكو منه المزارعون. فالعصفور مثلا يأكل الفاكهة أيضاً وعلى الشجرة نفسها. أما الخفاش فيقطفها ويأكلها في أماكن بعيدة عن الشجرة الأم. وبذلك، يسهم في توزيع البذور، وأحياناً على بعد يصل إلى ثلاثين كيلومتراً في البرية. لذا، نجد أشجاراً مثمرة في الغابات أو في مناطق بعيدة. كما أن الخفاش آكل الحشرات يسهم في توفير كميات المبيدات الحشرية المستعملة. فكم نوفر من سموم على البيئة وعلى صحة الإنسان؟".


ويشير أبي سعيد إلى أنه "لدينا في لبنان 21 نوعاً من الخفافيش المكتشفة حتى الآن. ويتميز لبنان بكثرة المغاور والكهوف الكلسية (الكارستية) التي تعشش فيها هذه الحيوانات. والخفاش حيوان يعيش لفترة طويلة، وينام في الشتاء في ما يعرف بالسبات الشتوي، لأنه لا توجد حشرات أو فاكهة ليأكلها. وهو يعيش في مناطق لا يحتاج إليها الإنسان، بين الصخور والمغاور والتضاريس الوعرة".

يضيف: "الناس يعتقدون أن الخفاش ولّاد مثل الفأر، الخفاش ليس فأراً، وينجب واحداً في السنة. فكم سنة تحتاج هذه المستعمرة (العائلة)، التي قضي عليها شمالاً، من نوع Myotis Myotis، لتستعيد أعدادها؟". ويؤكد أن "الخفاش في لبنان ليس له أي آثار سلبية على الإنسان، إلا أن خفاش الفاكهة قد يوسخ الجدران والسيارات، لكن فوائده لا تحصى. فهو يزرع الأشجار ويسهم في التحريج. أما الخفاش آكل الحشرات، فالصغير منه من نوع Pipistrellus يأكل 800 حشرة في الساعة، ومن هنا يسهم بالتوازن البيئي. والأهم أن هذا الخفاش يأكل الحشرات وكلما طال موسمها يظل يطير ويتغذى عليها".

ووفق تقرير للأمم المتحدة، فإن الخفاش يوفر 2.36 مليون طن من المبيدات الحشرية سنوياً، وكل ليلة يأكل الخفاش الواحد بالمعدل 4 آلاف حشرة وهي خلال ساعتين عند المغيب، وساعتين قبل شروق الشمس.

ويسهم الخفاش، وفق أبي سعيد، "في تلقيح الأشجار والأزهار. فمثلاً في المكسيك، يعتمد إنتاج التيكيلا على الخفاش، فهذا المشروب الشعبي يعتمد على الصبار (التين الشوكي) وزهرته تتفتح خلال الليل ويلقحها الخفاش، وقدر إن إنتاجها يمكن أن ينخفض بنسبة 90 في المئة إن نفقت الخفافيش. كما أن روثه يعتبر من الأسمدة الأفضل".

ويدعو أبي سعيد إلى المشاركة في النشاطات التوعوية الخاصة بالخفافيش، ومنها ليلة الخفافيش العالمية التي تقام سنوياً في مركز التعرف على الحياة البرية Animal Encounter في مدينة عاليه، فضلاً عن المشاركة في نشاط سيقام قريباً في منطقة عنجر يهدف للتوعية، خصوصاً لدى الجيل الجديد حول أهمية الخفاش. والتواصل مع المركز إن "تم العثور على مستعمرة من هذه الخفافيش. إذ يعتقد أن هناك أنواعاً عدة لم يتم اكتشافها بعد".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها