الأحد 2018/09/02

آخر تحديث: 00:16 (بيروت)

سد بسري كارثة بيئية واجتماعية وإنفاقية: ما هي الصفقات؟

الأحد 2018/09/02
سد بسري كارثة بيئية واجتماعية وإنفاقية: ما هي الصفقات؟
السد أخطر وأكثر ضرراً من قضية الرمول (أنور عقل ضو)
increase حجم الخط decrease

الكارثة المقبلة على مرج بسري وجزين وتخوم الشوف أكبر من حصرها باستباحة المرامل لهذه المنطقة في واحدة من الفضائح الموصوفة، كونها تطاول الإرث الطبيعي والثقافي والحضاري في مرج بسري التاريخي، متمثلة في مشروع السد. علماً أن سائر دول العالم قدمت مراجعات نقدية حيال السدود السطحية التي أنشأتها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، يوم ساد اعتقاد أن السدود تمثل مدخلاً لتحقيق الازدهار الاقتصادي، ليتأكد لاحقاً أن النتائج المترتبة أكبر على النظم البيئية وتدمير مناطق. وقد تسببت السدود في تدمير ثلثي أنهار العالم، وفقاً لدراسة علمية حديثة.

وللسدود تأثير بالغ على تغير المناخ في المناطق المقامة بها، خصوصاً في المناطق القريبة. إذ تبعث المواد العضوية المتعفنة بخزانات السدود غاز الميثان الذي يؤثر بشكل بالغ في المناخ. وإذا كانت دول العالم بدأت تتخلص من بعض السدود، فإن لبنان ماضٍ في سياسة هدر المال العام في مشاريع سدود لن تجلب الازدهار المائي الموعود. وهذا ما تأكد في سد شبروح. إذ أكد الخبير في الاقتصاد السياسي البيئي political ecology في مجال المياه، الباحث والأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور رولان رياشي أن "في سد شبروح ثمة هدراً في المياه يقدر بمئتي متر في الثانية".

تغريدة جنبلاط
لا يمكن مقاربة قضية الرمول المثارة أخيراً بمعزل عما يخطط لهذه المنطقة، خصوصاً بعد تغريدة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في تويتر. وقد أثارت كثيراً من ردود الفعل المتناقضة، بعدما جاء فيها: "لقد جرى تزويد لبنان بفرقاطة خاصة لمراقبة مهربي الرمل في مرج بسري والمحيط، خصوصاً أن بعض رؤساء البلديات يختلسون الرخص لتشويه الطبيعة. إن تلك الفرقاطة مجهزة بكل الوسائل الحديثة وتستطيع أن تصعد مجرى الأولي إلى بركة أنان وأن تصل إلى مرج بسري ويقال حتى نبع الباروك، لا حدود للتقدم العلمي".

ورد رئيس الائتلاف المدني الناشط رجا نجيم على التغريدة: "هالمهمة بدها مجنزرة مش فرقاطة. نهر بسري- الأولي هو ساقية لكمية من المياه الملوثّة والمسمّمة تكفي فقط لتجنب جفافه. والتقدم العلمي هو بالمحافظة على البيئة وحماية وجود الناس في أرضهم. فكارثة مثل سد بسري بمنطقة زلزالية بامتياز يمر في جوف أرضه تفرع من فالق روم الناشط، فضيحة وهرطقة علمية".

لا بد من الإشارة إلى أن القرار الوزاري رقم 131/1998 الصادر عن وزارة البيئة بتوقيع وزير البيئة آنذاك أكرم شهيب، اعتبر منطقة نهر بسري- الأولي الذي ينبع من جبل الباروك، محمية ومتنزهاً طبيعياً. ويضم الوادي منظومة طبيعية متكاملة من الثروة الحرجية والحقول الزراعية والمروج وغابات الصنوبر وأراض زراعية خصبة. كما يضم معالم أثرية وتراثية، من بينها الجسر الروماني المرتبط بمعبد وادي أشمون على نهر الأولي وكنيسة مار موسى وقناة خاسكية وقلاع تاريخية كقلعتي أبو الحسن ونيحا.

الرمول أقل الكوارث
يقول الأستاذ المتقاعد من منطقة إقليم الخروب في الشوف حسان حجار لـ"المدن" إن "قضية استخراج الرمول هي تحصيل حاصل، فمعظم المنطقة هناك رملية، وهي أقل الكوارث بالمقارنة مع بناء سد بسري. ويقوم بها بعض أصحاب الأراضي الذين استملكت أراضيهم لمصلحة السد، وكذلك بعض المتعهدين والمنتفعين وعصابات الكميونات وغيرهم، للحصول على بعض الأموال من أراضيهم التي بيعت بأسعار متدنية (ما بين 40 ألف و70 ألف ليرة للمتر المربع) بالمقارنة مع الاستملاكات في منطقة جون وعلمان والوردانية، وقد بلغت 50 مليون دولار لمساحات قليلة للغاية".

ويشير إلى أن "الهدف من المشروع استجرار المياه إلى بيروت وبالتحديد إلى الحازمية وبناء نفق لهذه الغاية". ويؤكد أن "الرمول تستخرج بكميات هائلة وبأسعار لا تتجاوز 6 دولارات للمتر الواحد". و"هناك ما يقدر بـ100 مليون متر، أي أن المجموع نحو 600 مليون دولار، وهو مبلغ ليس قليلاً".

يضيف حجار: "هذا المبلغ لا يمكن مقارنته بالمبالغ الضخمة المتأتية من استخراج كميات هائلة من الصخور والحجارة لمصلحة بناء النفق الممتد على مسافة 22 كيلومتراً، من جون إلى الوردانية (ويمتد على مسافة 34 كيلومتراً من محطة التكرير في الوردانية نحو الحازمية)، والتي استخرجتها شركة صينية لمصلحة الشركة الإيطالية متعهدة النفق، أي حمولة 60 ألف شاحنة من الصخور نقلت وبيعت إلى الكسارات، وهي أموال طائلة ذهبت أدراج الرياح".

فتش عن الآثار
وسط ذلك، ثمة صفقات متوارية متصلة بالآثارات في المنطقة. ويشير ناشطون بيئيون إلى أنه لمعرفة حجم الفضائح والكوارث في بسري لا يمكن الوقوف عليها إلا من خلال الاستفادة من هذه الآثار. وهذا ما يؤكده حجار قائلاً: "باعتقادي أن مشروع هذا السد، فضلاً عن التكلفة الكبيرة الموزعة على المستفدين، يستهدف الحصول على الآثار التي تذخر بها هذه المنطقة، كونها كانت ممراً لكافة الجيوش، ومنذ قديم الأزمان، للحصول على المياه".

ويقول لـ"المدن" ممثل إحدى الجمعيات البيئية، آثر عدم ذكر اسمه قبل استكمال دراسة أولية وعرضها على الرأي العام في سياق خطة لمواجهة هذا المشروع، إنه "في حالة سد بسري بالذات لا يهمهم القضاء على 5.6 مليون متر مربع في أجمل سهل جبلي في لبنان، وقطع نحو 800 ألف شجرة، والتضحية بكنيسة مار موسى ودير القديسة كاترين، وجرف القصر الروماني الذي ردم معظمه تحت طمي النهر، وتخريب 120 موقعاً آثرياً وتاريخياً".

ويرى أن "هذه القضية أخطر وأكثر ضرراً من قضية الرمول". وإذ يؤكد أن "قضيتي الرمول والسد من شأنهما تدمير كل خصائص هذه المنطقة الطبيعية والجمالية والاقتصادية والسياحية والسكانية"، يرى أن "استخراج الرمول لا يهجر السكان مع رفضنا لهذا الفلتان في ملف الكسارات والرمول، ولا يدمر معالم أثرية ولا يعدم منطقة بكاملها، كما ستكون الحال مع هذا السد الكارثي".

مغامرات مكلفة
ويرى مسؤول إحدى الجمعيات البيئية أن "الطامة الكبرى تتمثل في استهداف التنوع البيولوجي الفريد من نوعه لناحية النباتات والحيوانات، وكون المنطقة ملاذاً وخط سير الطيور المهاجرة، فضلاً عن تدمير المشاريع الزراعية المنتجة التي توارثها سكان المنطقة. كما لا يهمهم الغاء ثلاث بلدات وتهجير أهلها، وتحويل السهل إلى مستنقع".

ويقول إن "ما هو أخطر متصل بفشل السد المؤكد علمياً، كون سهل بسري تكون من انهيار جبل روم ومن جرفيات النهر، وما كانت تحمله مياه السيول من أتربة و رمول وحصى على مدى السنين، يراوح عمقها بين 70 متراً عند جسر بسري و105 عند عماطور. ما يتطلب حفريات تصل إلى طبقة الصخور، على عمق من 100 إلى 150 متراً لوضع دعامة السد، إن استطاعوا الوصول إلى هذه المسافة. بالإضافة إلى سد ركامي صخري على شكل مخروطي. كما أن الصخور في هذه المنطقة من المادة الكارستية وهي لن تحفظ مياهاً سطحية مطلقاً".

ويشير إلى أن "مشاريع السدود في لبنان هي مغامرات مكلفة هدرت لغاية الآن مئات الملايين من الدولارات يقدمها البنك الدولي لتحقيق استراتيجيته بإغراق لبنان بديون باهظة. والدليل هو أن عدداً كبيراً من هذه السدود لا تحتفظ بالمياه، منها ما شيد مؤخراً مثل شبروح، القيسماني وبريصا".

فالق روم
في السياق عينه، يعتبر حجار أن مشروع "نفق جون- الوردانية هو الأخطر"، ويعزو السبب إلى أن "هذا النفق يفترض أن ينقل مياه السد إلى محطة التكرير، حيث أن مأخذه الرئيسي قد اتصل بالنفق الآتي من القرعون الملوثة، وتحديداً فوق معمل شارل الحلو". ويشير إلى أنه "رغم عدم موافقة مصلحة الليطاني واعتراضها تم توقيع بروتوكول بين شركة mcm الإيطالية (التي تنفذ النفق) مع مصلحة الليطاني لتركيب (فلوميتر) يقيس كميات المياه التي سيضخونها في نفق الوردانية". يضيف: "يبدو أن هذا الأمر كان بدافع قلق موجود عندهم يتعلق بفشل السد المتوقع وبهذه الطريقة يحاولون تأمين مصدر مياه من الليطاني لتموين محطة التكرير".

ويشير إلى أن "المنطقة تقع على فالق روم، وقد أثارت الهزة في 30 آذار 2017 القلق لدى الأهالي والناشطين، خصوصاً أنها على نقطة ارتكاز للهزات الأرضية، فضلاً عن أن هذه المنطقة لا تحتوي على مياه سطحية كافية لتجميعها خلف السد، وقد قام الخبير الهيدرولوجي سمير زعاطيطي بحفر ثلاث آبار، أولها عند جدار السد، وثانيها عند تفرع النهر يساراً عند بلدة عماطور، وثالثها في بلدة بنواتي على يمين مجرى الماء، ودرس جيولوجيا الأرض، ووجد أن 70 متراً من الطبقات الأرضية عبارة عن ترسبات من رمل وبحص وطمي، و80 متراً هي عبارة عن صخر كارستي غير مقاوم للماء، وبعد 150 متراً ظهرت مياه جوفية بقوة كبيرة. ما يعني وجود خزان جوفي أهم من المياه السطحية مجتمعة. أما في بنواتي فقد انهارت الأرض".

وتقول رئيسة بلدية الميدان السابقة نورما طنوس الفغالي إن "الخراب والكارثة التي سيتسبب بها المشروع تشبه ما يحدث مع سد جنة الآن، ويحاولون سد ثغرات في بنية السد بكميات هائلة من الإسمنت. وفي المجمل، فإن دراسات هذه السدود غير كافية، ولم تتم دراسة الأثر البيئي، خصوصاً أن هناك مليوني شجرة معمرة ستقطع". وبالنسبة إلى المرامل، تقول: "الأرض بمجملها لدينا رملية، وحاول العديد من نواب المنطقة وضع اليد عليها، وتدخل اتحاد بلديات جزين أثناء وجودنا في البلدية ومنعناه من إنشاء المرامل".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها