الخميس 2015/07/16

آخر تحديث: 16:12 (بيروت)

أجساد بصرية في أسواق بيروت

الخميس 2015/07/16
أجساد بصرية في أسواق بيروت
والحال إن المكان وناسه، في إجتماعهما معاً، يدخلان في البصري وثقافته (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
يحكم الإزدواج الدخول إلى أسواق بيروت. وهذا وحده ما يذكّر بوقوع المكان في زمن سابق على زمن التجول فيه. ولا يمكن الشك بأن أحداً من الداخلين إليه لا يفكر، في أول وصوله إلى "سوق الطويلة"، في أنه يعبر إلى ماض وإن كان، نسبياً، غير مرئي. وهذا الالتباس، الذي يعززه المنقول الشفوي لا الشكلي في وسط بيروت، يحيل المكان إلى مأزق حضوره. ذلك أننا نسمع عن "البلد" وأسواقه، ولا نرى منهما شيئاً. مع ذلك، يبدو الاهتمام بتاريخ هذا المكان مسألة فئوية، لا تهم جميع الداخلين إليه.


على أن هذا الازدواج محكوم، بدوره، بممارسات الحضور داخل الأسواق في شكلها الحالي. فالشركة المستملكة للمكان ارتأت، على عكس السائد في عملها، أن تترك له أسماءه القديمة، مع تغيير واضح في استنفاعها منها، أو طرق ملئها بالناس والسلع. فيما راح الناس، مستهلكو المكان، بدورهم يطرحون خطاباً جسدياً على المكان، يتسق مع هيئته الجديدة. كما لو أن "سوليدير" ومشروعها لم يوجدا في "صحراء مدينية"، على ما راج عند معارضي المشروع. فهي، في رؤية أخرى، مكان مناسب لمستهلكيه، الذين يمكن الافتراض أن وجودهم، في ثقافتهم هذه، سابق على المكان في طوره الأخير.

والحال إن المكان وناسه، في إجتماعهما معاً، يدخلان في البصري وثقافته. ويميلان للإستعراض، كما لو أنهما يؤديان دوراً لمتفرجين، لا يصعب عليهما، في تحركهما أو ثباتهما، وعي وجودهم. غير أن الازدواج، في سياق آخر، ينسحب إلى دور "الشخص" في المكان، وتنقله التلقائي بين متفرج ومؤد. فأينما حللت في الأسواق (في المقاهي أو المطاعم أو جلست على المقاعد أو الكتل الباطونية) أو مررت، تبدو كأنك تؤدي الدورين معاً. وهذا ما يعززه نوع الناس، الذي يبدو المكان، إلى حد ما، قد وجد لهم من دون غيرهم.

عليه، يبدو كل شيء في الأسواق يفيض عن ذاته، بما في ذلك المبنى المتهالك (مبنى جريدة لوريان لوجور)، الشاهد الوحيد تقريباً، على زمنها السابق. فهو لفرادته، في حيزه الجغرافي، يبدو كأنه يتجاوز مكانه البصري، ويتحرك. على ان التجاوز ينسحب أيضاً إلى أجساد العابرين وهيئتهم الشكلية، والمتهجين إلى السينما -فائقة البصرية بدورها- كما إلى المحال التجارية -التي يبدو كل شيء فيها مباحاً للخارج-. فلا أحد منهم، كما يمكن أن يقال، يجيء صدفة إلى المكان، بل يقصده قصداً، مع ما يرتبه ذلك من خيارات ذوقية وشكلية أو جمالية، رغم تعدد الأجناس والأعمار.

بعيداً عن الخطاب الجامع لمؤسسي المكان ورمزهم التاريخي، الرئيس رفيق الحريري، فإن المكان يبدو فئوياً في خيارته الذوقية والجمالية. والاقصاء، كما يمارس على المهن قليلة المكانة، يتخذ في الأسواق مساراً شكلياً لا يمكن تجاهله. ذلك أن الحضور في المكان يلزمه التزام بمعايير بصرية، يبدو "الشكل الحلو"، ثياباً وجسداً، أولها. على ان الاقصاء، في هذا السياق، لا يرفع عن المكان صفته العمومية، طالما أن المجال العام -في مرونته العملية-، لا يمكن أن يكون عاماً، وهو مؤسس بالضرورة على رؤية مرتاديه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها