الجمعة 2014/09/12

آخر تحديث: 15:46 (بيروت)

بلدية بيروت تحاول تغيير "النظام"

الجمعة 2014/09/12
بلدية بيروت تحاول تغيير "النظام"
نديم ابو رزق: ما يحصل في الدالية ليس من صلاحياتنا (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease

تبدو بيروت مدينة مختنقة وسط أزماتها اليومية، وصراعات النفوذ على مجالاتها العامة. وهذا ما يعيد دور بلدية بيروت إلى مركزيته، كسلطة محلية، يفترض أن تولي هذه المشكلات أهمية قصوى، وخاصة أن هذه الأزمات تمس الحياة في مصادرها الأولى والبدائية. لكن البلدية، كسلطة، تدخل، أو تُدخل، في الصراع نفسه، وليست طرفاً خارجياً أو محايداً، في العديد من الملفات. ولاستطلاع أراء البلدية في عدد من هذه الملفات التقت "المدن" نائب رئيس البلدية نديم أبو رزق، وكان معه الحوار الآتي:


كيف تتعامل البلدية مع تحديات التلوث البيئي وما هي الحلول؟
تواجه بلدية بيروت تحديات كبيرة وخاصة أن المدينة لم تقم حسب تنظيم محدد إنما غلب على نموها الطابع العشوائي. نحاول الآن تدارك التداعيات السلبية عبر مخطط استراتيجي(city balance strategy). وقد قمنا بإنشاء مرصد حضري مهمته الأساسية جمع المعلومات والبيانات للوصول الى صيغة هذا المخطط النهائية، لمعالجة كافة التحديات الموجودة بطريقة منهجية. وهذا ما سيتطلب وقتاً. والعمل بهذا المخطط سيحسن الظروف البيئية التي لا تنحصر بالتلوث الهوائي بل بالتلوث السمعي والبصري أيضاً. فوضعنا البيئي غير مثالي مع وجود مشكلتي المولدات الكهربائية وتضخم أعداد السيارات التي تدخل وتخرج يومياً من وإلى العاصمة. وهذا نتيجة تراكم سنوات من نمو المدينة من دون خطة استراتيجية للنقل العام. لكن هذه الرؤية المستقبلية لا تنحصر في بيروت الإدارية فحسب، بل نحاول انشاء اتحاد بلديات مع الضواحي لخلق نظام مدروس ووضع مخطط توجيهي للعشرين سنة القادمة لنكون قادرين على التعامل مع أسوأ الإحتمالات. ونعمل الآن بالتعاون مع منطقة "ايل دي فرانس" على مشروع "التنقل السلس" في طريق الشام وقرب "الجامعة الأميركية". وهذا المشروع من النماذج المهمة التي يجب تكريسها وقد سبقتنا مدن عديدة اليه، مثل روما التي فاقت فيها أعداد الدراجات الهوائية اعداد السيارات. ولا يمكننا أن نطلب من الناس استعمال الدراجات من دون تأمين بنية تحتية للسلامة العامة منظمة ومدروسة.

ما هي أهمية هذا المشروع وأهدافه؟
يصل مشروع "التنقل السلس" بين حرش بيروت والوسط التجاري مروراً بأحياء بدارو ومونو. وأحد أهم أهدافه حث الناس على استعمال وسائل نقل صديقة للبيئة للتخفيف من أعداد السيارات التي يساهم ازديادها المستمر بتلويث الهواء واحتلال مساحات كبيرة، في بيروت، كالمساحات المحددة للمواقف. واختير هذا الطريق لما له من رمزية عند اللبنانيين، اذ كان خلال الحرب الأهلية خط تماس يفصل بين مناطق متحاربة. كما أنه يجمع مكونات متعددة من المجتمع، فيكون دوره كحيز عام زيادة التفاعل بينها. وهو يأخذ مساراً ثقافيا أيضاً حيث يربط الحرش مع "بيت بيروت"، الذي حولته البلدية الى متحف للذاكرة، والوسط التجاري لما له من دلالات ثقافية وتراثية. وقد قدمت "إيل دي فرانس" التمويل ولُزّم تخطيط المشروع الى شركة عالية المهنيّة هي “Traffic Consultants”. وبعد دراسة المحيط وصلنا الى أن الحل المناسب هو إبقاء خطي الذهاب والإياب مع إلغاء مواقف السيارات على الجانبين لتوسيع الأرصفة لتكون مخصصة للدراجات الهوائية مع مساحة خضراء. وتتفاعل هذه الأرصفة مع محيطها، فعند الجامعة "اليسوعية" مثلا ستتصل مع الـCAMPUS والأمكنة التجارية ومقاهي الأرصفة. ووضعنا اليد على عقار في المنطقة لانشاء حديقة، وسنقيم تحتها موقفا للسيارات لاستيعاب تلك التي كانت تقف على جانبي الطريق. الدراسة الأولية للمشروع انتهت ونعمل الآن على تحويل الدراسات التفصيلية الى خرائط تنفيذية.

ما هي رؤية بلدية بيروت للمساحات العامة؟
تتألف المساحات العامة من عدة مكونات أهمها الحدائق. وفي بيروت تسع الى عشر حدائق نعمل عليها بالتعاون مع القطاع الخاص واستشاريين على مستوى عال من الخبرة لوضع دراسات حديثة لإعادة تصميمها أو تأهيلها. توّج هذا التعاون في تجربة مهمّة هي حديقة الصنايع، ويجري العمل على حديقة الكرنتينا وهنالك دراسة لتأهيل حديقة اليسوعية وحديقة المفتي حسن خالد. ونولي أهمية خاصة للأدراج التي هي جزء لا يتجزأ من تراث بيروت. وكانت "جامعة الألبا" قد قدمت لنا دراسة مهمة لكيفية المحافظة عليها وتضم الدراسة تاريخ كل درج ووظيفته السابقة والحالية، وتوصيف لوظيفته المستقبلية. سيتوّج التعاون مع "الألبا" بالعمل على تأهيل درج مار نقولا في الجميزة. سينفذ المشروع قريباً لكن مع المحافظة على طابعه التراثي ومن دون المس بأحجاره الأساسية، مع تدخل بسيط لنزيد المساحة الخضراء ومقاعد وأماكن مخصصة للإنارة والنفايات. بالإضافة الى أن العمل على حرش بيروت مسألة وقت فقط. ووضعنا دراسة لفتح ميدان سباق الخيل، الذي تبلغ مساحته 200 ألف متر مربع، لإنشاء حديقة مفتوحة لكل الناس وليس فقط لرواد السباق. ويتضمن المشروع المحافظة على السباق الذي أعتبره تراثا بيروتياً، وتطويره وتحديثه. على أن يفتح العقار لنشاطات بيئية ورياضية، مع أمكنة مخصصة لحفلات موسيقية، ليُوصل بعدها بالحرش، اذ من غير المقبول أبداً أن تبقى أكبر مساحة خضراء مقفلة أمام الناس.

كيف تتعامل البلدية مع مشكلة التواصل مع المجتمع المدني؟

أنا أولا أعتبر نفسي من المجتمع المدني. لم أشغل مسبقاً أي مناصب في الإدارة أو الدولة. لكنني أتفهم بشكل كامل فقدان الثقة بين الجمعيات وأي شخص في موقع سلطة. وهذا ما سببته سنوات طويلة من العلاقة الملتبسة، التي رسخت اعتقاداً بأن شاغر موقع السلطة فاسد حتى يثبت العكس. وفقدان الثقة هذا أدى الى نوع من الإحباط لدى ناشطي المجتمع المدني الذين يقومون بردات فعل مبالغة أحيانا. تنبهت إلى هذه المشكلة منذ عام ونصف، وحاولت ترميم هذه العلاقة عبر عدة طرق، منها اجتماعات علنية لمشاركة الجمعيات بما يحصل والأخذ برأيها. من الإيجابيات القليلة في هذا البلد وجود هذا الكم من الجمعيات والـNGOs الغنية والتي تحوي كفاءات هائلة في التراث والثقافة وعلم الإجتماع. ونحاول عبر الاجتماعات التي نقوم بها ايصال فكرة أن في البلدية أشخاصا ليسوا بعيدين عنكم. ونحن نمد لهم يدنا لمساعدتنا لنصبح أقوى بوجودهم. لكن للأسف مثل هذه المواضيع ليست مغرية للإعلام، الذي يركز على كل ما يثير ضجّة. ولبناء علاقة ترتكز على الثقة يلزمنا بعض الوقت والصبر. نحاول إشراك الجامعات في التخطيط للمشاريع والاعتماد على أصحاب الخبرات والمهنيين ولجان التخطيط من المجتمع المدني، لنحثهم أكثر على مشاركتنا. لكنني أستثني بعض الأفراد من المجتمع المدني الذين يعملون فقط لمحاربتنا وذلك لارتباطهم بأجندات سياسية أو إقتصادية. سيستمر هؤلاء بالتشويش على البلدية بشكل عشوائي مع اقرار أي مشروع لخلق ضجة تأخذ تغطية اعلامية. نتقبلهم طالما أننا نعمل بطريقة مهنية وقانونية بعيداً عن الفساد والمحسوبيات.

ما هي وجهة نظر البلدية حول مشروع فؤاد بطرس وما سبب الإلتباسات حوله؟
تعرض مشروع فؤاد بطرس لحملات تشويه ومغالطات كبيرة ساهمت بعدم ايصال صورته الحقيقية. وهو يهدف الى تحسين نمط حياة السكان في الأشرفية وخلق منافذ جديدة تفتقدها المنطقة من الشمال والشرق، وخصوصا في منطقة الرميل. لا جسر في المشروع يحاذي جامعة الحكمة، كما هو متداول، بل نفق يُمنع مرور الآليات الكبيرة والشاحنات داخله وتُمنع السيارات من تخطي سرعة 50 كلم/س. سيعاد تأهيل المكان الذي سيمر فيه النفق ليصبح مساحة عامة خضراء تفاعلية مع الطرق التي نحاول تفريغها قدر الإمكان من السيارات عبر انشاء موقف للسيارات يستوعب 750 سيارة. وبهذا يتاح لنا توسيع الأرصفة لتحسين المشهد العام. سيتضرر نتيجة ذلك 16 مبنى فقط، وهذه مبان استملكتها البلدية منذ عقود طويلة. نحن نرفض الخطاب المناطقي الذي تتبعه الحملات الموجهة ضد البلدية بعد اقرار المشروع. يقال إن هدف المشروع وصل الأشرفية بالحازمية وعاليه تارة. ثم يقال أن هدفه تهجير أهل الأشرفية من بيوتهم. نحن ننتظر التقييم الذي طلبته وزارة البيئة، وهو عبارة عن دراسة سوسيولوجية وبيئية. سنلتزم بما سيخلص إليه. لكنني أؤكد أن المشروع لن يتوقف. ونطالب المجتمع المدني التعاون معنا لإيصال المشروع إلى أفضل صيغة ممكنة. نحن مرتاحون ونعمل بمهنية، وقادرون على التعاطي بإيجابية مع أي شخص يريد تحسين المشروع بلا إثارة واستعمال أساليب الصراخ وتوزيع الإتهامات. هنالك أشخاص يستطيعون الوصول الى الإعلام بطريقة أكبر. وهذا ما ساعدهم في حملتهم لتشويه المشروع وخلق صورة مغايرة عند الناس، وذلك عبر رسم خرائط جديدة للمشروع لا توضح وجود مساحات خضراء داخله. بالإضافة الى مبالغتهم باعطاء قيمة تراثية للمباني.


هل ستلتزم البلدية بتمني وزارة البيئة الحفاظ على دالية الروشة وما هو موقفها من وضع سياج حول الرملة البيضا؟

أوافق، كنائب لرئيس بلدية بيروت، على تمني وزير البيئة في شأن إزالة الحواجز في دالية الروشة. لكن في هذين الموضوعين لا يمكن للبلدية التدخل. لا أريد الدخول في كيفية انتقال هذه الأملاك من عامة الى خاصة، لكن صاحب الملك الخاص يمكنه التصرف بأملاكه حسب القوانين المرعية الاجراء، وتلك المنطقة تندرج تحت بند الاستثمار المنخفض. لم يُقدم الى الآن أي طلب استثمار الى البلدية. لن نسمح بأي خرق للقوانين، وأتفهم الضجة التي أثيرت. فالدالية جزء مهم من تراث بيروت، لكن ما يحدث ليس في نطاق صلاحياتنا. وليس جيداً توزيع الاتهامات بشكل عشوائي بحقنا والطلب منا ما يفوق طاقتنا. نحن مع ابقاء الرملة البيضا كحيز عام للجميع، لكن الطلب من البلدية استملاكها أمر غير منطقي، ونعرف جميعا أن الأسعار مرتفعة جداً هناك. استملكنا قطعة أرض مساحتها 980 متر مربّع في الأشرفية بـ19 مليون دولار وأثيرت ضجة لم تنته بخصوصها. فهل يراد وضع ميزانية البلدية كاملة على استملاكات ليست ضمن امكانياتها؟

increase حجم الخط decrease