الأربعاء 2014/07/09

آخر تحديث: 15:01 (بيروت)

علويو جبل محسن: نخاف من أولاد الحرام!

الأربعاء 2014/07/09
علويو جبل محسن: نخاف من أولاد الحرام!
"الحصار" دفع عائلات من جبل محسن لترك طرابلس نحو جبيل أو الكورة (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

 

تقف أم علي قلقة وراء درابزين بلكونها المطل على سكة الشمال. تتفحص سائق التاكسي الذي ركب معه ابنها سامر جالساً فوق المقعد الخلفي. لأول مرة ترى وجه السائق "الغريب". تفكر في أنه جديد على الخط. ربما ليس من "شوفيرية" القبة. يخنقها القلق وهي تحاول أن تطمئن على ابنها العشريني برسالة عبر "واتسآب". تعرف أن وجهته القصيرة التي لا تتعدى العشر دقائق تجعلها تعيش أقسى لحظات يومياتها. تخاف من أن يكتشف أحدهم أنه علوي. لا تريد أن يتكرر ما حصل معه منذ اشهر حين اعترضه شبان من سنّة المدينة وضربوه لأنه "نصيري" كما يطلق على العلويين في الأحياء القديمة في طرابلس. وقد أعادوه إليها مدمّى.


اتقاء الشر


من حينها صارت طرابلس بالنسبة لها جحيماً. كانت تسمع قصصاً كثيرة و"تطنش" إلى أن حصل الامر مع ابنها. ومن وقتها قررت أن لا يخرج أي رجل من البيت خارج حدود المنطقة. صارت تبتاع أغراضها من زغرتا وتشتري حاجياتها من خارج البلد. كأنها تقي عائلتها أي شر.

لم تقبل، إلا قبل رمضان بأيام، بأن يعود ابنها الى العمل في احدى مقاهي المينا، بعد ان توقف سنة كاملة عن العمل بسبب الاوضاع الامنية التي شهدتها منطقتي باب التبانة وجبل محسن ومعهما بعض أحياء طرابلس. فكانت الخطة الأمنية التي شهدتها المدينة عبوراً الى عودة الحياة، ولو جزئياً، إلى مفاصل المدينة، وفكاً لحصار "شبه مفروض" على أبناء جبل محسن.

هذا الحصار دفع عائلات علوية لترك طرابلس  نحو جبيل أو الكورة. إذ تعلق إحدى سيدات جبل محسن بالقول "العيش عند المسيحيين والشيعة أفضل". تقولها من دون أي تردد. صارت مقتنعة بأن طرابلس تغيرت. "ليس للأقليات سكن فيها"، تجزم مع كثيرين، وهم يقولونها علناً.


"علينا وعليهم"

 
كما أم علي، كذلك رجاء التي تخاف من أن يتعرض ابنها لضرب مبرح، كما تخاف على زوجها الذي بالرغم من صداقاته في المدينة وعلاقاته التي يعود بعضها إلى 40 سنة تشعر بأنه قد يتعرض لمكروه ما. تقول: "الزعران علينا وعليهم".

تضيف: "الأزعر لا يعرف معتدلاً أو آدمياً. المهم أن يخرّب. معظم العلويين أغلقوا مصالحهم في طرابلس. صرنا ننزل ولكن بحذر. نأخذ أغراضنا ونشتريها كالسارقين ونعود".

تتوجس رجاء من نزول ابنها اليومي إلى المدينة، التي "لم تعد مدينتنا"، وفقها. تعترف أن ليس باليد حيلة، "ليس في الجبل أي أشغال. نعاني من قلة العمل ولا يمكن أن يبقى ابني يأخذ مصروفه من والده"، تقول متحسرة، ثم تكمل كلامها بلكنة طرابلسية: "قال شو جبرك ع المر قال الأمر منّو".

تحضر فنجانين من القهوة، وتسألنا إن كنا صائمين. ثم تدخل إلى مطبخها، وهي تردد: "بخاف عليه من ولاد الحرام". أولاد الحرام الذين تتحدث عنهم هم شبان لا يظهرون إلا خلسة في "عز الظهيرة" وأمام أعين الناس عامة، و"يصطادون" علويي المدينة.

هكذا كانت الحال قبل الخطة الأمنية التي أوقفت عملياً الاشتباكات، ومعها سلسلة الاعتداءات "البشعة" بحق طائفة بكاملها. هذا ما فعله "زعران المدينة"، كما تسميهم الغالبية الصامتة في طرابلس. غالبية لا ترى في العلويين أعداء، بالرغم من الاختلافات "الكبيرة" في السياسة، وترى في الاندماج الاهلي ضرورة لديمومة النسيج الطرابلسي. لكن هل هذا الاندماج حقيقي؟.

 
"أمان كاذب"

 
يقول أبو جمال أحد سكان الحارة الجديدة المجاورة لشارع سوريا أن "مقولة الاندماج بين أهالي المنطقتين كذبة لا يمكن تصديقها. هناك قهر بحق الطائفة العلوية. إذا عرفونا علويين يتبرمون منا. هذا إن  لم يعتدوا علينا".

يضيف: "لا أعمم، إذ أن من اعتدوا علينا معروفون وينتمون إلى خط ما ولهم غطاء أمني. أهل المدينة مغلوب على أمرهم. نحن نعيش أماناً كاذباً. من يضمن لنا أن لا يخرج عدد من الزعران ويقتحمون بيوتنا؟". ويشير إلى ان "ولاد طرابلس أوادم لكن ثلة الزعران تستطيع أن تخضع المدينة كلها تحت حكم الدم والنار"، سائلاً: "إذا كان الجو العام في طرابلس يرضى بذلك، وهناك تعصب ديني يكثر كل يوم، كيف يمكن أن نحكي عن عيش واحد؟".


لا عمل


 الحياة شبه متوقفة في أحياء جبل محسن. يبقى مقهى عمران في رمضان المكان شبه الوحيد الذي يعيد للمنطقة ألقها الآفل. هو المقهى الأشهر في جبل محسن. يقصده زوار من زغرتا والكورة والبترون وطرابلس نفسها لشرب المتّة والنركيلة،  خصوصاً في رمضان إذ يكون قبلة الساهرين إلى السحور هرباً من الحر. إذ يبدو موقعه المطل فوق هضبة جاذباً لجلسات رقيقة قبل آذان الفجر.

يقول أحد شبان الجبل: "ليس لدينا أي شيء هنا. مصالحنا كلها تقريباً تضررت. مصانع الخياطة أقفلت بسبب الاوضاع الأمنية، والمحال كلها أفلست بعد الحصار بسبب الاشتباكات. لا عمل ولا شيء. نحس بأننا معزولون. والدولة لم تفعل شيئاً لنا. قليلة هي حصة ابن الجبل في الجيش ولا يصل أي منهم إلى رتب عالية. لا واسطة لدينا لأننا أقلية ونائبانا محسوبان على تيار المستقبل. ولا يمثلونا".

 

increase حجم الخط decrease