الأحد 2014/08/31

آخر تحديث: 15:29 (بيروت)

... والشيعية السياسية تُغيَّب إمامها

الأحد 2014/08/31
... والشيعية السياسية تُغيَّب إمامها
الإمام المغيّب
increase حجم الخط decrease

لا يكفي أن تتذكر الشيعية السياسية اللبنانية السيد موسى الصدر في يوم فقدانه، بل عليها أن تضيف إلى احتفالية الغياب ذاكرة صاحب الذكرى السياسية، وأن تقرأ من جديد في كتاب "حركة المحرومين"، التي تبدلت أوضاع حرمانها العامة جذرياً، مما بات صعباً معه الحديث عن المحرومين عام 2014، من خلال أدوات الفحص التي كانت مستعملة في زمن انطلاق الصرخة الحرمانية، وفي لحظة غياب المؤسس، الحرجة سياسة واجتماعاً، وبنية أهلية منخرطة بنشاط في عملية تفككها الذاتي، بقواها المحلية وبواسطة "داعميها" من الخارج.

 

كيف الكلام عن حركة محرومين اليوم؟ لا تستقيم المقاربة. وكيف الحديث عن الكتلة المذهبية الطرفية، في موقعها الاجتماعي والثقافي ومساهمتها الاقتصادية؟ لا يستقيم الأمر أيضاً في الراهن. مصدر عدم إمكانية وصف الحركة بما كانت عليه، هو جمع التحولات الكمية والكيفية التي حصَّلتها البنية، والتعديلات في سماتها التي حملتها تلك التحولات. لقد باتت الشيعية السياسية المحرومة سابقاً، والطرفية سابقاً، والمهمشة سابقاً... في مركز المعادلة اللبنانية، مثلما صارت القطب الأكثر إقلاقاً وقلقاً، ضمن هذه المعادلة، والساعية للخروج من قلقها وإقلاقها إلى أن تكون القطب الأكثر جذباً، بعد أن أزاحت، واقعياً، من دائرة توازنات "المركز"، بعض نفوذ المذهبيات السياسية، وألحقت ببعضها الآخر ضعفاً بنيوياً كان من نتائجه حرمانها من ميزات أسبقيتها الكيانية اللبنانية، وفرض التراخي على هيمنتها الوطنية العامة، والسعي إلى جعل هذا التراخي إفلاتاً حقيقياً، كتمهيد ضروري لتمكين هيمنة وطنية بديلة، تشبه سابقتها في بعض منطلقات خطابها، لكنها لا تشبهها في منطلقاتها "النظرية"، ولا في نظراتها الداخلية إلى "معنى الكيان"، ولا في سياستها التي تحفظ هذا المعنى، دون أن تغرقه في لجّة معاني مجاورة جغرافياً، أو مشابهة إيديولوجياً.

 

وكلام اليوم، الذي صار خلاصات تقريرية، يعوزه كلام الأمس الذي كان مقدمات افتراضية، ومن هذا وذاك يطلع قول الافتراق، الذي يجوز معه القول، إن اليوم الشيعي السياسي، لا يشبه أمسه، ومن كان يحمل الصفة "الصدرية"، أضاف إليها ما شاءت له الوقائع من صفات.

 

الوقفة الجديدة أمام "الشيعية الصدرية"، هدفها جلاء الجوهري الذي كان فيها. لقد أفصح السيد موسى الصدر عن ذلك في قوله وفي ممارساته، بحيث وضع موضع التفكير، أن هدفه الأساسي هو تأكيد حضور الكتلة الأهلية الشيعية بين قريناتها من الأهليات الطائفية والمذهبية، والعمل على انبعاث شيعية سياسية، تستند إلى الموروث الخاص وإلى وقائعه المادية، بحيث تصل إلى مطلبها في أن يكون لها حصة من ضمن الحصص الوطنية، وحضوراً في ممرات صياغة النظام السياسي، وتمثيلاً في مؤسسات الحكم وتوازناته، ورأياً ودوراً في رعاية شؤون الصيغة اللبنانية وحفظ مواثيقها وأعرافها الوطنية... على ذلك، كانت "الدولة" هي وجهة حركة السيد موسى الصدر، بما تعنيه من انخراط في مسيرة تطورها وتطويرها. كان الأمر صراعياً، شأنه شأن كل القضايا اللبنانية، ولأن الأمر كذلك، استعانت "الشيعية الصدرية" بعنوانين رئيسيين: الأول هو العنوان الاجتماعي المطلبي الذي كان حاراً، والثاني هو عنوان القضية الوطنية، أي الدفاع عن لبنان، والارتباط بقضايا الصراع العربي – الصهيوني، وكان مضمون العنوان هذا مشتعلاً ولاهباً. في ظل العنوان بنت الشيعية الصدرية صلتها مع "الحركة الوطنية اللبنانية"، التي لم تجد ذاتها في موقع تضاد مع "حركة المحرومين" في نظرتها إلى واقع الحرمان اللبناني، وفي ظل العنوان المطلبي الوطني، صاغت الصدرية تحالفها مع حركة فتح الفلسطينية. في المكانين كان الأمر سلساً على الشيعية الجديدة، لأن الجغرافيا السياسية كانت عاملاً مساعداً، حيث كان "اليسار" ناشطاً ضمن البيئة الشيعية عموماً، والجغرافيا المكانية كانت عاملاً معاوناً، لأن الجنوب بغالبيته الشيعية، يقيم على تماس مع قضية احتلال فلسطين.

 

ومن قبيل إعادة الاعتبار إلى موقف السيد موسى الصدر، الذي رفض الحرب الأهلية ووقف ضدها، يجب القول أن صوته الذي حجبته أصوات القتال، عاد ليحتل موقعه ضمن أصوات الذين عادوا فقرأوا المساهمة في تلك الحرب قراءة نقدية. لقد كان الجوهري في المراجعة الراهنة، ما قصده الصدر سابقاً من رفض للتجاوز على قدرات الوطن اللبناني، ومن رفض للمسِّ بشروط تعايش أبنائه، ومن حرصه على المؤسسات الجامعة، التي كان يريد لحركته أن تكون جزءاً من ديمومة أدائها.

 

لو طرح اليوم سؤال ما السبب الأهم الذي دفع إلى اختطاف السيد موسى الصدر؟ لكانت الإجابة الأقرب، ربما، هي أن المعنيين بالشأن اللبناني من خارجه، لم يقبلوا ببناء شيعية لبنانية، ولم يرضوا بولادة استقلالية خاصة، ترى الاندماج في الاستقلال الوطني العام، كضمانة وجودية ومادية لها. بكلامٍ آخر، لقد عوملت الشيعية السياسية الناهضة، بما قدمته من تطلب "دمجي"، كخطر يجب كسره، لأن كل استقلالية لبنانية غير مرغوبة، خاصة بعد أن توزعت هذه الاستقلالية "حصصاً" على رعاتها في الخارج، عرباً وأجانب وبين بين... على ذلك نقيس. إذا كان الغالب على ممارسة الشيعية السياسية اليوم مقروءاً على أنه خروج من الدولة، فما الذي يبقى من الصدرية الأولى؟ وإذا كانت كل السلوكيات التي تمنع استئناف مسيرة الوطنية، توصف بأنها من فعل أيادٍ أجنبية لا تريد الخير للبنان، فما هي السلوكيات التي تنشد حقاً الخير اللبناني؟ وإذا كانت ذكرى 31 آب مناسبة لإعادة التأكيد على أن تغييب الإمام الصدر كان مؤامرة على لبنان، فكيف يفسر المعنيون دأبهم على إزاحة فكرته الاستقلالية اللبناية.

 

كثر ساهموا في خطف الإمام، ونخشى أن المريدين صاروا اليوم من المساهمين في "خطف" هذا الإمام!!

increase حجم الخط decrease