الجمعة 2015/04/24

آخر تحديث: 13:34 (بيروت)

حِلّوا عنّا!

الجمعة 2015/04/24
حِلّوا عنّا!
increase حجم الخط decrease

خلال أسبوعين متباعدين من شهر نيسان الحالي أعلنت قوى الأمن الداخلي إلقاء القبض على 1029 شخصاً (بين أوّله و7 منه وبين 14 و20 منه). وهذا لا يعني أنه لم يُلقَ القبض على أحد خلال بقية أيام الشهر، بل إن أحد بيانات المرجع نفسه كان أعلن (على سبيل المثال أيضاً) عن إلقاء القبض على 83 شخصاً يوم 11 نيسان، كما أُعلن عن القبض على عشرات آخرين في أيام مختلفة من الشهر إياه، والأمر كذلك كل شهر. وبوسع طويلي البال متابعة الأرقام والتواريخ على محرّك "غوغل".

العبرة من ذلك بسيطة ولا تحتاج إلى "أرخميدس": نحن بقية الشعب اللبناني (الطُلَقاء) نعيش في غابة بربرية؛ كما في الأسطورة تماماً ... وكل بريء منّا هو مثابة "أدونيس" يتربّص به خنزير بري. هذه ليست مبالغة ولا فانتازيا. "هيدا لبنان". إسألوا وزير الداخلية...

في الحي الذي أسكن على سبيل المثال، تسيطر جماعة بعينها على الساكنين (سلاحها غير ظاهر)، وتمون على كل ما ينبض هنا بما في ذلك على رأينا العام. في المناسبات المكرّسة لتلك الجماعة، نكون ملزمين أن "نحترم أنفسنا" فلا نتذمر ولا نتأفف ولا نتنفّس بصوت مسموع ولا نقوم بإشارات بالأصابع ولا نسفر عن نرفزة ولا نأتي بأيّ حركة مرئية يُشتمُّ منها نقد أو اعتراض، لا حين يقفلون الطرقات إلى منازلنا بالعوائق (لأسبابهم) ولا حين يطلقون مكبّرات الصوت بتلك الأهازيج الصرّاخة بألسنة ملتوية. وإن شئت المزيد، فالآمن لنا أن نهشّ ونبُشَّ في وجوههم المقطّبة، علامة الموافقة والمناصرة والاستعداد لبذل الدم والولد في سبيل "الشيء" الذي هو قضيتهم أو شهيدهم أو ما إلى ذلك. وفي حال العكس فلن نلومنّ إلا أنفسنا بعد يومين أو عشرة، حين نجد زجاج السيارة محطماً أو عجلاتها مبقورة... "ولا من شاف ولا من دِري".

ولكي لا يظنّ مُخبر متبطّل أن هذا الكلام مقصود به قوم بعينه، فمن الواجب التأكيد أن المقصودين هم كلهم.. أي كلّهم (على طريقة المنسوب إلى تلك العابدة الظريفة خلال الحرب اللبنانية). قبائل هناك كما قبائل هنا، هؤلاء كما أولئك... الكل سواسية حين يصل الأمر إلى إهراق حقوقنا المدنية والإنسانية.

تريد الإشتراك بالدش، سوف يُتاح لك مشاهدة محطات البثّ التي انتقوها لك، وتُحجب التي لا يرونها مناسبة، سواء كانت دينية أو خلاعية... وكي لا تثور ويسبقك لسانك يفهّمونك بالتي هي أوضح أنه لن يكون بوسعك الحصول على اشتراك بالدش إلا من عندهم وبشروطهم. فالحيّ "لنا"... يقولون ويرددون، وممنوع على الآخرين أن يمدّوا شريطاً فيه، كما هو ممنوعٌ علينا في أيّ حيّ "لهم"؛ يعني أننا وإياهم نملك فضاء أفلامك أينما كنت تقيم. ولا يغرّنك أننا مختلفين، فنحن متفقون عليك.  

الأمر ذاته ينطبق على اشتراكك بمولد الكهرباء وبموقف السيارات. ثم، إختصر ولا تُكثر الأسئلة.

هذا في الواقع حال كل لبناني لم تقبل به الغربة ( أو طردوه منها...). يعيش في مرقد الضبع على إيقاع جلاديه. يتحكّمون بكل ما هو من شؤونه، وتحديداً منها توجهاته السياسية فلا يحق له أن يكون خارج القطيع. وكل مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وشرعة الأمم وكذلك دساتير الأحزاب والتيارات والحركات والجمعيات و... كلها مجرّد "عِدّة شغل" وأقنعة لتخبئة الواقع.

لذلك بالتحديد فإن أسوأ ما يمكن أن يعتقده ملك السعودية أو إبنه الكريم، أو شيخ إيران أو مرشده العظيم، أن رجلاً مثلي وأشباهي (ونحن الكثرة في الحي وكل حيّ) نناصبه العداء مثلاً أو نقف ضد سياساته لا سمح الله أو نوافق الذين يركبون على ظهورنا ويدندلون سيقانهم باسم القضية أو الشهيد أو ما إلى هنالك من "أشياء"، ثم يرفعون عقائرهم بالتحدّي وتوجيه الإهانات وهم يتمترسون بنا. يقمعون هواءنا وأهواءنا ويقولون عنّا ويختارون لنا الدشّ والمولد وعوائق الطرق وعزم مكبّرات الصوت؛ وقبل كل شيء، يُلبسوننا توجهاتهم السياسة. وهم، مكّنهم الله، يصبغون وجوهنا وبيوتنا وأسماءنا وسمعتنا بلونهم الفرد المعادي للون الفرد الآخر، ثم يتباهون بنا و"يزرّكون" لأخصامهم بعد أن يتأكدوا أبداً من وضعنا في بوز المدفع... ونحن يا حضرات القدر والقضاء "ما بيخصّنا"، لكننا لا نملك أن نقول شيئاً ولا يمكن لواحدنا أن يكون أكثر من..."أدونيس" المتربص به الخنزير. فمن يتنحنح يصبح على الفور عميلاً إسرائيلياً مذموماً أو عميلاً فارسياً ملعوناً. فبالله عليكم يا جلالة الملك المهاب ويا جناب الشيخ الرئيس: لا تماشوهم ولا تنتقموا منهم بنا. إفعلوا فيهم إن استطعتم وليس بنا، نحن الضعفاء المياومين في سبّ الساعة... فهم وليس نحن، أخصامكم. وهم وليس نحن شيعة إيران، وهم وليس نحن عرب تركيا والخليج. ثم أن معظمنا "غير ديني"، وأورع مؤمن بيننا، يصلّي بالكاد.

لهذه الأسباب التي حبّذا لو نظرتم فيها بعين الله الذي تختلفون على طرائق عبادته، هل تحلّون عنّا وتتوقفون عن سومنا عذاب المهانة وإلغاء الإقامات والطرد وقطع الأرزاق وتدبير الملفات...؟ هل تتوبون عن الحياد أمام أشلائنا حين تتشظّى بعبوّات الشرّ التي تلاحقنا وتتغطّى زوراً بكم؟

ثم، نتمنّى عليكم ألا تصدّقوا البيانات الرسمية التي تصدر. فهي مثل عمليات التجميل الفاشلة، تكلّف الكثير، وحين تُنزع اللفائف يعود الحال أسوأ مما كان.

وأخيراً...ابذلوا جهداً لاكتشاف مقدار تهافت نظامنا الاجتماعي العام الذي نحن أول ضحاياه... تابعوا على اليوتيوب سماجة ذلك الملتحي البدين الذي "تأكل رأس شهواته الدنيئة" فنانة مثيرة، فيقف حافي القدمين أمام القاضي محاولاً لعب دور القائد المؤمن، لكنه يروح يتحدث عن العري وعن هيفا وهبي في جلسة محاكمته المنقولة، وهو يواجه تهمة يمكن أن تودي به إلى الإعدام.

هذا أكثر من حاجتنا... إلى التفاهة. فـــ حِلّوا عنّا!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب