الجمعة 2017/11/17

آخر تحديث: 01:33 (بيروت)

باي باي شيخ سعد

الجمعة 2017/11/17
باي باي شيخ سعد
كيف يمكن إقناع عون بانتهاء مرحلة الحريري؟ (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

يقين رئيس الجمهورية ميشال عون بأن رئيس الحكومة سعد الحريري محتجز وموقوف، وأن عائلته كذلك، وتتعرّض للمهانة بتفتيشها كلما خرجت ودخلت، ليس مجرّد كلمة وتمرّ... أو زوبعة في فنجان. لكن حتى الرئيس لا يتحدث عن الأمر الأهم المختبئ خلف دُخان هذه الأزمة الناشبة، والذي مؤداه وباختصار"باي باي" شيخ سعد. لم تعد رئيس حكومة ولن تعود. انتهى العرض.

مسألة احتجاز الحريري أو عدم احتجازه لم تعد هي الأساس، ولا حتى ما أفضى بالسعودية لاتخاذ القرار بإنهاء العمر السياسي للحريري. المسألة الحقيقية شائكة وقد باتت مفتاح حالة عداء مباشر بين السعودية ولبنان من النوع الذي استنكره بشدّة النائب الغائب عُقاب صقر. وهي ذاتها أيضاً موضوع الرسالة التي أرسلها الدكتور سمير جعجع إلى سيد بعبدا مع وزير الإعلام. وإذا أضفنا لهذا وذاك الرغبة الفرنسية المُعلنة باستضافة الحريري وعائلته من قبل سيد الإيليزيه (في ما يبدو أنه مرحلة نقاهة وراحة وربما أكثر...)،  تتضح أكثر طبيعة مشهد العداء (المسبوق لمن يعتقده غير مسبوق) بين الرياض وبيروت.

هنا، لا بد من ملاحظة كون الرئاسة الفرنسية ممثلة بشخص الرئيس إيمانويل ماكرون، أعلنت دعوتها الحريري رئيس الوزراء اللبناني المستقيل (وهذا تعريف له دلالته) وأسرته (وهذه إضافة ذات مغزى أيضاً) إلى فرنسا. المقصود أولاً أن الحريري هو الرئيس المستقيل. بالتالي، لا تصحّ أيّ مراهنة لرئاسة الجمهورية اللبنانية على ما حاولت إشاعته من إمكانية عودة الحريري عن استقالته. فهذا ممنوع "سعودياً"... ونقطة على السطر. واستضافته وعائلته في فرنسا يُكذِّب المزاعم حول حجزه في الديار السعودية.

لا داعي بعد للاختباء خلف الأصابع. فالمعروف والذي بات شائعاً اليوم أن ما بين السعودية والرئيس الحريري ليس بسيطا ولا عابراً ولا مُستجداً. فأداء رئيس الحكومة أساساً ومنذ وصوله إلى السراي، لم يكن مُرضِياً للمملكة، وهو المواطن السعودي الذي يكاد العرش يعتبره من أفراد العائلة. فبدلاً من أن يُخاصم حزب الله الذي يشيطنه اللسان الرسمي السعودي، عمل الحريري على التعايش مع وزراء الحزب في الحكومة وفي السلطة. وفوق ذلك، كان لا يمون عليهم وعجز عن إقناعهم بانسحاب قوّاتهم المحاربة من سوريا، بل لم يتمكن من كفِّ لسان سيد الحزب عن "مملكة الخير" التي دأب على انتقادها في خطاباته. وإذا أخذنا بما نشرته مجلّة "ذا أتلانتيك" الأميركية، فهذا التعايش بين الحريري والحزب أدّى إلى ارتفاع مستوى غضب المملكة من مواطنها المسمى رئيساً لحكومة لبنان. ولئن سهت المجلة أو تعمدّت السهو، لا بد من التذكير بأن تفاقم المأزق السعودي في اليمن، وبخاصة بعد صاروخ المطار، والدور المنسوب لحزب الله في كلي السياقين، زاد من إضرام نيران الغضب الملكي على الحريري. وعندما تأكّد للرياض أنّ الحريري لن يفعل شيئًا لمنع تدخل الحزب الحاسم في حروب المنطقة، اتخذت ما سمّته المجلة "إجراءاتها الأخيرة". وما نفهمه من ذلك أنها اتخذت القرار بإنهاء حياته السياسية.

وجاء مسلك وتصرّف الرئاسة اللبنانية المتدرِّج حتى "بقِّ البحصة"، ليزيد طين الحريري بلّة. فقد خاض الرئيس عون "حرباً ناعمة" ضد المملكة، معتمداً فيها "غاية الشدّة". عرض موقف الجمهورية بالطريقة غير الاستفزازية  التي ميّزت كل خطواته في هذا الصدد حتى الآن، وطالب بما لا يمكن رفضه له: عودة الحريري للبتّ بالاستقالة التي رفعها من الخارج.

وما جاء ليُناصر منطق رئيس الجمهورية، وصل بالبريد الإعلامي على صدر صحيفة لو فيغارو الفرنسية التي نقلت أنّ "السفير الفرنسي في الرياض فرانسوا غويات كان التقى الحريري قبل ساعات من زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المفاجئة الى الرياض. وبحسب مصدر فرنسي للو فيغارو فالحريري كان محاطًا بمسؤولين سعوديين خلال اللقاء الذي لم يدُم طويلاً، والذي لم يحصل في فندق ريترز كارلتون حيثُ يحتجز عدد من الأمراء والمسؤولين السعوديين". ووفقًا للصحيفة "فالأمر الذي كان مستغرباً هو أنّ المحادثات بشأن لبنان وفرنسا يجب أن تجري بين ممثلي البلدين وليس بوجود "سلطات سعودية". وهنا جرى تثبيت قرار عزل الحريري بشكل نهائي.

ماذا تريد المملكة السعودية؟

الكاتبة اللبنانية في موقع ميدل إيست آي البريطاني نور سماحة، حاولت الإجابة عن هذا السؤال فاعتبرت أن النقاط التي ركّز عليها الحريري خلال المقابلة التلفزيونية، أي تشديده على معارضة السعودية تدخّل حزب الله في اليمن، وحديثه عن نيته العمل على التوصل إلى تسوية، ودعوته إلى التزام الحياد" هي مبدئياً ما تريده المملكة. وكان الأفضل لو أشارت الكاتبة إلى أن ما ذكرته هو "بعض وليس كل" ما تريده السعودية  من الحريري ومن لبنان. فالمملكة لا يمكن أن تكتفي بأقل من انسحاب الحزب من سوريا واليمن والعراق... وكل المناطق التي تتهمه بالعمل فيها. وقبل هذا تريد من الحزب "أن يعود إلى لبنان". والمعنى أن يخرج من إيران. وهذا بالطبع لا يمكن ولن يكون.

إلى أين إذن؟

المرجح أنّ رجل السعودية القوي لن يعود إلى الوراء. وما يسوِّقه عقاب صقر وسمير جعجع من رفع للسقف المعادي للحزب، ينبغي اعتباره نوعاً هجومياً من عملية استدراج عروض تطلبها وتضبطها الرياض التي لا تريد لقضية الحريري أن تُناقش في مجلس الأمن.

في المقابل يبدو الرئيس عون، شأنه دائماً، مستعداً للمضي قدماً إلى الأمام. لكن الأسوأ أنه (كما تبيّن من كلامه) ينتظر عودة الحريري إلى لبنان، بعد انتهاء استضافته في فرنسا. وهذا ما لا ينبغي ولا يصحّ البناء عليه.

وإذا كان الرئيس اللبناني مطمئناً إلى أنه يتمتع بفائض قوة، فالأجدى أن يوجه هذا الفائض في سبيل بناء حكومة جديدة مع غير الحريري. وهذا يتطلّب اقتناعه أولاً بانتهاء مرحلة الشيخ سعد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب