الجمعة 2024/03/22

آخر تحديث: 10:41 (بيروت)

بين ضيق النفس وضيق الأفق

الجمعة 2024/03/22
بين ضيق النفس وضيق الأفق
الظهور المسلح وإطلاق الرصاص في الهواء في بيروت (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

شهدت الساحة السياسية، في الأيام الماضية حدثين منفصلين عن بعضهما البعض. لكنهما في العمق متصلين، وعلى وجه الخصوص في موضوع حرية التعبير وحرية الرأي.

لكن في الحدثين، تبين أن هناك ضيقاً وتضيّقاً في الشرايين الناقلة للدم السياسي. إذ يحكم تصرف بعض الأطراف الحاكمة والمتحكمة والآخر منه ضيق في الرؤية والآفاق وطريقة التفكير.

الحدث الأول، تمثل باستدعاء الناشط والكاتب السياسي والأستاذ الجامعي د. مكرم رباح، من قبل الأمن العام للتحقيق معه، بعد مقابلات وأحاديث ومواقف سياسية، انتقد فيها مواقف وتصرفات حزب الله. وأدلى فيها بمواقف مختلفة ومخالفة للسياق العام المطبل والمزمر لتصرفات وممارسات الحزب المقاوم، والمشاغلة التي يقوم بها في الجنوب في مواجهة إسرائيل، وما ينتج عنها وما يمكن أن يتسبب بها في المستقبل.

أما الحدث الثاني، فقد تمثل بالنقاش، أو الشجار السياسي الإعلامي الذي انطلق واندلع إثر الظهور المسلح وغطلاق النار في الهواء في العاصمة بيروت، من قبل أنصار ومسلحين من الجماعة الإسلامية، ظهروا بكامل عتادهم العسكري، خلال تشييع أحد الشهداء الذي سقط للجماعة في مواجهة العدو الإسرائيلي في الجنوب.

في الحدث الأول، بينت بعض أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والقضائية أنها ما تزال تعيش في عالم انقرض، ولم يعد له أثر إلا في دول معدودة ونادرة الوجود، تتبع أساليب القمع والترهيب البوليسي والقضائي في مواجهة الآراء المخالفة والمعارضة.

كما كان من المستغرب أيضاً في الوقت عينه دخول أحد المسؤولين الأميركيين، على خط التصعيد والتهديد في محاولة الإيحاء بتأمين الحماية لرباح. حيث غرد المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، روبرت ساتلوف، قائلاً: "تحذير للأمن العام في لبنان: لا تفكروا في أن مضايقتكم لمكرم رباح الصوت المستقل والمعروف في واشنطن ستمر من دون أن يلاحظها أحد!

والواقع، أن الاستهبال والنزق الذي تصرفت بهما بعض أجهزة السلطة، قابلته قلة حياء ووقاحة مماثلة من بعض المسؤولين الأميركيين في التهديد والتحذير من مغبة التعرض لرباح.

هنا يطرح السؤال نفسه، ما علاقة المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، روبرت ساتلوف، بقضية رباح؟ ولماذا هذا التدخل السافر وغير المبرر في قضية لا تتصل بالدولة الأميركية؟

صحيح أن ما أعلنه الناشط رباح قد لا يعجب كل الناس. لكن في الحقيقة فإن بعض أجهزة الدولة اللبنانية، لم تدرك بعد أن الدولة ومن يمثلها ويسيطر عليها ويديرها، هي أيضاً لا تعجب أحداً بممارساتها، وأنه لا يمكن وليس من الجائز أو المقبول بعد الآن، استدعاء أحد إلى التحقيق لمجرد أن رأيه مخالف لرأي القوى والسلطة المسيطرة أو المناقضة لها.

لم يعد هناك من دول وأجهزة امنية تحاسب على الرأي المخالف، إلا ما ندر وفي متاحف التخلف المدقع والجهل المتفاقم والاستبداد المقرف.

أثبتت هذه التجارب في لبنان تحديداً، استحالة إسكات وقمع الآراء المخالفة والمعترضة بالطرق السخيفة والمضحكة والمرفوضة، المتبعة حتى الآن.

في المحصلة، خدمت طريقة تصرف السلطة الكاريكاتورية زيادة نجومية الناشط رباح، وقدمت له دفعاً مضاعفاً، وساهمت في انتشاره وتعميم وجهة نظره أكثر من السابق.

كان يمكن الرد على المنزعج من كلام رباح، بكلام مماثل مناقض لوجهة نظره من قبل أبواق إعلامية كثيرة موجودة لدى الطرف المنزعج.. وما أكثرهم. أي استخدام الحجة في مواجهة الحجة، من دون الدخول في هذه الشوشرة والبهدلة القضائية الأمنية الإعلامية والتلفزيونية التي حدثت، والتي خدمت وجهة نظر رباح أكثر ما خدمت المنزعجين منه.

لم يقترف رباح أي مخالفة سوى أنه أدلى بآراء حادة، في مواجهة تصرفات حربية ودموية، من قبل أطراف ميليشياوية وعسكرية مسيطرة ومتحكمة. وهذا من حقه.

الحدث الثاني كان في اعتراض النائب عن بيروت إبراهيم منيمنة ورفاقه في تجمع نواب التغيير، على الظهور المسلح في العاصمة، وإطلاق بعض الأعيرة النارية من قبل عناصر الجماعة الإسلامية. هذا الاعتراض قوبل بكلام حاد وجارح وغير مقبول من أحد رجال الدين في الجماعة، حيث خاطب نواب التغيير بالهجوم الشديد والكلام الجارح. وهو كلام لا يليق برجل دين أولاً، حيث نعتهم بنواب الغفلة! مستخدماً تعابير مقزعة وحادة في التخاطب والهجوم.

"ما بدها هالقد ياسيدنا الشيخ..". هؤلاء النواب اعترضوا على الظهور المسلح وإطلاق النار في الهواء، الذي قد يتسبب بالضرر للناس الأبرياء. وهذا يجب أن تعترض عليه أنت قبل غيرك!

في التصرف الأول ظهرت أجهزة الدولة أنها أجهزة متخلفة فاقدة للرؤية والحكمة والبصيرة والتبصر. وكأنها تعيش في الخمسينيات من القرن الماضي وليس في القرن الواحد والعشرين.

في المحصلة، أنقذ النائب الدكتور عماد الحوت جماعته من السقوط في الإسفاف والتدهور عبر اللغة الرصينة والحوارية العاقلة التي استخدمها في تبيان وجهة نظره والدفاع عنها، وفي النقاش مع رفاقه النواب، وإن استمر الخلاف معهم في وجهات النظر.

الغريب، أن الجماعة الإسلامية، التي يفترض أنها نخبة الإسلام السياسي المستقبلي، والتي أعلنت الانخراط في المقاومة المسلحة في مواجهة إسرائيل، كان يجب أن تنتبه لما هي مقدمة عليه من ممارسات وتصرفات شكلية في بعض الأحيان، وتحسب أن هناك من سيعارضها وينتقد تصرفاتها. وهي لذلك كان يجب أن تتحسب وتعد العدة لاعتراضات كثيرة وآراء مناقضة ستظهر في وجهها، لا أن تسمح بالانزلاق إلى نزاعات وشجارات لا طائل منها، طالما أن الوجهة هي العدو الإسرائيلي. وأن تتبصر بهذه الاندفاعة العنفية في الآراء والمواقف تجاه المعترضين.

عملياً، كشفت الأحداث أن السلطة تتمسك برؤية قاصرة متخلفة محدودة الآفاق. فيما تتحكم العصبية غير المبررة والمستهجنة ببعض تصرفات الجماعة الإسلامية، باعتبارها أحد فروع أجنحة "وحدة الساحات" المسيطرة الآن، بدل الحوار والتروي والاستيعاب الذي لم يخدمها أو يصب في مصلحتها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها