الأحد 2023/07/02

آخر تحديث: 13:30 (بيروت)

لبنان في عنق الزجاجة

الأحد 2023/07/02
لبنان في عنق الزجاجة
التقسيم الفيدرالي لن يأخذ الوطن إلا إلى الجحيم (Getty)
increase حجم الخط decrease

يتألف المجتمع اللبناني من عدة طوائف أساسية، يأتي على رأسها وفقاً للعدد، الطائفة المارونية، ثم تليها الطائفتان السنّية والشيعية، ثم الأرثودكس ثم الدروز ثم الكاثوليك، ثم الأرمن الأرثودكس وبعض الطوائف الأخرى المسماة بالأقليات، ومنها طائفة العلويين. ويبلغ عددها قرابة ثماني عشرة طائفة أو مذهب. وهي تقسم إلى قسمين رئيسيين، الطوائف المسيحية والطوائف الإسلامية بوجه عام، يعيشون جميعاً في ظل نظام برلماني ديمقراطي حرّ من حيث الشكل، وطائفي من حيث المضمون. وهو أقرب ما يكون إلى النظام البرلماني الذي كان يطبق في ظل الجمهورية الفرنسية الثالثة.

لكن الممارسة السياسية من خلال هذا النظام، لم تكن لتتوافق بشكل دائم أو ثابت مع مضمون الدستور منذ نشوء دولة لبنان الكبير عام 1920 بقرار من المفوض السامي الفرنسي حتى اليوم، بل اصطبغ بصورة شبه دائمة بالممارسات الطائفية والمذهبية، واعتماد أسلوب المحاصصة في توزيع المناصب الإدارية والوزارية والنيابية، حتى غدا النائب اللبناني في البرلمان لا يمثل الأمة جمعاء، بل يمثل جزءاً طائفياً ومناطقياً من المجتمع اللبناني، نظراً لعدم اعتماد النسبية الشاملة في قوانين الانتخاب، في ظل الدوائر الانتخابية الموسعة، أو الدائرة الواحدة.

وعندما طبقت النسبية في الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت عام 2016 وعام 2022 على أساس النظام النسبي، ضمن نطاقه الضيق، مقروناً بما سمي الصوت التفضيلي، الذي اصطبغ باللون الطائفي أو المذهبي، وذلك ضمن دوائر صغرى بلغ عددها خمس عشرة دائرة انتخابية، جرى توزيعها بما يتناسب مع الحالة الطائفية والمناطقية الموروثة في البلاد، منذ زمن السلطنة العثمانية والانتداب الفرنسي حتى اليوم.
علماً بأن دستور الطائف قد تجاوز هذه الحالة الطائفية والمذهبية من حيث النص الدستوري في عدد من مواده، وعلى رأسها المادة 95 منه، التي تدعو اللبنانيين إلى إلغاء الطائفية السياسية ضمن خطة منهجية، تشرف عليها الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية في البلاد على مراحل متعددة، بإشراف من الرؤساء الثلاثة ومن القيادات السياسية والهيئات النقابية والمدنية والثقافية التي تتشكل منها تلك الهيئة.

إلا أن هذه الهيئة لم يتم تشكيلها حتى اليوم من قبل جميع الذين تعاقبوا على السلطة السياسية على اختلافهم، منذ العام 1990 وحتى اليوم. كما أنهم لم يلتزموا بروح النصوص الدستورية المنظمة للحياة السياسية والإدارية والأمنية والاقتصادية، حيث يرى كل فريق منهم على حدة، الطريقة التي تناسب وضعه السياسي من خلال تفسير الدستور أو تطبيقاته العملية، حتى بات الدستور موجوداً من حيث الشكل، ومغيباً من حيث الواقع أو المضمون. وأدخلت البلاد في حلقات من الفوضى السياسية والمالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية، انعكست على مختلف أوجه الحياة والانتظام العام للدولة. وكرست إلى حد بعيد سيادة نفوذ القوى والأحزاب الطائفية على حساب سيادة ونفوذ السلطة المركزية. وأدى ذلك إلى غياب الشفافية والمحاسبة في إدارة السلطة وإهتراء الإدارة العامة، وتراجع السلطة القضائية والأجهزة الرقابية. وأدخلت البلاد في نفق الأزمات المستعصية على جميع الأصعدة، وإلى شلل القطاع المصرفي والمؤسسات المالية والنقدية، وإلى تراجع مستوى المعيشة في لبنان إلى أدنى المستويات العالمية، في ظل فراغ سياسي ونظامي وإداري يزيد من تفاقم الأزمة اللبنانية، بالإضافة إلى فشل جميع الجلسات البرلمانية لانتخاب رئيس جديد للبلاد، وفي ظل حكومة مستقيلة لتصريف الأعمال ضمن النطاق الضيق، إلى أن يتمكن المجلس النيابي المنتخب حديثاً من انتخاب رئيس جديد للبلاد، وتشكيل حكومة للإنقاذ الوطني كما يعتقد الجميع.

هل تشكل الفدرالية خشبة الخلاص للبنانيين؟

نصت وثيقة الوفاق الوطني للعام 1990 على ضرورة تطبيق "اللامركزية الإدارية الموسعة" على مستوى الأقضية، التي يتم اختيارها عن طريق الاقتراع العام ضمن القضاء، ويرأسها القائمقام، ما يتيح للبنانيين في كافة المناطق والأقضية التصدي للحاجات الإنمائية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة، تحت إشراف ووصاية السلطة المركزية، ممثلة بوزارة الداخلية والبلديات، إلا أن هذه التوصية لم يتم الأخذ بها حتى اليوم، حيث ما زالت القوى الطائفية وميليشيات الحرب هي الممسكة بزمام الأمور، وتشكل المرجعية السياسية والأمنية وحتى الإنمائية منها، على حساب مركزية الدولة ومواطنية الانتماء إليها. وتأتي الدعوات التي نشهدها اليوم إلى اعتماد النظام الاتحادي الفيدرالي من كنف الكانتونات الطائفية التي كرستها الحروب الأهلية والانقسامات العمودية المتتالية في ظل النظام الطائفي. وهي تكاد تكون استكمالاً لها، وهي تدخل في سجل الصراع على تولي السلطة المركزية في لبنان، من منطلقات اللامركزية في إطار الكانتونات الفيدرالية، الإسلامية والمسيحية على حد السواء. وإذا كانت بعض القوى السياسية المسيحية تجاهر علناً في هذه المرحلة من الأزمات الدستورية والسياسية باعتماد الفيدرالية كحل سحري لحالات الانقسام والشرذمة في ممارسة السلطة السياسية والمؤسسات الدستورية، إلا أن القوى السياسية الإسلامية ليست بعيدة عن هذا الطرح، بما تضمره من نوايا من منطلق طائفي أو مذهبي.

إن وهم التقسيم الفيدرالي لن يأخذ الوطن إلا إلى الجحيم الموعود وإلى المزيد من الأزمات المعيشية والأمنية. فهل نتعظ من الحروب الأهلية العبثية السابقة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها