السبت 2023/06/03

آخر تحديث: 10:31 (بيروت)

قراءة هادئة بقرار "الدستوري" حول قانون التمديد للبلديات

السبت 2023/06/03
قراءة هادئة بقرار "الدستوري" حول قانون التمديد للبلديات
التمديد للمجالس البلدية يخالف مبدأ دورية الانتخاب وممارسة الحريات الديمقراطية (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease

لما كان المجلس الدستوري في لبنان، في جلسته المنعقدة بتاريخ 30 أيار للعام 2023، بكامل أعضائه، قد اتخذ قراره بشأن المراجعات أو الطعون الثلاثة التي تقدمت بها بعض الكتل النيابية ومستقلون، بصدد تعليق العمل بقانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية للمرة الثانية، ومن ثم إبطاله وإجراء الانتخابات الآنفة الذكر في مواعيدها التي حددها القانون، وحيث جاء قرار المجلس بغالبية سبعة من أعضائه متعارضاً مع طلب المعترضين على عدم شرعيته وعدم دستوريته، ومخالفة ثلاثة أعضاء في المجلس الدستوري لهذا القرار، لأسباب وجيهة لا بد من الإضاءة على فحواها وأبعادها القانونية والدستورية، مع الأخذ بالاعتبار أن قرارات المجلس الدستوري الصادرة بصيغتها النهائية، لا تقبل أي طريق من طرق المراجعة. وبما أن المجلس الدستوري يقر صراحة بأن القانون المطعون فيه هو مخالف بشكل واضح وصريح لمبدأ دورية الانتخابات ذي القيمة الدستورية، وهو بالتالي يخالف مضمون الفقرة (هـ) من مقدمة الدستور وللمادة 16 منه، وبأن التمديد للمجالس المحلية بسبب الظروف الطارئة، يجب أن يتناسب مع ما تقتضيه تلك الظروف وضمن المدة الزمنية الدنيا أو المعقولة، إلا أن المفاجأة هي أن المجلس قد اتخذ قراره بالأكثرية (7 من 10) أعضاء، بعدم الموافقة على إبطال قانون التمديد المطعون فيه، عملاً بمبدأ الحفاظ على استمرارية المرفق العام ذي القيمة الدستورية، ورد طلب الطاعنين وذلك بتاريخ 2023/5/30، أي قبل انقضاء مهلة ولاية تلك المجالس المحلية بيوم واحد، ينتهي في الأول من حزيران الحالي.

إلا أنه وبالعودة الى الآراء القانونية والدستورية التي أدلى بها الأعضاء الثلاثة المخالفون أو المعترضون على قرار المجلس الدستوري، وهم (القضاة رياض ابو غيدا وميراي نجم وميشال طرزي)، ومن أجل التمعن في مضمون تلك الآراء المخالفة لما لها من أهمية قانونية ودستورية، تؤسس لحالة نهضوية وديمقراطية في ممارسة عمل هذا المجلس، الذي لا تقبل قراراته أي طريق من طرق المراجعة، والتي يمكن الإضاءة عليها وفقاً لما يلي:

أولاً: رأي القاضي رياض أبو غيدا المخالف
لقد خالف عضو المجلس الدستوري القاضي رياض أبو غيدا قرار المجلس الدستوري (رقم 6 تاريخ 2023/5/20) الذي رد الطعن بعدم قانونية قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية (رقم 2) وذلك بالإستناد الى الآراء والأسباب التالية:

أ – لقد خالف قرار المجلس مبدأ دورية إجراء الانتخابات في مواعيدها القانونية، مع حق المواطن في ممارسة حق الاقتراع للهيئات المحلية بصورة دورية ومنتظمة، للتعبير الحر والديمقراطي عن إرادته، كما خالف قانون التمديد الاتفاقيات الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي نصت عليها مقدمة الدستور في لبنان.

ب – لا يرى القاضي أبو غيدا، أن أية ظروف استثنائية حالّة وأكيدة من شأنها أن تمنع إجراء الانتخابات البلدية، كما جرت الانتخابات النيابية الأخيرة في ظل الظروف المشابهة.

ج – إن صدور قانون التمديد المطعون فيه، في ظل عدم وجود ظروف استثنائية جدية تمنع إمكانية إجراء الانتخابات في مواعيدها، هو أمر مخالف للدستور وللمواثيق الدولية التي التزم بها لبنان، وهو يخالف مقدمة الدستور ومضمون وثيقة الوفاق الوطني، ولنص المادتين (7 و16) من الدستور ولمبادىء التشريع والأصول الإجرائية.

د – إن حق المواطن في ممارسة حريته بأن يكون ناخباً أو منتخباً هو من الحقوق السياسية تطبيقاً للممارسة الديمقراطية التي يرتكز عليها النظام الدستوري في لبنان.  وهو يرى أخيراً، بأن التمديد للمجالس البلدية والاختيارية لم يكن له أي مبرر أو ضرورات حقيقية وواقعية تمنع إجراءها، وهو يشير الى أنه سبق للمجلس الدستوري أن أصدر (القرار رقم 1/97 تاريخ 97/9/22) الذي اعتبر فيه تمديد ولاية المجالس البلدية بالقانون رقم 654 هو مخالف لأحكام الدستور، وقضى المجلس بإبطاله، وهو يشكل سابقة قانونية مماثلة. لذلك فهو يوافق على إبطال قانون التمديد الحالي.

ثانياً: آراء العضوين ميراي نجم وميشال طرزي المخالفة
لقد خالف هذان العضوان رأي الأكثرية، وفقاً للمادة 12 من قانون إنشاء المجلس الدستوري رقم 250 تاريخ 93/7/14 والمادة 36 من نظامه الداخلي للأسباب التالية :

أ – مخالفة القانون المطعون فيه مبدأ دورية الانتخابات ذات القيمة الدستورية،

انطلاقاً من مقدمة الدستور والنظام البرلماني الديمقراطي في لبنان، وحيث أن الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة التي يمارسها عبر مؤسسات الدولة الدستورية، وحيث أن حق الاقتراع مصان في الدستور وفي المعاهدات والشرائع الدولية الإنسانية، فلا يجوز إهماله أو تجاوزه في مطلق الأحوال. كما ينبغي التقيد بمدة زمنية محددة لممارسة حق الاقتراع، ومن أجل الحفاظ على مبدأ دورية الانتخاب وممارسة الحريات الديمقراطية، ومن ضمنها انتخاب المجالس المحلية، نظراً لأهميتها على صعيد الحياة الاجتماعية والعمل التنموي.

ب – عدم احترام المهل القانونية والدستورية، حيث يعود للمشترع دون سواه أن يحدد مدة الولاية الانتخابية وفقاً لقواعد الاختصاص. وهو بذلك يستخدم سلطته بتفويض من الشعب اللبناني التي لا يجوز مخالفتها أو تجاوزها إلا بتشريع خاص. وإن تقدير الظروف الاستثنائية والضرورات التي تستدعيها، في حال تحقق وجود هذا الظرف، يعود هو أيضاً للمشترع، وأن يحدد المدة الزمنية التي تستوجبها تلك الظروف، ويبقى حق الانتخاب خاضعاً لرقابة المجلس الدستوري بالنسبة للقوانين التي قد تتيح تمديد المهل الانتخابية. وذلك ضمن النطاق الضيق لتحقق الظرف الاستثنائي في ظل رقابة القضاء المختص، باعتباره من الظروف الشاذة عن المألوف، وتهدد السلامة العامة والنظام العام في البلاد. وحيث يستدعي ذلك في حال تحققه، اتخاذ الإجراءات الاستثنائية بما يتناسب مع طبيعة وخطورة الظرف الاستثنائي. الأمر الذي لم يتحقق في مسألة التمديد للانتخابات البلدية والاختيارية الراهنة. وحيث ينبغي أن تكون حالة الضرورة الملحة مقيدة في حدود المدة الزمنية ذات الصلة (قرار المجلس الدستوري رقم 7/2014)، وإن استنكاف المرشحين عن التقدم بطلبات ترشيحهم خلال مدة زمنية محددة لا يؤدي بالضرورة الى تأجيل الانتخابات، بقدر ما يتصل بإزالة الأسباب المانعة والمحفزة للاشتراك بالمنافسة الانتخابية. وقد لعب الإعلام دوراً سلبياً على هذا الصعيد.

ج – أما الأسباب الواهية المتعلقة بالمزاعم حول عدم إمكانية البلديات المنتخبة بأن تقوم بدورها من الصناديق البلدية الفارغة، وحيث أعلنت بعض البلديات إفلاسها نظراً لنفاد اعتمادات الموازنة والاحتياطي المالي لديها، وخلاف ذلك مما أشيع حول عدم جدوى إجراء الانتخابات في مواعيدها الحالية، كل ذلك كان من أجل ذر الرماد في العيون بهدف التأجيل والمماطلة في ممارسة اللعبة الديمقراطية وفقاً للقانون.

د – عدم تناسب مدة التمديد مع الغاية المتوخاة

لقد مدد القانون المطعون فيه ولاية المجالس البلدية والاختيارية لتاريخ أقصاه 2024/5/31، أي لمدة سنة إضافية، وذلك للمرة الثانية بعد ما كان المجلس النيابي قد مددها سابقاً لمدة مماثلة من 2022/4/14 حتى 2023/5/31 لأسباب سميت آنذاك "بالتقنية". وحيث لا يجوز للمشترع أن يقدر مدى ملاءمة التشريع مع الغاية المتوخاة منه، وحيث يقتضي في مطلق الأحوال، أن تتلاءم القيود والضوابط المفروضة على ممارسة الحريات العامة والحقوق الأساسية الدستورية، ومع الغاية المرجوة منها، والهادفة إلى تحقيق المصلحة العامة لتحقيق التوازن بينهما وبين القيود والضوابط المفروضة من قبل المشترع. وبما أن القانون رقم 310 تاريخ 2023/5/30 المطعون فيه بحرمانه المواطنين لمدة سنة إضافية من حق الاقتراع والترشيح، اللذين يشكلان حقاً دستورياً لممارسة العملية الديمقراطية بصورة حرة وطبيعية، وهي مدة طويلة، تجعل المرتكبين والمخالفين أو المقصرين تجاه الشأن العام في منأى عن المحاسبة، تحت ذريعة غير واقعية تمثلت بالحديث عن وجود ظرف إستثنائي لا وجود له على الإطلاق، في ظل الحاجة الى تجديد الحياة الديمقراطية وضخ الحياة في جسد السلطات المحلية التي تنهار يوماً بعد يوم جراء سياسة الفراغ القاتلة.  

لقد كان من الأجدى أن يكون قرار المجلس الدستوري منسجماً ومتوافقاً مع آراء القضاة الثلاثة المخالفين لقراره، من أجل تعزيز الممارسة الديمقراطية في العمليات الانتخابية، وصون الحريات الدستورية في لبنان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها