الأحد 2023/06/25

آخر تحديث: 11:24 (بيروت)

سياسة التعطيل وإمكانية الحل السياسي

الأحد 2023/06/25
سياسة التعطيل وإمكانية الحل السياسي
الديمقراطية لا يمكن أن تنمو إلا في ظل نظام سياسي بعيد عن الطائفية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
توالت جلسات مجلس النواب من أجل ملء الشغور الرئاسي، من دون إمكانية التوصل إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعد إثنتي عشرة جلسة انتخابية امتدت زهاء ما ينيف عن الثمانية أشهر من الفراغ في سدة الرئاسة. وتأتي المبادرة الفرنسية من خلال زيارة مبعوثها جان إيف لودريان، للوقوف على حقيقة ما يجري في لبنان، والبحث في الأسباب التي تحول دون نجاح العمليات الانتخابية المتكررة من دون نتيجة، ونقل المعلومات إلى الرئيس الفرنسي خلال أيام. فما هي الأسباب الحقيقية والواقعية التي منعت حتى اليوم إنتخاب الرئيس العتيد؟

أولاً: الموانع القانونية والدستورية
نصت الفقرة الثانية من المادة 49 من الدستور اللبناني على آلية انتخاب رئيس الجمهورية بغالبية الثلثين من مجلس النواب في دورة الانتخاب الأولى. وبالتالي، فإن نصاب الجلسة ينبغي أن لا يقل عن الثلثين. كما يكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، مع تأمين النصاب الدستوري بغالبية الثلثين في جميع الدورات الانتخابية اللاحقة. وبالتالي، فإن غياب ثلث أعضاء المجلس زائد واحداً يؤدي إلى تعطيل نصاب الجلسات الانتخابية. وقد حصل ذلك في جميع الجلسات الانتخابية السابقة، حيث يستطيع أي تكتل سياسي داخل المجلس تأمين إمكانية التعطيل عندما يشعر بأن مسار الانتخابات قد لا يتوافق مع مصلحته. لذلك ينبغي إعادة النظر بهذا النص الدستوري لجهة عدم تأمين سهولة التعطيل، إما بجعل الجلسات مفتوحة وفقاً للمواد (73 و74 و75) من الدستور، وذلك منذ اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس، وإلغاء إمكانية التعطيل بعد هذا التاريخ، من خلال تعديل المادة 73 من الدستور بجعل الحضور إلزامياً بعد التاريخ المذكور وحتى انتخاب الرئيس، مع التأكيد على مضمون المادة 75 من الدستور، لجهة اعتبار المجلس الملتئم لانتخاب الرئيس ضمن المهل الدستورية هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، والشروع حالاً واستتباعاً حتى انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة أي عمل آخر، وتعديل النظام الداخلي لمجلس النواب تبعاً لذلك، وعلى أن يتم تعديل الدستور وفقاً للمادتين (76 و77) منه.

ثانياً: الموانع السياسية والطائفية
تبين من خلال جميع الجلسات الانتخابية أنه ليس بإمكان أي فريق من القوى السياسية أو الكتل النيابية المتنافسة، أن يؤمن نصاب تلك الجلسات من دون موافقة الطرف الآخر المنافس له، بوجود إمكانية التعطيل بالثلث المعطل، لا سيما في دورات الانتخاب التي تلي الدورة الانتخابية الأولى في كل جلسة. كما تبين أنه لا يمكن لأي فريق أن يتوصل إلى إنجاح مرشحه من دون التوافق مع الآخرين. وانسحبت هذه المعادلة من التوازنات المستجدة على جميع دورات الانعقاد المتتالية. وكان من المفضل أن يتم التوصل إلى تسوية سياسية توافقية بين هذه القوى والكتل النيابية بعيد الدورة الأولى، لإنجاح عملية انتخاب الرئيس، وعدم إضاعة الوقت في محاولات غير مجدية، اتسمت غالبيتها بالكيدية السياسية بين قوى سياسية طائفية، لم تعتد المرونة والواقعية في ممارسة العمل السياسي منذ عقود من الزمن، وبقي التحدي والمواجهة السياسية بين تلك القوى حتى الجلسة الأخيرة في 14 حزيران الجاري، بعيداً عن الشعور بالمسؤولية الوطنية وتكريس المصلحة الوطنية العليا على حساب مصالحهم الفئوية الضيقة.

ثالثاً: العوامل الخارجية
يبدو العالم الخارجي منشغلاً عنا في هذه المرحلة، حيث تتعاظم تفاعلات الحرب الروسية الأوكرانية إلى أبعد مداها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتدور رحى الحرب العالمية الباردة بين العمالقة في الصين وروسيا الاتحادية وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في أوروبا والعالم من جهة ثانية، في مواجهة المعسكر الناشىء والذي أصبح يقض مضاجع الأميركيين ويتصدى لمشاريعهم السياسية والاقتصادية على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مكان في هذا العالم. وتبقى فرنسا وبعض دول الخليج التي تحاول إقناع اللبنانيين بالتفاهم فيما بينهم للتمكن من خلق مناخ جيد للاستثمارات الضخمة المرتقبة على صعيد النفط والغاز، وفي مجالات تجارية أخرى مختلفة، وحثهم على القيام بالإصلاحات الإدارية والاقتصادية والمالية الضرورية للحفاظ على استمرارية عمل المرافق العامة، وخلق مناخ آمن للاستثمارات، وخلق الثقة تجاه صندوق النقد الدولي والمنظمات الدولية المانحة والدول ذات الاهتمام بلبنان، على قاعدة ساعدوا أنفسكم لكي نتمكن من مساعدتكم.

رابعاً: العوامل الداخلية
يقول دولة الرئيس الدكتور سليم الحص في كتابه "نافذة على المستقبل" الذي نشره عام 1977، "أن الشعب اللبناني تواق دائماً إلى الحرية، لكنه لا يتقن اللعبة الديمقراطية بسبب النظام السياسي الطائفي والحالة السياسية السائدة في المجتمع". وإن الحديث عن ما يسمى "ألديمقراطية التوافقية" في لبنان ما هو إلا ستار للحالة الطائفية التي كرسها النظام السياسي الطائفي في لبنان على امتداد عشرات السنين، وإن الديمقراطية الحقيقية لا يمكن لها أن تنمو إلا في ظل نظام سياسي بعيد عن الطائفية السياسية وممارساتها العبثية، وهي حالة تقدمية في حياة المجتمعات البشرية، وما التوافق بين الأحزاب الطائفية إلا النقيض الحقيقي لتطور الحالة الديمقراطية في الدولة المدنية العصرية، وحيث لا بديل أمام اللبنانيين في هذه المرحلة إلا بالتخلي عن النهج الطائفي، والولوج نحو "دولة القانون والمؤسسات" والعدالة الإجتماعية وبالاستناد إلى مضمون اتفاق الطائف مع بعض التعديلات الضرورية اللازمة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها